االستثمار في الوقت

قديمًا كان اإلحساس بقيمة الوقت في مجتمع الصحراء شبه منعدم، والزمن عادة غير مــدرك دون أحــداث أو وقـائـع، فــاألحــداث والـنـشـاط اإلنـسـانـي يدفعان اإلنسان للتفاعل، ومن ثم التسجيل والـدراسـة، ووضـع الفواصل بني األمـس واليوم والغد، من هنا يكتسب الوقت أهميته مع زيادة وعي اإلنسان بسياق األحداث وتحدياتها وعواقبها. بالنسبة لإلنسان القديم بدا الزمن كنهر متدفق، لغزًا يجري أمام عينيه إلى أن أدرك أنه ال سبيل لوضع تقسيم للزمن دون اإلشــارة إلى أحـداث بعينها، وتلك االحداث قد تكون حربًا أو واقعة ذات شأن مثل رحالت الشتاء والصيف أو حادثة مثل عام الفيل، وكـانـت اإلشـــارة إلــى تـواريـخ دقيقة فـي مجتمع الصحراء أصعب منها في املجتمعات البشرية التي عاشت في وديــان األنهار ساعد على ذلـك تقلبات النهر بني الفيضان واالنحسار وما يتبع ذلك من تغير في طبيعة النباتات واملحاصيل، إضافة إلى امليالد املبكر للدولة املركزية التي كانت في حاجة إلى ربط أنشطتها بجدول زمني. وزاد اإلحساس بأهمية الوقت باطراد منذ ظهور الدولة قديمًا، ثم زاد مع ظهور العصر الصناعي وتجذر اإلحساس به، بل أصبح هاجسًا مع بدء عصر املعلومات، وفي وقتنا الحالي أصبح الوقت يساوي ثروة، ليس هذا على سبيل املبالغة، بل هي حقيقة ملموسة، متابعة الواقع املتطور في الغرب عن طريق تقدم وسائل االتصال، واالنــتــبــاه لـحـركـة الـتـطـور فــي الـعـالـم والـتـأثـيـر املباشر وغير املباشر بني املجتمعات، قاد إلى ترسيخ فلسفة االستثمار في جميع املجاالت وبتخطيها للحدود تضاعفت أهمية الوقت، ونما في مخيلة اإلنسان املتحضر أن إضاعة الوقت جريمة. وتــــــشــــــارك اإلنــــــســــــان واملـــجـــتـــمـــع والـــــــدولـــــــة هذا اإلحـسـاس باملسؤولية والسباق ضـد وطــأة الزمن، فالجميع يستفيد واملصلحة صــارت مشتركة وتطور التكنولوجيا صبغ الزمن بإيقاعه السريع. إحساس الفرد بأهمية الوقت ومن ثم العائلة واملجتمع وأهمية استثماره من شأنه أن يغير نمط الحياة بالكامل، فاستثمار الفرد في الوقت يعني استثماره في قدراته، فمن املؤكد أن توجه الفرد نحو استثمار الوقت يعني املزيد من املهارات الشخصية، إما بتعلم لغة جديدة أو قراءة كتاب جديد يزيد املدارك ويعمق الخبرات، أو الحفاظ على لياقته الجسدية للحفاظ على صحته أو البحث عن عمل جديد بدخل أكبر أو ترقية في العمل، وكل هذا يصب في مصلحة املجتمع وقوة الدولة. لم يعد هناك مفر في ظل التسارع في وتيرة العمل واإلنتاج والتنمية البشرية من أن نغرس اإلحساس باستثمار الوقت في شبابنا، وأن نبتعد عن إهدار الوقت بحجة أداء الــواجــب االجتماعي والعائلي مـن طـريـق ضبط خريطة املناسبات بساعات محددة وتقليص مناسباتنا العائلية واالجتماعية التي أصبحت عبئًا وإهدارًا للوقت والجهد ومن ثم استثمار ذلك الوقت املدخر في تنمية مهاراتنا التي وهبنا الله إياها وقدرات أبنائنا فما كان ينجز أمس في العالم املتقدم في يوم صار ينجز فـي سـاعـة، اللهم وفقنا جميعًا لإلجابة عـن الـسـؤال الكبير يــوم الـجـزاء والحساب «وعمرك فيم أفنيته؟». المنورة: )014( 8455353 تبوك: )014( 425371 )014( 4239826 فاكس )014( 4221556 )017( 2281253