إنه «الهولي» يا غبي
دخــلــت إيـــــران فـــي طــائــلــة الــحــزمــة الــثــانــيــة من العقوبات األمريكية، والتي تستهدف العصب الـرئـيـسـي لـالقـتـصـاد اإليــرانــي، بـاعـتـبـار النفط يمثل حوالى %80 من مداخيل امليزانية، وإن كانت حدثت بعض االستثناءات لثماني دول، فهي استثناءات تمثل املوت البطيء عوضًا عن املوت بالسكتة. وهذه االستثناء ات تخدم سوق النفط واستقرار األسواق، ويجب أال نغفل أن أمريكا من أكبر ثالثة منتجني للنفط في العالم، كما أن النفط يشارك في الناتج املحلي اإلجمالي األمريكي بحوالى 8%، كما أن الـهـدف األمـريـكـي ليس أن يبقى النفط فـي إيران، ولكن الهدف أن ال تأتي األموال إلى طهران. ولــهــذا األمــــر أقــــرت آلــيــة تـجـعـل مـشـتـريـي الــنــفــط اإليــــرانــــي، ال يــدفــعــون مــقــابــل الــنــفــط قـيـمـتـه الــنــقــديــة، بــل يــدفــعــون مقابله لطهران بضائع غير خاضعة للحظر مثل األغذية واألدوية، كما أن اإلدارة األمريكية وقبل الخروج من االتفاق النووي، درست جميع املتنفسات التي كانت تستخدمها طهران لاللتفاف على العقوبات، خاصة في فترات بيل كلينتون وباراك أوباما. وهــو مـا ذكــره وزيــر الخارجية اإليــرانــي محمد جــواد ظريف، حني أكد أن اإلدارة األمريكية تستطيع أن تطأ على رئتنا وتكتم أنـفـاسـنـا بـالـكـامـل إذا أرادت؛ ألنــهــا حــصــرت جـمـيـع القنوات الخلفية التي كنا نستخدمها لتجاوز العقوبات اقتصاديًا. وقدرة الرئة اإليرانية على التنفس، مرورا بخفض نسب استيراد الدول التي منحت االستثناء، وصوال إلغالق أمريكا للمسامات تمامًا عبر تصفير الصادرات النفطية، هي املسافة بني النظام اإليراني وطاولة املفاوضات أو االنهيار االقتصادي. إيــران يــوم دخــول العقوبات حيز التنفيذ، كانت تنظر صوب الــواليــات املــتــحــدة، عـسـى أن تحصل مـفـاجـأة فــي االنتخابات الـنـصـفـيـة لــلــكــونــغــرس، ورغــــم حــصــول الــديــمــوقــراطــيــني على األغلبية فـي مجلس الــنــواب، إال أن بـقـاء األغلبية فـي مجلس الشيوخ خلق نوعًا من التوازن، بل إن الكفة تميل للجمهوريني أكثر بحكم أن لديهم البيت األبيض أيضًا. عــــادت إيــــران إلـــى الـــبـــازار الــقــديــم، فــأخــرجــت ورقــــة التدخالت اإلقليمية، في العراق حاولت االلتفاف على النتائج، وتشكيل حكومة تابعة لها وفشلت، وقبل ذلك إسقاط العبادي ونجحت، ومن املؤشرات السلبية إليران أوال نتائج االنتخابات البرملانية العراقية، والصفعة التي مثلها اقتحام املتظاهرين العراقيني لقنصلية إيران في البصرة. األهــم الـيـوم بالنسبة إليـــران كيف تـكـون الــعــراق قـنـاة لتمويل إيـــران وتخفيف عــبء الـعـقـوبـات، وهــو مـا حـاولـت أن تستبقه بــضــغــط عــلــى الــعــراقــيــني، عــبــر قــطــع اإلمــــــــدادات الكهربائية، ومـحـاولـة تجفيف أنــهــار الــعــراق، بـعـد أن حـولـت إيـــران أيضًا مجرى األنهار التي كانت تساهم بتزويد العراق باملياه، وهو ما ساهمت فيه تركيا أيضا عبر تشغيل سد إليسو، لكن يبدو أن التواجد األمريكي في العراق يضعف فـرص االستفادة من العراق اقتصاديًا. يمنيًا ال يبدو أن هناك الكثير من األخبار اإليجابية بالنسبة إليـران، بل يبدو أن حسم معركة الحديدة خالل األيام القادمة، قد يمثل تمزيقًا لورقة اليمن التفاوضية، والتي كان الرئيس روحاني تحدث عنها مع األوروبيني قبل أشهر، ولوح باستعداد إيــران للتخلي عن هـذه الـورقـة، واألمــر اآلخــر أن تحرير ميناء الحديدة وإزالــة األلـغـام سيقضي على فـرص إيــران في تهديد املالحة البحرية في البحر األحمر. كــمــا أن إيـــــران اطــلــعــت عــلــى الـــقـــدرة الــعــربــيــة لـــلـــردع وحماية مصالحها، عبر تدريب (درع العرب )1 الذي بدأ في 4 نوفمبر بمشاركة قـوات من ست دول عربية في قاعدة (محمد نجيب) الـعـسـكـريـة بــمــصــر، وتــشــمــل تــدريــبــات بــريــة وجــويــة وبحرية مـشـتـركـة. وضـمـت الـكـويـت والـسـعـوديـة واإلمـــــارات والبحرين واألردن. لبنانيًا كانت الرسالة األمريكية واضحة «أن ال نـأي بالنفس لحزب الله من العقوبات على إيران»، كما أن إدراج وزارة العدل األمريكية «حزب الله» على قائمة املنظمات اإلجرامية العابرة لـلـحـدود، فـي أول تصنيف مـن نـوعـه لـلـحـزب، هـو مـؤشـر على مـقـدار الضغط الــذي يتم على أذرع إيـــران وليس على طهران وحدها. سيبقى إليـران تأثير بل شك في عدة دول عربية، لكن الضغط االقـتـصـادي سيؤثر على هـذه األذرع بـدرجـة معينة، وسيؤثر بدرجة أكبر على الداخل اإليـرانـي، خاصة مع التضييق الذي سيتم على القنوات الجانبية لاللتفاف على العقوبات، وعندها سـيـصـرخ الـشـعـب اإليـــرانـــي فــي وجـــه نـظـامـه مـطـالـبـًا بالخبز اإليراني «الهولي»، وكما ردد املتظاهرون اإليرانيون سابقًا «ال غزة وال لبنان».