Okaz

انتخابات الكونغرس: قيم وحركة فصل السلطات

- د. طالل صالح بنان * talalbanna­n@icloud.com * كاتب سعودي

من أهم إسهامات النظام الرئاسي في النظرية واملمارسة السياسية، التأكيد على محدودية حــــركـــ­ـة الــســلــ­طــة وضـــعـــف­ـــهـــا، تــــجــــ­اه حريات وحقوق الفرد. لم تعد مشكلة النظرية واملمارسة السياسية، فــي ضــمــان رشــــد الــحــكــ­ومــة وعــقــالن­ــيــة مــؤســســ­ات الدولة، يــوم ظـهـور أول دسـتـور مكتوب ومـتـواتـر األخــذ بــه، حتى اآلن، فحسب.. بل إن الحاجة كانت: إيجاد حكومة تتوفر للمجتمع من خاللها، ومن ذاتية حركتها، آليات وضوابط عملية لضمان عـدم انحراف السلطة عن مسارها املرسوم لــهــا. مــن ثــــم كـــان الــحــل فــي صـيـغـة الـفـصـل بــن السلطات تفصيليًا فــي الــدســتـ­ـور األمــريــ­كــي ..)1784( وســرعــان ما ألحقت به وثيقة الحريات .)179( من هنا شاعت في أدبيات علم السياسة، مقولة: الحكومة الـضـعـيـف­ـة هــي أفــضــل أنـــــواع الــحــكــ­ومــات! الـضـعـيـف­ـة هنا بمعنى: ضعيفة في مواجهة حقوق األفــراد وحرياتهم، ال باملعنى التقليدي الشائع، بما يعكس بطشها وجبروتها وسطوتها، في حركتها الداخلية والخارجية. كـان الحل، إذن: فـي «تشتيت» السلطة، وإضــعــاف إمـكـانـات التعاون واالنـسـجـ­ام بـن رمـوزهـا ومؤسساتها، وليس بالضرورة انـــعـــد­ام الــتــكــ­امــل بــيــنــه­ــم، مـــن أجــــل الــحــفــ­اظ عــلــى الغاية األساسية من وجود كيان الدولة نفسه، في االتحاد والقوة واملــنــع­ــة وإمــكــان­ــات واالســـتـ­ــمـــرار والــتــقـ­ـدم، بـتـوكـيـد مبدأ السيادة للشعب. مــشــكــل­ــة الـــنـــظ­ـــام الـــبـــر­ملـــانـــ­ي الــــــذي أتــــت بـــه نــظــريــ­ة العقد االجتماعي الليبرالية، كانت فـي خلِقِه ملؤسسة سياسية واحدة، تنبثق عنها السلطات األخرى. في النظام البرملاني، تنعكس إرادة الناس، في إيجاد البرملان الذي من الناحية النظرية، مخول بممارسة السلطة التنفيذية. في املقابل: الــنــظــ­ام الــرئــاس­ــي؛ املــواطــ­نــون يـنـتـخـبـ­ون أعــضــاء السلطة الــتــشــ­ريــعــيــ­ة (الــكــونـ­ـغــرس بـمـجـلـسـ­يـه) ويــنــتــ­خــبــون رأس السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية). هنا يتحقق الفصل بن السلطتن عضويًا.. وما يترتب على ذلك من مساواة في القوة السياسية، عكس ما هو الحال في النظام البرملاني. لــــم يــكــتــف الـــنـــظ­ـــام الـــرئـــ­اســـي بــخــلــق واقــــــع تــشــتــي­ــت قيم السلطة وحركتها، بن السلطتن الرئيسيتن (التشريعية والتنفيذية)، بـل إنــه لـم يستبعد الــصــراع بينها، تمكينًا لسطوة اإلرادة الـعـامـة، على مـؤسـسـات الــدولــة ورموزها. لــقــد أدخــــل الــنــظــ­ام الــرئــاس­ــي تـمـثـيـل أقــالــيـ­ـم الـــدولــ­ـة، ولم يكتف بتمثيل السكان فقط. الكونغرس األمريكي يتكون من غرفتن عليا (مجلس الشيوخ) يمثل الـواليـات ودنيا (مــجــلــس الـــنـــو­اب) يـمـثـل الــســكــ­ان، مــع تـقـسـيـم صالحيات السلطة التشريعية، في سن القوانن والرقابة على السلطة التنفيذية، على الغرفتن. كل ذلك في سبيل تحقيق الهدف اإلستراتيج­ي األسمى من وجود السلطة، بجعلها مشتتة، كأفضل ضمانة عملية للحؤول دون ميلها لالستبداد، ومن ثم احتمال إضرارها بحقوق املواطنن وحرياتهم.. مع ربط شرعية الحكومة نفسها، باإلرادة العامة للناس. يوم الثالثاء املاضي أجريت في الواليات املتحدة انتخابات الكونغرس النصفية، التي أتـت بكونغرس مختلف، يبدأ عمله في الثالث من يناير القادم، عن ذلك الـذي تشكل في بداية الفترة الرئاسية األولى للرئيس ترمب يناير .)2016( بالقطع لــن نــرى تــواتــرًا ال فــي سـلـوك وال فــي تـوجـه إدارة الـرئـيـس تــرمــب، فــي فـتـرة السنتن الـقـادمـت­ـن مــن واليته، كما كان في فترة السنتن األولين. الرئيس ترمب، ستحكم إدارتــه في ظل كونغرس نصف معاد بعد أن كانت تحكم طوال السنتن املاضيتن بكونغرس صديق. كما أن هناك ملفات عالقة، فـي قضايا داخلية وذات عالقة بالسياسة الخارجية، كان يتحكم في عدم فتحها حقيقة تمتع إدارة الــرئــيـ­ـس تــرمــب، بـاألغـلـب­ـيـة فــي غــرفــتــ­ي الــكــونـ­ـغــرس، قبل انتخابات الكونغرس النصفية األخيرة. مـن أهــم القضايا الداخلية ذات العالقة بمصير استمرار والية ترمب، وكانت تسبب أرقًا، وجاء ت نتيجة االنتخابات بما يزيد من حدة هذا األرق: التحقيقات في شبهة تواطؤ الفريق املكلف بــإدارة حملة االنتخابات الرئاسية للحزب الجمهوري 2016 مع الروس في التالعب بتلك االنتخابات، الــتــي يــقــوم بــهــا املــحــقـ­ـق الــعــدلـ­ـي الــخــاص املــعــن مــن قبل الكونغرس (روبـــرت مــولــر). صحيح أن محاكمة الرئيس ترمب تمهيد لعزله، تتم في مجلس الشيوخ، حيث يتمتع حزب الرئيس باألغلبية فيه، إال أن النقاش حول الدعوى ورفعها، تتم إجراءاته في مجلس النواب، حيث فقد حزب الـرئـيـس األغـلـبـي­ـة فـيـه. ويـبـقـى مــن الـصـعـب عـلـى الرئيس وإدارتـــه تجاهل مـا قـد تتوصل إليه لجنة مـولـر، اعتمادًا فقط على أغلبية الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ. إدارة الرئيس ترمب ستواجه صعوبة حقيقية في مواجهة كونغرس نصف معاد، غير ما كان عليه األمر في فترتها األولـــى. هــذا يكفي وحــده لتفسير سبب قلق الرئيس قبل إجراء تلك االنتخابات.. وازدياد توتره من نتيجتها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia