Okaz

اتِق احلليم إذا غضب

-

مــنــذ أن تــفــجــر­ت قـضـيـة مـقـتـل الــســيــ­د جــمــال خاشقجي رحـمـه الــلــه، والـجـانـب الـتـركـي يعمد إلــى اسـتـغـال هذه الـقـضـيـة مــن الـنـاحـيـ­تـني الـسـيـاسـ­يـة واإلعــامـ­ـيــة، بعيدًا عــن الــجــانـ­ـب الــجــنــ­ائــي الــــذي يــفــتــر­ض بـــأي دولــــة مــؤســســ­ات أن تلجأ إلــيــه. منذ الـبـدايـة والـجـانـب السياسي يتولى إدارة القضية وظهور الجانب الجنائي يأتي من أجـل مـلء فجوات في االستغال السياسي واإلعـامـي. في قضية خاشقجي تكرس مفهوم اإلعــام الحربي، وكذا الحرب اإلعامية، فتعرضت اململكة العربية السعودية ألشنع وأقوى حرب إعامية، تضافرت وتعاونت فيها وسائل إعامية ذات مشارب مختلفة كل ألسبابه. البعض الذي ينتمي إلى تيار اإلخــوان املسلمني والبعض اآلخــر الــذي ينتمي إلى قطر والبعض الثالث الــذي ينتمي إلــى املـحـور اإليراني والبعض الرابع الذي ينتمي إلى أردوغان وحزبه والبعض الخامس الذي ينتمي إلى اليسار الغربي. وكل هؤالء على ما بينهم من اختاف فقد اجتمعوا على مناصبة اململكة العداء ألسباب سياسية وأيديولوجي­ة مختلفة. وتحولت الحكومة التركية إلى املايسترو الذي يدير الجوقة ويمدها بما تحتاج إليه من استراتيجية القطرة قطرة. لم يصدر عن أجهزة التحقيق وكـذا النائب العام التركي ســـوى بــيــان يـتـيـم لـــم يــضــف فــيــه جـــديـــدًا عـــن املعلومات املتداولة، بينما تحول الساسة األتراك إلى أجهزة تحقيق يــلــمــح­ــون حــيــنــًا ويـــصـــر­حـــون أحــيــانـ­ـًا أخــــــرى، وتحولت باتوهات القنوات التلفزيوني­ة إلى محاكم تنصب على الــهــواء مـبـاشـرة. الـجـهـة الـوحـيـدة الـتـي كـانـت تكشف عن املعلومات هي أجهزة اإلعام التابعة لتلك الجوقة، والهدف هو إبقاء أقصى ضغط إعامي وسياسي على اململكة العربية السعودية. وإذا مــا نـظـرنـا إلـــى خــارطــة وســائــل اإلعــامــ­ي الــتــي تــولــت مـسـؤولـيـ­ة نشر املعلومات (املسربة!) التركية نجد أنها تنسجم مع التوجهات التركية والهدف الذي يسعى أردوغان إلى تحقيقه. ففي تركيا توزعت خارطة الوسائل اإلعامية على التيارات السياسية وكأنه شد عصب للحياة السياسية لتجاوز االنقسامات التي كانت تعصف بالحياة السياسية حول أردوغان ونهجه االقتصادي واإلداري، وكانت هذه األسئلة بدأت تطرح بعد تعيني صهر أردوغـان وزيرًا للمالية واألزمـة التي شهدتها الليرة التركية وكذلك أزمـة االقتصاد التركي. فغابت تلك األسئلة في زوبعة قضية خاشقجي. على الصعيد العربي تم االستناد إلى اإلعام الـتـابـع لــإخــوان املسلمني ودولـــة قطر والـــذي كــان منخرطًا أصــا في حـرب إعامية ضد اململكة العربية السعودية بتأثير األزمــة القطرية، واألزمــة التي يعانيها اإلخــوان املسلمني في مصر ومناطق أخـرى في العالم العربي. أما على صعيد اإلعام الغربي فقد كان تركيز الحكومة التركية على اإلعام األمريكي حصرًا، فغابت عن خريطة (التسريبات) ديرشبيغل األملانية أو اللوموند الفرنسية أو غيرها من وسائل اإلعام األوروبية الشهيرة، وتم التركيز على وسائل اإلعام األمريكية باعتبار أن االستغال السياسي ال تكتمل مامحه إال إذا تم التأثير في الرأي العام األمريكي، وجـاء توقيت القضية مناسبًا من الناحية السياسية فهي متزامنة مع انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وبــلــغ األمـــر مبلغه بــأن كـتـب الـرئـيـس الـتـركـي رجــب طيب أردوغان بنفسه مقالة على صفحات الواشنطن بوست. هذا اإلعام الحربي وتلك الحرب اإلعامية تريد النيل من اململكة العربية السعودية في دورها القيادي وفي مركزيتها على الساحتني العربية واإلسامية، وأكذوبة أن هناك تمييزًا بني اململكة كدولة وبـني القيادة هي تضليل وبهتان. ولو كان األمر كذلك لذهبت تركيا في معالجتها لهذه القضية إلى الجانب الجنائي والقانوني وتركت هذه األطراف لكي تقوم بدورها املهني بعيدًا عن اللغط اإلعامي والسياسي وهـذا ما لم يحدث. الهدف من وراء الحملة الدعائية التي تشن على اململكة العربية الـسـعـودي­ـة لـم تعد خافية على أحد، وآخر ما تريده هي معرفة الحقيقة حول مقتل السيد جمال خاشقجي، وآخر ما تريده هي أن تنتهي هذه القضية سريعًا، وآخر ما تريده هي حرية الصحافة، وآخر ما تريده حقوق اإلنسان، بل تريد إطالة أمد هذه القضية إلى أطول فترة ممكنة واالستفادة منها إلـى أقصى الـحـدود. تريد أن تجعل من دماء جمال خاشقجي رحمه الله قميص عثمان، لعل ذلك يفت من عضد اململكة في قضايا سياسية هي مثار خاف مع اململكة. وتريد أن تجعل من دمائه حصان طروادة لضرب استقرار اململكة. تاريخيًا وتقليديًا اململكة تتعامل مـع القضايا الداخلية واإلقليمية والــدولــ­يــة بمنتهى الــهــدوء والـحـلـم وهـــذا ديـدنـهـا على امــتــداد عقود، وهذا قد يعطي انطباعًا خاطئًا لدى املتربصني بها. هدوؤها وحلمها ال ينبع من قلة الحيلة وال من انعدام األوراق السياسية وال من غياب عوامل القوة، ولكنه نهج ارتضته؛ تجنبًا الرتدادات سياسية قد تكون ضارة. ولكن على أولئك أن ال يراهنوا كثيرًا على ذلك الحلم ألن للصبر حدودًا، واتق الحليم إذا غضب.

 ??  ?? @ramialkhal­ife د. رامي الخليفة العلي *
@ramialkhal­ife د. رامي الخليفة العلي *

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia