روسيا أقرب مما يتصورون!
حينما يــبــدي الــرئــيــس األمــريــكــي دونالد تـــــرمـــــب مـــــخـــــاوفـــــه مــــــن أن أي اســــتــــفــــزاز لــلــســعــوديــة قـــد يــجــعــلــهــا تـــحـــول بوصلة صفقاتها باتجاه روسيا والصني وعندها فإن الخسارة ستكون مضاعفة للشركات األمـريـكـيـة، وحينما يردد الساسة األمريكان بأنهم ال يـريـدون خسارة السعودية فــي مـلـفـات سـيـاسـيـة كــبــرى فــي منطقة الــشــرق األوسط متعلقة بالسام وبمكافحة اإلرهاب وبالسباق النووي الـذي يمكن أن ينطلق في الشرق األوســط في أي لحظة وبتمثيل كتلة تتجاوز أكثر من مليار إنسان في العالم خاف تأمني مصادر الطاقة لاقتصاد العاملي، كل هذه املـلـفـات ال يمكن إدارتــهــا دون أن تـكـون الــريــاض قطب الرحى واملحور األقدر واألقوى الذي يمكن الوثوق به.. السياسة السعودية من جهة تتمتع بعاقات إستراتيجية مفتوحة مع الغرب والشرق، مما مكنها دائمًا من التحرك بــذكــاء واالحــتــفــاظ بـعـاقـات وثـيـقـة مــع الــقــوى الكبرى حتى في أحلك الظروف واالختاف على ملفات معينة مكنها من ذلك الثقل والوزن اإلستراتيجي الذي تتمتع بــه، ولــذلــك تـكـاد الـسـعـوديـة تـكـون الــدولــة الـوحـيـدة في الشرق األوســط التي تستطيع أن تستغني عن عاقتها مع أي دولة أخرى وهي تعرف أنها في حسابات املكسب والخسارة مؤثرة على الطرف اآلخر أكثر من أي تأثير أو تبعات قد تتعرض لها. والـــريـــاض مــشــهــورة دائــمــًا بـالـصـبـر وإبـــقـــاء الخطوط مـفـتـوحـة دائــمــًا مــع الــعــواصــم الــكــبــرى، مـمــا سـمــح لها بهامش من املـنـاورة يجعل األطــراف الدولية املتنافسة عــلــى إبــقــاء مـصـالـحـهـا ســالــكــة مــع الـــريـــاض فــي وضع التأهب دائمًا لعقد صفقة رابحة.. وإحـــدى هــذه الـعـواصـم مـوسـكـو وسـيـدهـا الـجـالـس في الكرملني «فاديمير بوتني» الذي يتحضر لزيارة كبرى للعاصمة «الرياض» ردًا على الزيارة التي قام بها خادم الــحــرمــني الـشـريـفـني املــلــك سـلـمـان بــن عـبـدالـعـزيـز الذي حظي باستقبال إمـبـراطـوري قـل أن يقدمه «الكرملني» لضيوفه الكثر الرائحني والغادين عليه. ما يجمع روسيا بالسعودية قد يكون أكبر بكثير مما يجمع السعودية مع أي دولة كبرى في العالم، فكلتاهما منتجة للنفط وتعاونهما في مجال الطاقة نفطًا وغازًا هدف إستراتيجي لم تتخل عنه «الرياض» وال «موسكو» مـهـمـا ابــتــعــدت أو اقــتــربــت بـهـمـا ريـــاح الــســيــاســة، وألن السياسة متغيرة واملصالح ثابتة احتفظت العاصمتان الــكــبــيــرتــان بــعــاقــة إســتــراتــيــجــيــة مـكـنـتـهـمـا دائــمــًا من الـــتـــعـــاون مــعــًا فـــي الــلــحــظــات الـــهـــادئـــة قــبــل اللحظات الحرجة.. السعودية تنسج عاقاتها مع الشرق وتحديدًا «روسيا والـصـني والـهـنـد» نسج فـنـان محترف يجيد وضــع كل ألوان الطيف في لوحة واحدة، ولذلك فمنذ التسعينات املـــيـــاديـــة قـــــررت «الــــريــــاض» أن ســوقــهــا الــكــبــيــر نفطًا ومـنـتـجـات بـتـروكـيـمـاويـة يكمن هــنــاك حـيـث «الشرق» الــعــظــيــم، ونــــــادرًا مـــا تـتـمـتـع دولــــة فـــي الـــشـــرق األوسط تحديدًا بـهـذه الــقــدرة على إدارة الـتـوازنـات والعاقات والــتــأثــيــر مــمــا يــجــعــل اآلخــــريــــن يــتــحــســبــون ألــــف مرة لخسارة السعودية..! منافسو السعودية اإلقليميون وتحديدًا إيــران وتركيا هــم األكــثــر حـنـقـًا مــن قـــدرة «الـــريـــاض» عـلـى تجاوزهم في كل األصعدة كرافعة للشرق األوســط عمومًا تفرض احترامها ومصالحها فـي دوائــر صنع الـقـرار العاملي، ولـــذلـــك نــجــد «إيــــــران وتــركــيــا» أســعــد الـــنـــاس فــيــمــا لو انــقــطــعــت حــبــال الـــريـــاض املــمــتــدة مـــن بــكــني وموسكو وحتى واشنطن.. روســيــا بـوتـني أثـبـتـت غـيـر مــرة أنـهـا األحـــرص واألكثر وضــوحــًا عــلــى إبــقــاء مـصـالـحـهـا مــع الـــريـــاض راسخة ومتنامية واملواقف الدولية بني السعودية وروسيا تكاد تكون متفقة على كثير من امللفات أكثر من اختافهما معًا، ولذلك فإن الزيارات الدبلوماسية والتشاور بينهما على كثير من امللفات في املنطقة لم ينقطع وخصوصًا في الثاث سنوات األخـيـرة.. بوتني يجد في السعودية حليفًا مهمًا ينبغي أال يفرط فيه، ونحن نجد في موسكو وضـوحـًا فـي الـرؤيـة قـد ال تتمتع بـه «أوروبـــا» العجوز وال أمريكا «الواشنطن بوست»، مهما ردد الغرب أنه لن يخسر السعودية، فالسعودية أيضًا لن تخسر موسكو وال العكس. ! * كاتب سعودي