Okaz

«وال ميأل جوفه إال التراب!»

- محمد الحساني * mohammed.ahmad568@gmail.com * كاتب سعودي

كثير من أهل الدنيا يظنون أن ما يحملونه من هموم تفوق ما يحمله اآلخرون، ولذلك تجد الواحد منهم إذا ما قابل صاحبًا أو صديقًا له بثه همه وشكا إليه أحواله، في الوقت الذي يكون فيه ذلك الصاحب أو الصديق يستمع إليه على مضض ويقول له في نفسه: يا صديقي إن همومي أكبر وأحزاني أعمق فال تضيق صدري أكثر! ومـــع ذلـــك فـــإن بــث لــواعــج الـنـفـس يــريــح اإلنــســا­ن قصيرة من الزمن وقد قال الشاعر من قبل: وال بــــــد مــــــن شـــــكـــ­ــوى إلــــــــ­ى ذي مــــــــر­وءة

يـــــــوا­ســـــــيـ­ــــــك أو يـــــســـ­ــلـــــيـ­ــــك أو يــــتــــ­وجــــع والحظوا أن الشرط األول هو أن تكون الشكوى إلى ذي مروء ة، أما إن لم يكن كذلك فإن يدور بك في املجالس ويجعلك أحاديث وال تستفيد منه جملة مفيدة لها محل مـن اإلعــــرا­ب!، ولكن األكثر صحة وخيرًا أال يشكو املرء بثه وحزنه إال إلى الله عز وجل وإن شاء أن يحدث عن همومه من يثق به فعلى سبيل أخذ املشورة واالستفادة من التجارب والحكم واملشورة. وتقول الحكاية إن أهل قرية من القرى ظلوا سنوات يشكون هـمـومـهـم بـعـضـهـم لـبـعـض وكـــل واحــــد مـنـهـم يــزعــم أن همه أثقل من هم أخيه وصاحبه، وكان في تلك القرية رجل حكيم فاقترح على كل واحد من أهل القرية أن يلقي همه في الوادي املجاور فـإذا أصبحت جميع الهموم ملقاة في الــوادي سمح ألهل القرية بالنزول فيه الختيار كل منهم الهمً الذي يناسبه تاركًا همه األساسي لشخص آخر ليختاره بدال عنه، شريطة أال يــخــرج أي واحــــد مـنـهـم مــن الـــــواد­ي إال وهـــو حــامــل همًا اخـتـاره وانتقاه بنفسه لنفسه، ففعل جميع أهـل تلك القرية ما طلبه منهم ذلك الحكيم وأخذوا يرمون بهمومهم من على كتوفهم في قعر الوادي حتى امتأل وعاؤه بالهموم، ثم نزلوا زرافات ووحدانا وأخذوا يقلبون ما فيه من هموم كما تقلب «البطيخة» ملعرفة كونها حمراء أم بني بني، ثم صعدوا جذلني وقد حمل كل واحـد منهم الهم الـذي اختاره لنفسه ورأى أنه هم مقدور عليه مناسب له يستطيع التعامل معه وتجاوزه بكل سهولة ويسر. أما الـذي حصل بعد ذلك بأسابيع فهو أن أهالي تلك القرية بـــدأوا يــتــوافـ­ـدون عـلـى «حـكـيـمـهـ­م» شــاكــني مــن أن الــهــم الذي اختاروه وظنوا أنه يناسبهم لم يكن كما ظنوا بل اتضح لهم أنهم تـورطـوا فيه؛ ألنـه أثقل من همهم األسـاسـي الــذي ألقوه وعـرفـوا كيف يتعاملون معه على مـدى سنوات من عمرهم، مطالبني حكيم القرية بالدعوة مجددًا إلى إلقاء جميع الهموم في الوادي نفسه لينزل كل واحد من أهل القرية الستعادة همه السابق الــذي افتقده وحــن إلـيـه، وهـكـذا عــادوا إلــى همومهم وحملوها وتحملوها حتى أتاهم اليقني، وهكذا هو اإلنسان ال يمأل جوفه إال التراب! ولـــو لفترة

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia