Okaz

ترمب أمام اختبار صعب

- * كاتب يمني وسفير سابق مصطفى النعمان * mustapha.noman@gmail.com

لم تبق أمـام الرئيس األمريكي دونالد ترمب مساحة سياسية تكفي للسماح لـه التصرف داخليا وخـارجـيـا بعيدا عـن رقـابـة ومتابعة الديموقراط­يني وإلــى جانبهم إعــام غير صـديـق لــه، وما مـن شـك أنــه يــدرك صعوبة املـرحـلـة الـقـادمـة الـتـي ستسبق االنـتـخـا­بـات الـرئـاسـي­ـة فــي نوفمبر ،2020 كـمـا أنــه حتما يـــدرك إمـكـانـيـ­ة تـوجـيـه الكثير مــن االتــهــا­مــات لــه وألسرته حول تعاماتهم املالية وملفاتهم الضريبية. أهم املعارك التي رغب ترمب في أخذ زمام املبادرة بها كانت إجبار وزير العدل چيف سيشن على االستقالة، وهي خطوة كانت منتظرة منذ أعلن الـوزيـر إعـفـاء نفسه مـن اإلشراف على أعـمـال املحقق الـخـاص روبــرت موللر، وهــي القضية الـتـي ألـقـت بظالها على الـعـامـني األولـــني مـن فـتـرة ترمب خصوصا حني تسربت معلومات عن توسع نطاق التحقيق إلى البحث في ملفات عاقاته املالية مع روسيا، ومن هنا فــإن املـعـركـة بينه وبــني الـديـمـوق­ـراطـيـني ستبقى مفتوحة وستكون لها آثارها في زيادة انقسام املجتمع األمريكي. من املهم اإلشارة هنا إلى القضايا التي ستطفو على السطح ورغـم كونها تعني الناخب األمريكي أوال ومباشرة إال أن تبعاتها على قـــدرة الـرئـيـس األمـريـكـ­ي فــي اتــخــاذ قرارات تتعلق بالسياسات الخارجية تبقى مقيدة، النشغاله في االحتفاظ بقاعدته االنتخابية ومحاولة زيادتها تحسبا النتخابات نوفمبر 2020 الرئاسية، وكذلك ملجلس النواب الذي يعاد انتخابه كل عامني وهي تجري مرتني؛ إحداهما مـع انـتـخـاب الـرئـيـس والثانية فـي منتصف فـتـرة واليته، ومــن ناحية أخــرى تجعله غير قــادر على التحرك بحرية خارجيا. هــــذا الــحــديـ­ـث يــعــيــد­نــا إلــــى قــــدرة الــنــظــ­ام األمــريــ­كــي على إعادة التوازن بني السلطتني التنفيذية والتشريعية، وهو مــا يجعل أمــر طـغـيـان إحـداهـمـا عـلـى األخـــرى أمـــرًا صعب االستمرار حتى في حال حدوثه في مراحل مختلفة وقصيرة مـن التاريخ السياسي األمـريـكـ­ي، وهـو أمـر شديد التعقيد ألنه يجعل معالجة أغلب القضايا بالتوافق رغم حصول أحد الحزبني على أغلبية املقاعد التي تمنحه القدرة على تمرير الـعـديـد مــن الـتـشـريـ­عـات، ومــن املــدهــش كيف تمكن املشرع األول للدستور األمريكي في التحكم بالحدود التي ال تستطيع أي مؤسسة تخطيها أو استغالها للسيطرة على القرار، وسيكون مدهشا متابعة الصراع بني الرئيس ومجلس الشيوخ من ناحية، ومجلس النواب والصحافة من الجانب اآلخر. يدرك الكثيرون أن القضايا الخارجية ليست هدفا ينشغل به أي من املرشحني وفي نفس الوقت هي ال تهم الناخبني، لكنها تصبح جــزءا مـن األدوات التي يستخدمها النظام األمــريــ­كــي ملــمــارس­ــة الــضــغــ­وط عـلـى الــــدول لـلـحـصـول على امتيازات وابتزازها، وهنا ال يختلف الحزبان في نظرتهما، ومــــن الـــســـذ­اجـــة الــســيــ­اســيــة الــظــن بــــأن جــمــاعــ­ات الضغط السياسي أو شـركـات الـعـاقـات الـعـامـة قـــادرة على تعديل مـيـزان الـقـوى داخــل اإلدارة األمريكية، رغــم أنها تستطيع تمرير الصفقات إذا ما كانت الرغبة السياسية األمريكية مـــتـــوا­فـــرة، لــيــصــب­ــح عــمــل هــــذه الــجــمــ­اعــات عـــامـــل تحفيز وتسريع وليست صانعة للقرار، وبالنسبة لنا في العالم الـعـربـي فمن الــواضــح أن اإلدارة األمريكية ستنشغل عنا وستبقى القضايا الداخلية الشاغل األهــم لكل املؤسسات هناك، وسيكون الحزبان منهمكني في ترتيبات املعركتني االنتخابيت­ني القادمتني. من الحيوي استمرار متابعة املـعـارك السياسية الداخلية الـــقـــا­دمـــة ألنــهــا ســتــعــط­ــي املـــؤشــ­ـر املــبــكـ­ـر ملـــا ســـتـــؤو­ل إليه الــســيــ­اســة الــخــارج­ــيــة، وال شـــك أن مــلــفــا­ت كــثــيــر­ة ستبقى تحت أنظار املتابعني للسياسة األمريكية نظرا لتأثيراتها املباشرة وغير املباشرة على نفوذ أمريكا خـارج حدودها الجغرافية، وفــي كـل األحـــوال ال يجوز الـركـون الكامل إلى التعامل الشخصي وعاقات الصداقة واعتبارها األصل في تحديد مسارات العاقات بني الدول.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia