Okaz

«خارطة سفر بيد القارئ».. جغرافية حتددها الكتب

-

ربـمـا ليس هنالك أجـمـل مـن خـارطـة يرسمها الــقــارئ، جغرافية تحددها الكتب واألعمال الفنية النفيسة، خارطة يشار إلى معاملها بـعـنـاويـ­ن الـكـتـب، والــلــوح­ــات واملــقــط­ــوعــات املـوسـيـق­ـيـة.. خارطة تعكس اهتمامات صاحبها، ذوقه وتفضيالته الشخصية.. وألن الــقــارئ هــو بــالــضــ­رورة مسافر فــي الــزمــان واملــكــا­ن، جاءت املـتـعـة الــغــامـ­ـرة إلعـــداد رحـــالت الـسـفـر، زوادة مــن الـكـتـب، قائمة بــأهــم املـعـالـم واألعـــــ­الم، بـعـض املــالحــ­ظــات والــتــدو­يــنــات، وربما االقتباسات املتفرقة التي توصف بها املــدن.. وبعض الذكريات التي تعيش بني دفات الكتب.. فهو عندما يـــزور مدينة «إسـطـنـبـو­ل» سـتـعـرض لــه مشاهد من روايـــات ألــف شفق وأورهـــان بــامــوق، وربـمـا يتناهى إلــى سمعه موسيقى رقصة زوربا في «كريت» وعندما يزور إيطاليا سيفكر بـزيارة «نابولي» بعد أن قرأ رواية «اليوم ما قبل السعادة» وقد يخيل إليه لحظة الوقوف عند «كنيسة نـوتـردام» شبح األحدب كـــوازيــ­ـمـــودو وهـــو يــقــرع األجــــــ­راس ملـحـبـوبـ­تـه أزمـــيـــ­رالـــدا.. وقد يصادف في طريقه «هرمان هيسة» مسافرًا إلى الشرق مأخوذًا بالحكمة الشرقية.. وسيلوح له طيف «خوليان كـاركـاس» في الــحــي الـقـوطـي فــي بــرشــلــ­ونــة.. وربــمــا يــعــود بــه الـحـنـني إلى أمــجــاد سـالـفـة وهـــو يـتـأمـل فــي قـصـر الــحــمــ­راء مستحضرًا طيوف «سليمة» و«مريمة» تحت أشجار البرتقال، يتجول في حـّي البيازين الحّي األندلسي العريق الـذي دارت في أزقته أحداث «ثالثية غرناطة» ومن املاضي القديم سيثب إلى الحاضر بقفزة واحدة الى «خان الخليلي» يحتسي كوبًا من الشاي األســود برفقة بعض املثقفني في عصر ازدهرت فيه الثقافة.. لينتقل بعد ذلك من صخب املدن إلى هواء جــبــال األلـــب متمشيًا مــع نـيـتـشـة، مـشـتـاقـًا إلـــى أحــاديــث اللورد هنري ودوريان غراي في ذلك القصر املترف.. راكبًا عرض املحيط مــســافــ­رًا إلـــى «أمــريــكـ­ـا» بـعـد أن صــافــح «جــوزيــف كونراد» وقــــد وعـــــده بــرحــلــ­ة مــشــوقــ­ة إلــــى أدغــــال أفـريـقـيـ­ا.. وهــنــاك حـيـث العالم الــجــديـ­ـد.. عـنـدمـا تلوح بـــــــــ­ـني الــــــضـ­ـــــبــــ­ــاب شعلة تمثال الحرية.. ستلفح وجــهــه أشــعــار ويـتـمـان الــرطــبـ­ـة.. وسـيـرقـص عـلـى أنغام موسيقى الجاز وأحزان النغستون هيوز.. ستعجبه مخيلة إدغار آالن پو املرعبة.. وربما ستدهشه جرأة بوكوفسكي.. وعمق «مارك توين» وكلما اتجه جنوبًا.. سيمسك بتالبيب روحــه ذلك السحر الالتيني في روايـات «غابرييل غــارســيـ­ـا مــاركــيـ­ـز» «إيزابيل الــــلـــ­ـيــــنـــ­ـدي» و«خــــــــو­ان رولفو» وغيرهم

!! ولعل القارئ بإطالعه على ثقافات غيره من البلدان، ومعرفته بثرواتها وكنوزها.. ينمي شغفًا يأخذه لكي يزور متحفًا أو معلمًا او حتى حانة مهجورة تحتفظ جدرانها ببقايا أعقاب سجائر كان يدخنها «سارتر» وأصدقاؤه في الحي الالتيني في باريس.. أو ربما يطير به الشغف متجها إلى «ڤيرونا» تحت شرفة روميو وجولييت..يتناهى الـى نبض قلبه نجوى العاشقني.. وهـو من شدة شغفه باألديب الروسي «ديستوفسكي» سيفكر بزيارة منزله في سانت بطرسبرغ.. وقـد يتجه في أمستردام، مدينة الجسور املزينة بالورد رأسـًا الـى متحف «ڤـان جـوغ» يتجول في ردهات ذلـــك املــكــان املـــلـــ­ون، تـنـسـاب مــن ذاكــرتــه كـلـمـات الـــرســـ­ام املنتحر ڤنسنت إلــى أخيه «ثـيـو» مــرددًا مقولته الشهيرة «الـحـزن يدوم الى األبـد».. وألن أقرب الفنون إلى األدب «املوسيقى» تعتبر دور األوبرا واملسارح مزارات سياحة تستحق الوقوف، فدار األوبرا الفرنسية املسماة بدار «غارنييه» والتي تتزين قبتها بمالئكة «مـــارك شــاغــال» تحقق متعة جمالية خـالـصـة، تجمع بني عظمة البناء املعماري وجمال األلـوان وشعرية املوسيقى... كذلك دار األوبــرا املـوجـودة في بــراغ التشيك والتي تأخذنا شرفاتها الى عالم األدب الروسي «آنا كارنينا» و«ڤرونسكي» والكثير من الشخصيات االرستقراط­ية التي تعيش في تلك الكتب.. إن مــا يـمـيـز الــقــارئ فــي رحــالتــه، هــو هــذا الـشـغـف النابع من قـراءاتـه املتنوعة، قــراءات تحمله على تتبع مسارات مـخـتـلـفـ­ة، مــدفــوعـ­ـًا بــالــرغـ­ـبــة املــعــرف­ــيــة وتــحــقــ­يــق املتعة الجمالية بـــروح املـغـامـر املـكـتـشـ­ف.. إن خــارطــة القارئ الشك.. خارطة مميزة وحافلة بكل ما هو مدهش ومميز وفريد.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia