«العمدة» يصارع من أجل البقاء!
كــــان لــلــعــمــدة أهــمــيــة كــبــيــرة فـــي مــحــافــظــة جدة سابقا، ليس لــدوره الفاعل في ضبط األمــن فقط، بل إلسهاماته االجتماعية املختلفة، فكان مركازه في السابق بمثابة مقر لجمعية خيرية، يلجأ إليه املـحـتـاجـون، ويتلمس احتياجاتهم، وتوفيرها، وبلغت أهمية العمدة في حقبة من الزمن، أنه كان عنصرا فـاعـال فــي مختلف املـنـاسـبـات التي يـنـظـمـهـا أهـــل الـــحـــارة، بـــل كـــان دائما يــرافــق والـــد أي شــاب يتقدم لخطبة فــــتــــاة، إذ يــمــثــل لـــلـــخـــاطـــب تزكية كبيرة أمام ولي أمر العروس، وكان يـتـدخـل لــعــالج الــخــالفــات األسرية، ويخفف بذلك على املحاكم الشرعية والقطاعات األمنية، الكثير من الشكاوى والقضايا. لكن وضع العمدة حاليا لم يعد كما كان في السابق، بـعـد أن جمعتني إحـــدى املـنـاسـبـات االجتماعية بعمدة شهير في جدة أخيرا، وتحسر كثيرا على ما آل إليه وضعهم، وذكر لي أن العمدة في السابق كـــان حـلـقـة الــوصــل بــني ســكــان الــحــارة والجهات الحكومية املختصة، فضال عن دوره في حل كثير من املشكالت االجتماعية، لكنه اآلن لم يعد كذلك، مرجعا ذلـك إلـى غياب الترابط االجتماعية الذي كانوا عليه في السابق، وانشغال كل فـرد بنفسه، ويظهر ذلك بجالء في األحياء الحديثة، حتى أن الجيل الجديد، قد ال يعرف شخصية العمدة، ولم يرها سوى في املسلسالت الشعبية فقط. وحـــني ســألــتــه عـــن أبــــرز احــتــيــاجــات الــعــمــد في جــــدة، أجــابــنــي بــأنــهــا كــثــيــرة، لــكــن يأتي أبرزها تحسني أوضاعهم الوظيفية، وتـــــقـــــلـــــيـــــص مـــــــــــدة تـــــرقـــــيـــــاتـــــهـــــم، وتـــخـــصـــيـــص مــــقــــار نموذجية لـهـم، إضــافــة إلــى تعيني موظفني مـسـاعـديـن لــهــم، مــع تـوفـيـر شبكة حاسب آلي ترتبط بقاعدة معلومات مع الشرطة واملحافظة. وأنـــــــا مــــن زمـــــن «الـــطـــيـــبـــني» ونــــشــــأت فــــي جدة التاريخية وأعــرف جيدا دور العمدة ومكانته التي كانت في السابق، فضال عن أن عمي محمد عمر أبو صباع (رحمه الله) كان عمدة، وكنت أتـابـع األدوار األمـنـيـة واالجـتـمـاعـيـة الـتـي كان يقدمها، كما أتذكر كثيرا من العمد منهم طلعت محمد غيث، فواز جميل سالمة، محمد اليامي وسامي عمر باعيسى، وغيرهم الكثيرين، الذين لم تسعفني الذاكرة لسرد أسمائهم في هذا املقال املقتضب وأتمنى من الجهات املختصة أن تلتفت إلــى العمد باهتمام وتسعى لتحقيق مطالبهم، لــــــأدوار اإليــجــابــيــة الــتــي يــقــدمــونــهــا للمجتمع، وإنقاذ «العمودية» املهنة الـــــعـــــريـــــقـــــة، التي أخـــــــــشـــــــــى أن تتحول إلى «تراث» نرويه لأبناء واألحفاد، وهم يجلسون على «املركاز».