ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا؟
من منا ال يود أن يكون حسن املظهر جميل الشكل؟ خصوصًا في زمننا، الـذي بلغ معه طلب الجمال وتـنـوع طرقه ووسـائـلـه مرحلة التفريط والبذخ، فأخذ الناس يعبثون بوجوههم من تنفيخ وشد وتقويم ونحت وزراعة وترقيع... إلخ، إال أن املالحظ أن األنـــف هــو أكــثــر عــضــو يـتـم تجميله، والناس فــي قضية جــراحــة األنـــف مــا بــني منتقد ومنفتح ومعتدل، والشك أن األنف الذي تظهر عليه عالمات البروز امللفت، أو امليالن الشديد، أو الـذي يستلزم تدخال عالجيًا هو أولى بالعمليات من غيره ممن ال هــم لهم ســوى زيـــادة نسبة جمالهم، ومــع هذا لو تأملنا قليال في هـذا العضو -األنــف- لوجدنا أنـه يستحق كل هـذا بل وأكـثـر، فاألنف مكانه من الــوجــه كمكان القلب مــن الـجـسـد، وهو واجهة اإلنسان وأبرز ما فيه، والعرب قديمًا لم تغفل أهمية األنف ومكانته الجسدية التي لعبت دورًا مهمًا في املكانة االجتماعية، من ذلك ما روي عن بني حنظلة بن قريع بن عوف بن كعب أنـهـم كـانـوا ينعتون بـ«بني أنف الناقة» في الجاهلية، وسبب ذلـك أن أباهم نحر جـــزورًا وقـسـم اللحم فـجـاء حنظلة وقــد فرغ الـلـحـم وبـقـي الــــرأس، وكـــان صـبـيـًا، فجعل يجره؛ فقيل له: ما هذا؟ فقال: أنف الناقة. فلقب به، وكانوا يـغـضـبـون مــن هـــذه الـتـسـمـيـة، حـتـى جـــاء الشاعر الحطيئة وقلب السحر على الساحر وأنشد أبياته التي جعلت من ذمهم مدحًا لهم ومدعاة للفخر، فقال: قوم هم األنف واألذناب غيرهم ... ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا ؟ بل إن كالم العرب مليء بذكر األنف، مـــن ذلــــك أنــهــم كـــانـــوا إذا أرادوا ذم أحـــد أو سـبـه قــالــوا: «رغـــم أنـــف فالن»، كــنــايــة عـــن املــهــانــة والـــــــذل، ومــنــه قولهم: «قـــوم شـــم األنـــــوف»، أي أبــــاة، وأيــضــًا «حـشـر أنفه في ما ال يعنيه»، أي تدخل فيما ال يخصه، ومن األمثال كقولهم: «أنفك منك وإن كان أجدع». إال أن تلك املكانة املرموقة لهذا العضو ال تبرر التكلفة الباهظة لهذه العمليات التجميلية، نتيجة تزايد الـطـلـب عليها وقــلــة مــن يتقنون هــذه العمليات، إضافة إلى جهل الناس بالتكلفة الفعلية لها. كما أنه من الواجب أن يكون الطبيب أمينًا مع مراجعيه وأن ال يتردد في إخبارهم بحقيقة قد تكون صادمة لهم، وهي أن األنف -هذا العضو املثير للجدل- قد يحتاج من فترة لفترة لسلسلة من العمليات، وذلك أن نتيجة عملية تجميل األنف األولية أو األساسية قد ال تكون بحسب ما يتمناه أو يتوقعه املريض، فيضطر بعدها إلى إجــراء عملية أخـرى هي أكثر تعقيدًا من األولــى، وهي ما تسمى عملية تجميل األنف الترميمية أو التصحيحية.
tariq1712@hotmail.com