Okaz

هل فضحت السر يا دكتور؟

-

كنت في ضيافة صديق، اتصل بي كعادته لـيـهـبـنـ­ي دعــــوة خـــاصـــة، عــنــدمــ­ا يدعوني هذا الصديق، أحتفل بدعوته كمن ينتظر السعادة وراء الباب، فهو رجل على قدر كبير من التفهم وحب الحياة واإلحساس املرهف، رجل جميل يؤمن بأن الفن أصدق من الحياة، ومن هنا عاش حليفا للموسيقى واألدب والـفـن واألصــدقـ­ـاء، جـزيـرة ال تعرف البغضاء، رجـل مستقيم كعصا الخيزران، يرفض االلـتـواء، بيته كمعطف أبـــي، كـضـوء غــرف الـبـيـوت الحميمة، بسيط كاملاء في العني، يشدني كلما يدعوني كعالقة مفاتيح مــمــغــن­ــطــة، كـــانـــت عــشــيــة مــلــفــت­ــة، فــيــهــا مـــــذاق حقيقي للحياة، غناء وطرب، أصوات أسطورية، ونغم يتساقط كـمـزاريـب األريـــاف الـتـي يهطل منها املــطــر، وأحاديث ثـريـة كـالـغـابـ­ات الــورديــ­ة الـتـي تغيب مــع الــظــالم، ليلة تلهو بشرار العمر، كان القانون يئن، يسمو ويرف وتر الكمان بصوت مذاب في فضاء الله، كان صاحب الدار يرحب بالجميع بكلمات رقيقة وعينني مشعتني، يشعر كـل منا بأهميته وقـربـه منه، أعجب مـا فـي املوسيقى أنها تقرب بني أنـاس ال يقرب بينهم أحيانًا أي شيء، بني عقول ولغات، وآراء قد تتنافر أحيانًا في كل مجال، وبفيض كرم يغرق شاطئ الروح، وكواد يسير في زراعة الـشـمـس، وألنـــه يـقـدر الــحــرف والـقـلـم، ويعشق الريشة والكلمة، والكتابة، أهدى الحضور (إصدارين) جديدين مختلفني، لكتاب مرموقني معروفني، واستمرت السهرة وحتى نال الليل مني وانتصف السهاد، ودعته ممتنا، وتركت الدار متجهًا لعربتي التي كانت في مكان قصي مــن الـــشـــا­رع، لــم يــمــض الــوقــت بـعـيـدًا وأنـــا فــي العربة منزو، أستقبل مكاملة من ابني في أمريكا، أنتظر انتهاء املـكـاملـ­ة، وإذا بـي أتنبه وأنــا أتـحـدث إلــى ابـنـي، لتسلل اثنني من املدعوين، ممن اندفعوا كآخر شــرارة تنتهر شـــرود الـفـحـم، كـانـا غـافـلـني تـمـامـا عــن وجـــودي داخل الـعـربـة فــي الــظــالم، قــذفــا وبــأيــد بـلـهـاء، بـالـكـتـب التي حصال عليها مـن املضيف نحو حتفها وبإرادتهما، لصندوق القمامة الكائن قرب املنزل، قذفا بها وبسرعة كقذيفة في قلب هدف، تطايرت قطط من الصندوق كما يتطاير الـشـرر مـن رجـل صلف أهـانـه الـزمـن، انقبضت أنــفــاسـ­ـي بــذلــك األلــــم نـفـسـه حــني يـنـقـبـض الــقــلــ­ب، وقل نصيبي من األكسجني في العربة، كان جسدي يترنح بني الخيبة والخيبة، كان القمر يطل من السماء، يمد بـلـسـانـه لــي ويـقـهـقـه، تنفست وكــمــن يكتشف جريمة قديمة، تأكدت حينها، أنك ال تستطيع أن تجعل شجرة املـانـجـو تنمو فــي أسكتلندا، كما أنــك ال تستطيع أن تجعل زهـرة (الدولويس) الزهرة القطنية التي تنمو على جبال األلب أن تنمو في الصحراء، ألن النبات ال يحيا وال يثمر إال في املناخات املواتية، وهكذا املعرفة والــثــقـ­ـافــة والــتــحـ­ـضــر، تــســمــر­ت فـــي مــقــعــد­ي ككسير يستغيث بالتراب، رفعت ذراعي وحاجبي وعيني نحو السماء، وهتفت، ملاذا تعذبني إلى هذا الحد يا رب، أنا

 ??  ?? أهالي الضحايا يطلقون بالونات أمام قاعة مدينة باريس، أمس، إحياء لذكرى الـ031 الذين قضوا في هجمات قرب «استاد دو فرانس» في نوفمبر .2015 (رويترز)
أهالي الضحايا يطلقون بالونات أمام قاعة مدينة باريس، أمس، إحياء لذكرى الـ031 الذين قضوا في هجمات قرب «استاد دو فرانس» في نوفمبر .2015 (رويترز)

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia