ذكريات مع فقيد القلم أستاذي عبدالله خياط
تلقيت خبر وفــاة األســتــاذ األديـــب الكبير أبــو زهـيـر، ومــا أسرع األخـــبـــار املـــؤملـــة، وال يــجــاريــهــا فـــي ســرعــتــهــا إال نــبــضــات قلب الفاقدين ملحبيهم، تعلمنا مـن ديننا أنــه ال خالد إال وجــه الله الكريم، وإن كان الخلود موجودا، ولكن في الحياة األخرى، اللهم اجعله وإخواننا املسلمني كافة من الخالدين في جنات النعيم. نعم نفتقد ونــألــم ولـكـن بنفس راضــيــة بقضاء الــلــه، حــامــدة له قــدره، فكل نفس ذائقة املـوت وهو حق نؤمن به، ونسلم ونسأل الله حسن الخواتيم، وأنا اليوم عندما أرثي أبا زهير، فال أريد أن أجعله رثاء حزينا، فمثله وذكراه العطرة يعبق بها كل مجلس، وهذه الذكرى أبدا ال تكون إال بالذكريات مع هذا الراحل، وهي حتما ذكـريـات بهيجة وتـاريـخ حافل بـاإلنـجـاز الــذي يفرح وال يبكي، عالقتي بأبي زهير قديمة من عشرات السنني، فكنت أزور «عكاظ»، وكان هو رئيس تحرير، وطلب مني ذات مرة أن أحرر زاويـــة أسـبـوعـيـة، بـاسـم رجـــال األمـــن، وكـنـت أيـامـهـا مــالزمــا في شرطة النجدة، فقلت: «أسبوعيا صعبة يا أستاذ»، فـرد: «قدها وقــــــدود»، وأخــــذ بــيــدي وشـجـعـنـي ســنــوات عــــدة، حــتــى انتقلت للرياض فتوقفت. واستمر تواصلنا، وذات مرة خابرني قبل حوالي عامني وقال يا معالي الفريق، طبعا أتـحـدث بطريقته الـراقـيـة، قــال: «إنــي أعكف على كتاب عنوانه (رجال عاصرتهم)، وأنت منذ مرور جدة أعرف تــاريــخــك، أرســـل لـطـفـًا مــا قـبـل ذلـــك، طـبـعـا عـنـدمـا قـــال عاصرتهم كـانـت الكلمة مدغمة فنطقت عصرتهم، فأجبته: «طـيـب بعد ما عصرتهم شربتهم»، فضحك طويال ثم أجاب: «نعم، بس ايش أقول لك بعضهم وقف في حلقي»، وقبل شهور عدة، وأنا في تركيا رن الجوال، فـإذا هو أستاذي عبدالله خياط، قلت لعله أنجز الكتاب، فسلمت عليه، وقلت لــه: «أمــرك سـيـدنـا»، فـأجـاب: يـا أخــي أنــا أقرأ مقاالتك وتعجبني، وخاصة الجانب الساخر فيها، ولكن أنت اليوم «تخششتني» فقلت ملا قال عن موضوعك الذي نزل اليوم وهو مني يقول للغولة عينك حمراء هذا كالم نفسي أقوله وكان ممكنا ولكن ما كان يحلو إال كما تناولته، ثم قال: «إذا رجعت تسمح تخبرني ألنــي ودي أقــيــم دعـــوة عـلـى شــرفــك»، فــــرددت: «أنـــا أخـــذت مــبــدأ ال دعوات لي من سنني عدة ولكن أنت ال يمكن عنك امتنع»، وحصل تــواصــل بـعـدهـا وكــانــت معظمها اعـــتـــذارات مـنـه، رحـمـه الــلــه، عن تأخر الدعوة، ويردد ترى التأخر مني، ألن العيب فينا، فضحكت ألنــه كــان يشير إلــى عـنـوان سابق ملقالي، وكــان يكلمني وهــو في املستشفى، واعتذرت منه وقلت: «أعذرني أنا أضحك وأنت تعاني»، فرد لي طلب عندك قلت: «تأمر». قــــال: «أرجـــــوك ال تـكـف عــن االبــتــســام وال عــن جـعـل مــن يــقــرأ لك أو يتحدث معك أن يبتسم. وبعدها نشر مقالته «أنــا والفريق أسعد». وقبل وفاته بأيام قالئل اتصل بي ليعتذر عن التأخير فــي الـــدعـــوة، فــقــلــت: «يـــا أســـتـــاذي صـحـتـك أهـــم مــن كــل دعــــوة»، لقد أكرمني رحمه الله بكثير من مقاالته الطيبة عن شخصي املتواضع، أيام عملي في مرور جدة، وإدارة جوازات منطقة مكة املـكـرمـة، إن قلمه أكرمني كثيرًا، كما أكــرم الـحـرف الــذي سخره عشرات السنني لخدمة وطنه، هذا ما فعله من إحسان لي فكيف هو مع بقية الناس، رحم الله أبا زهير وجعل الجنة مثواه. وإنا لله وإنا إليه راجعون.