Okaz

«املتاجرة» بالتعليم..!

-

التعليم مـن أسمى األعـمـال، وال نقول املهن وحسب... ألنه أنبل وأرفع من أن يكون مهنة فقط. إنه إضافة إلى ذلك، رسالة سامية، يجب أن يبجل القائم بها، ويقدر العامل عليها بأمانة وإخالص. وإذا كان اإلنسان في أمس الحاجة إلى «الصحة» كي يعيش، ويعمر األرض، فإنه بحاجة أمس لـ «التعليم»... كي يعيش بعافية وكرامة، ويؤدي دوره، بأكبر إتقان ممكن. كـل دول الـعـالـم، وألهميته البالغة، تـوفـر التعليم الـعـام (األساسي) لسكانها، ومجانا. ومعظمها يجعل التعليم االبتدائي - على األقـل - إجباريا. وأغلب حكومات العالم تخصص نسبة كبيرة من ميزانياتها للتعليم، وتوفره من املرحلة االبتدائية حتى املرحلة الجامعية، وما بعدها. وبعض الدول تقدم التعليم الجامعي وبعد الجامعي برسوم رمزية. كــل ذلــك انـطـالقـا مــن كــون التعليم هــو أهــم عـنـاصـر تنمية اإلنسان وتــطــويـ­ـره. ووجــــود شـعـب متعلم يـسـهـم فــي دعـــم قـــوة الـــدولــ­ـة، ورفع مكانتها بني األمم. والعكس صحيح. ومن هنا أنشئ التعليم العام (أو الحكومي) املجاني، أو شبه املجاني. وكذلك الحال بالنسبة لـ «الصحة». فهناك دائما رعاية صحية حكومية، مجانية أو شبه مجانية.

ونـــظـــر­ا لــتــشــع­ــب أعـــمـــا­ل الـــحـــك­ـــومـــات، وتــــزايـ­ـــد مــســؤولـ­ـيــاتــهـ­ـا نحو مجتمعاتها، خـاصـة فـي مجالي الصحة والتعليم، بــدأت حكومات العالم منذ عهد طويل، بالسماح بوجود رعاية صحية خاصة، وتعليم خاص... تقدم هاتني الخدمتني الجليلتني بمقابل مادى، ووفق قواعد ومبادئ ونظم صارمة ومحددة. *** وقد سمحت حكومتنا الرشيدة (ممثلة في وزارة التعليم) بقيام تعليم خــاص بـالـبـالد، وفــق أنظمة مـحـددة، ومتابعة مـشـددة، لضمان قيام مؤسسات التعليم الـخـاص بــأداء دورهــا كما يجب، بمهنية وجودة وأمانة. ولسنا هنا بصدد تقويم تجربتنا مع التعليم الخاص، بصفة عـامـة، ولكن هناك بعض املالحظات عـن التعليم الجامعي الخاص، وهــو - كما نـعـرف - قـطـاع نــاشــئ، ولكنه يتطور نحو األفــضــل. ومع ذلـــك، نـسـمـع أن هــنــاك بـعـض مــؤســســ­ات التعليم الـجـامـعـ­ي الخاص، التي يالحظ عليها شيء مما يمكن وصفه بـ «التسيب الجامعي». إذ يالحظ تأكيدها على الجانب التجاري، أكثر من تركيزها على تقديم الخدمة التعليمية والتربوية بمهنية وجودة وأمانة. فأصبح الطالب (أو الطالبة) لديها «زبـونـا»، يجب إرضـــاؤه... ولـو على حساب العلم واالنضباط والجد واالجتهاد.

*** وفي البدء، البد أن ننوه بمعظم من «يستثمرون» أموالهم وأوقاتهم في مجال التعليم الخاص، سواء العام أو الجامعي. فهؤالء عزفوا عن استثمار أموالهم فـي التجارة والعقار وغيرهما، وآثـــروا االستثمار في أنبل مجال، وهو مجال التعليم، رغم أن العائد االستثماري به قد يكون أقل من العائد االستثماري في مجاالت أخـرى... هؤالء يجب أن يشكروا، ويكرموا... كرموز وطنية مضيئة، تساهم في نهضة بالدها في أشرف ميدان. ومــــع هــــذه الـــصـــو­رة املــشــرق­ــة، هــنــاك - كــمــا يــبــدو - مـــن دخــــل مجال االستثمار في التعليم، طمعا في العائد املادي وحسب، ودون اكتراث جاد بتقديم الخدمة التعليمية املأمولة. فبعض هذه املؤسسات التي أقامها هـؤالء ما زالـت - كما يبدو - تتسم بالتسيب الجامعي، وسوء الخدمة التعليمية، رغم محاوالت التغطية اإلعالمية والدعائية املكثفة التي تقوم بها، ترويجا لنفسها.

*** إن «سمعة» أي جامعة هي أمر شفاف، ومؤشر على مدى جودة الخدمة التعليمية التي تقدمها لطالبها، واألبحاث العلمية التي تساهم بها لخدمة مجتمعها. ومعروف، أن الجامعة الخاصة تعتمد، في بقائها واستمرارها، على رسوم الخدمة. وهناك عالقة طردية بني مدى جودة أي جـامـعـة ومـــدى دعـمـهـا مـالـيـا. عـنـدمـا تتسيب أي جـامـعـة خاصة، فـإن نوعية «رديـئـة» من الطالب تتدفق عليها، فيزيد دخـل الجامعة املادي، في املدى القصير، ولكن سمعتها تتدهور، ومكانتها تضعف. األمر الذي، إن لم يتم تداركه، يتسبب في ضعف إقبال الطالب عليها، وتراجع دخلها املــادي، في املـدى الطويل. هناك نوعية من الطالب ال تبحث إال عن «شهادات»... فإذا تم مجاراتها، وتلبية هدفها بسهولة، من قبل أي جامعة، فإن ذلك يعتبر بداية ملرض ووهن الجامعة، وربما موتها. حري بالجامعات الخاصة أن ال تقع في شراك هذا الفخ، وأن ال يكون هدفها األول جمع األموال، واملتاجرة ببضاعتها. ال بد أن يكون الهدف األســاســ­ي ألي جامعة خـاصـة هـو تقديم العلم لـطـالبـه، بأقصى قدر ممكن مـن املهنية والــجــود­ة واألمــانـ­ـة، وبتكاليف معقولة، وميسرة، وليس مبالغا فيها، كما يحدث في بعض الحاالت. وجميل أن يكون هم وزارة تعليمنا األول تجاه الجامعات الخاصة هو ضمان قيامها بالدور التعليمي والتربوي املطلوب منها، وجودة مخرجاتها. فهذا هو الهدف الذي يجب أن تكون األهداف األخرى هامشية بجانبه.

*** تعمل وزارة تعليمنا للحيلولة دون وقوع أي كلية أو جامعة خاصة فـي فـخ «الــتــجــ­ارة». فـال يجب التغاضي عـن التسيب الجامعي، الذي غالبا مـا يـبـدأ بتعيني إداريـــني فاشلني علميا وأخـالقـيـ­ا، إلدارة دفة هذه املؤسسات. ويستشري هذا الفساد بتعامل الكلية أو الجامعة مع طالبها تعامال غير ســوي، قـوامـه «تـدلـيـع» الــطــالب... ألنهم «زبائن» يشترون منها الشهادات. فيدخل الطالب للمحاضرات وقتما يشاء، ويخرج وقتما يشاء، بل وال يحضر إال وقتما يشاء... وإن تراكم الغياب عليه يكفي أن يطلب رفـعـه، ويحضر أي مـسـوغ إللـغـائـه. ثـم تـقـدم له امتحانات سهلة، غالبا ما تكون عبارة عن التأشير بــ: صح / خطأ. وعلى األساتذة أن يعوا ذلك، فال يقدموا على «ترسيب» أي طالب، طاملا حضر، ولو بعض املحاضرات، وطاملا دفع الرسوم. أمــا األسـتـاذ الــذى يـدقـق، ويعمل بأمانة وإخـــالص، فغالبا مـا يلغى عقده، أو تدبر له مكيدة، أو تلصق به تهمة، للتخلص مـنـه... تماما كما يحصل في بعض املستوصفات الخاصة. حيث يتم التخلص من الطبيب الذى ال يجلب دخال (مناسبا) للمستوصف. عـنـدمـا تحصل هــذه الـسـلـوكـ­يـات فــي بـعـض الـكـلـيـا­ت أو الجامعات الخاصة، تصبح هــذه املؤسسات فـي حــاالت تسيب جامعي معيب... ويتحول دورها ليصبح متاجرة بالتعليم، وتمسى مخرجاتها هزيلة، باملقاييس العلمية الرصينة.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia