تنبــــلة
تصف هـذه الكلمة مـا يتعدى الكسل. هـــي أقــــــرب مـــا يـــكـــون ألســـلـــوب حياة بـــأصـــول، وفـــنـــون، وقـــواعـــد عــمــل. وال تـقـتـصـر مـمـارسـتـهـا عـلـى الـبـشـر فـحـسـب، وإليكم بعض من أغــرب الـحـاالت: في عالم الكيمياء نجد أن جــمــيــع الــعــنــاصــر تـتـمـتـع بــخــصــائــص تعتمد عـــلـــى حــالــتــهــا الـــداخـــلـــيـــة. كــلــهــا تــــحــــاول إشباع أوضـــاع الـــذرات الـتـي تكونها بمشيئة الـلـه. ولكي نـصـفـهـا بــدقــة أفــضــل، فـهـي تـسـعـى لـضـبـط أعداد ومـسـتـويـات أوضـــاع االلـكـتـرونـات بـداخـل الذرات. وفـــي ذلـــك الـســعــي تــتــكــون خـصـائـصـهـا املختلفة، وأهمها قدراتها على التفاعل مع الــذرات األخرى. بعضها يلجأ إلــى الـسـرقـة، فيتفاعل بـشـدة لنهب االلـــكـــتـــرونـــات مــــن الـــــــــذرات األخـــــــــــرى... وعناصر «الــفــلــور» والــصــوديــوم والــكــلــور مــن األمـثـلـة على ذلــك. كلها مجنونة متهورة تريد أن تتفاعل بأي طريقة كانت إلشـبـاع رغـبـات الــتــوازن االلكتروني بداخل ذراتها. وبعض العناصر تلجأ إلى التعاون الـودي مثل ذرات الكربون فهو من العناصر التي تحب «البشكات» سـواء كان ذلك مع جماعتها، أو مع العناصر األخـرى. وهناك التنابل... واملقصود هنا هـو العناصر الـتـي وصـلـت ذراتــهــا إلــى حالة اإلشباع، وبالتالي فا رغبة لها في التفاعل. يعني في قمة «شوفة الحال». وفي عالم الكيمياء يطلق عليها اسـم العناصر النبيلة «يعني» أنها تترفع عــن االتــحــاد مــع الـعـنـاصـر األخـــــرى. وتـشـمـل هذه املجموعة مجموعة غازات وهي الهليوم، والنيون، واألرجـــــــون، والــكــريــبــتــون، والـــزيـــنـــون، والــــــرادون. وكــلــهــا تــعــشــق الــتــنــبــلــة. وهـــنـــاك أيــضــا مجموعة عناصر صلبة وهي املعادن الثمينة مثل الباتن، والذهب، والفضة، ولهواة الكيمياء فتشمل أيضا: الروديوم، والبالديوم، والروثينيوم، واالريدميوم.، واألوزمــيــوم، وااليـريـدمـيـوم.. وحيث إنها تتصف بعدم الرغبة في التعاون مع العناصر األخرى فهي تقاوم «البهدلة» و«الجربدة». وعلى سبيل املثال، فهذه املعادن ال تتفاعل مع األوكسجن فا تتأكسد وتبقى في حالتها النقية لفترات طويلة وهذه من الخصائص املـرغـوبـة فـي املـجـوهـرات طبعًا. وفي الــواقــع فـهـي مــن الـخـصـائـص املـطـلـوبـة أيــضــًا في العديد من التطبيقات الصناعية، والطبية، وفي عـالـم االتــصــاالت، وفــي تقنيات الـحـاسـبـات. وهذه معلومات مفيدة ملن سيتقدم للزواج، فلو اختبرك والـد الخطيبة عن معلوماتك العامة، أذكـر له أنك ستقدم خـاتـم الـــزواج بـنـاء على خصائص علمية متينة وأن اختيارك لن يقتصر على الذهب والفضة فــحــســب...فــســيــشــمــل األســــمــــاء الــاتــيــنــيــة الرنانة املذكورة أعاه. وطبعا لو رفض طلبك للزواج بناء على حديثك في معلومات تجهلها، ففضا ال تذكر هذا املقال، وال هذه الجريدة. وفــي عالم املخلوقات نجد أن العديد منها يلجأ الــى التنبلة كـأسـلـوب حـيـاة. الـطـاقـة الـتـي تحصل عـلـيـهـا املــخــلــوقــات عـــــادة مـكـلـفـة جـــــدًا، وبالتالي فهناك فنون لترشيد استخدام الطاقة ألن الحصول عليها عـادة ما يكون مكلفًا للغاية. ولـذا فتجد أن معظم الحيوانات تلجأ للخمول كحالة عادية جدًا ملعظم ساعات النهار. وأما في املساء فهي تنام. وال نستغرب هذه السلوكيات من األسود والنمور التي تـأكـل كمية مخيفة مــن الـلـحـوم فــي وجـبـة واحدة فـتـصـاب بـالـتـخـمـة، ولـــذا فـهـي «تـنـخـمـد» لفترات طــويــلــة. ولــكــن تـخـيـل أن مـعـظـم الـنـحــل يـلـجـأ الى التنبلة كأسلوب حياة أثناء معظم ساعات النهار. طــبــعــًا انــطــبــاعــنــا عـــن الــنــحــل أنــــه مـــن املخلوقات الـنـشـيـطـة، وهـــو كــذلــك نـسـبـة الـــى املــســتــوى العام للتنبلة في عالم املخلوقات األخرى.
بصراحة ال يهمنا ما يدور في عالم تنبلة العناصر الكيميائية، واألســود، والنمور، والنحل، بقدر ما يهمنا الحاصل في عالم البشر. أتمنى أن ال تستمر في النمو واالنتشار، وأن يكفينا الله شرورها، وهو من وراء القصد.