ترمب أمام اختبار صعب
لم تبق أمـام الرئيس األمريكي دونالد ترمب مساحة سياسية تكفي للسماح لـه التصرف داخليا وخـارجـيـا بعيدا عـن رقـابـة ومتابعة الديموقراطيني وإلــى جانبهم إعــام غير صـديـق لــه، وما مـن شـك أنــه يــدرك صعوبة املـرحـلـة الـقـادمـة الـتـي ستسبق االنـتـخـابـات الـرئـاسـيـة فــي نوفمبر ،2020 كـمـا أنــه حتما يـــدرك إمـكـانـيـة تـوجـيـه الكثير مــن االتــهــامــات لــه وألسرته حول تعاماتهم املالية وملفاتهم الضريبية. أهم املعارك التي رغب ترمب في أخذ زمام املبادرة بها كانت إجبار وزير العدل چيف سيشن على االستقالة، وهي خطوة كانت منتظرة منذ أعلن الـوزيـر إعـفـاء نفسه مـن اإلشراف على أعـمـال املحقق الـخـاص روبــرت موللر، وهــي القضية الـتـي ألـقـت بظالها على الـعـامـني األولـــني مـن فـتـرة ترمب خصوصا حني تسربت معلومات عن توسع نطاق التحقيق إلى البحث في ملفات عاقاته املالية مع روسيا، ومن هنا فــإن املـعـركـة بينه وبــني الـديـمـوقـراطـيـني ستبقى مفتوحة وستكون لها آثارها في زيادة انقسام املجتمع األمريكي. من املهم اإلشارة هنا إلى القضايا التي ستطفو على السطح ورغـم كونها تعني الناخب األمريكي أوال ومباشرة إال أن تبعاتها على قـــدرة الـرئـيـس األمـريـكـي فــي اتــخــاذ قرارات تتعلق بالسياسات الخارجية تبقى مقيدة، النشغاله في االحتفاظ بقاعدته االنتخابية ومحاولة زيادتها تحسبا النتخابات نوفمبر 2020 الرئاسية، وكذلك ملجلس النواب الذي يعاد انتخابه كل عامني وهي تجري مرتني؛ إحداهما مـع انـتـخـاب الـرئـيـس والثانية فـي منتصف فـتـرة واليته، ومــن ناحية أخــرى تجعله غير قــادر على التحرك بحرية خارجيا. هــــذا الــحــديــث يــعــيــدنــا إلــــى قــــدرة الــنــظــام األمــريــكــي على إعادة التوازن بني السلطتني التنفيذية والتشريعية، وهو مــا يجعل أمــر طـغـيـان إحـداهـمـا عـلـى األخـــرى أمـــرًا صعب االستمرار حتى في حال حدوثه في مراحل مختلفة وقصيرة مـن التاريخ السياسي األمـريـكـي، وهـو أمـر شديد التعقيد ألنه يجعل معالجة أغلب القضايا بالتوافق رغم حصول أحد الحزبني على أغلبية املقاعد التي تمنحه القدرة على تمرير الـعـديـد مــن الـتـشـريـعـات، ومــن املــدهــش كيف تمكن املشرع األول للدستور األمريكي في التحكم بالحدود التي ال تستطيع أي مؤسسة تخطيها أو استغالها للسيطرة على القرار، وسيكون مدهشا متابعة الصراع بني الرئيس ومجلس الشيوخ من ناحية، ومجلس النواب والصحافة من الجانب اآلخر. يدرك الكثيرون أن القضايا الخارجية ليست هدفا ينشغل به أي من املرشحني وفي نفس الوقت هي ال تهم الناخبني، لكنها تصبح جــزءا مـن األدوات التي يستخدمها النظام األمــريــكــي ملــمــارســة الــضــغــوط عـلـى الــــدول لـلـحـصـول على امتيازات وابتزازها، وهنا ال يختلف الحزبان في نظرتهما، ومــــن الـــســـذاجـــة الــســيــاســيــة الــظــن بــــأن جــمــاعــات الضغط السياسي أو شـركـات الـعـاقـات الـعـامـة قـــادرة على تعديل مـيـزان الـقـوى داخــل اإلدارة األمريكية، رغــم أنها تستطيع تمرير الصفقات إذا ما كانت الرغبة السياسية األمريكية مـــتـــوافـــرة، لــيــصــبــح عــمــل هــــذه الــجــمــاعــات عـــامـــل تحفيز وتسريع وليست صانعة للقرار، وبالنسبة لنا في العالم الـعـربـي فمن الــواضــح أن اإلدارة األمريكية ستنشغل عنا وستبقى القضايا الداخلية الشاغل األهــم لكل املؤسسات هناك، وسيكون الحزبان منهمكني في ترتيبات املعركتني االنتخابيتني القادمتني. من الحيوي استمرار متابعة املـعـارك السياسية الداخلية الـــقـــادمـــة ألنــهــا ســتــعــطــي املـــؤشـــر املــبــكــر ملـــا ســـتـــؤول إليه الــســيــاســة الــخــارجــيــة، وال شـــك أن مــلــفــات كــثــيــرة ستبقى تحت أنظار املتابعني للسياسة األمريكية نظرا لتأثيراتها املباشرة وغير املباشرة على نفوذ أمريكا خـارج حدودها الجغرافية، وفــي كـل األحـــوال ال يجوز الـركـون الكامل إلى التعامل الشخصي وعاقات الصداقة واعتبارها األصل في تحديد مسارات العاقات بني الدول.