Okaz

ثالثة في واحد

-

استقرار املجتمعات ال يأتي إال باستقرار األفــــــ­ـراد، والـــفـــ­رد فـــي بــعــض الــثــقــ­افــات قد ال يــســتــق­ــر وتــســكــ­ن نــفــســه حــتــى يــجــد من يفهمه من البشر ويحتويه، لكن الحقيقة تقول إن ال أحد سيفهمنا طاملا أننا ال نفهم أنفسنا وال نـدرك من نحن، ربما تجد في شخص واحد الحبيب واألب واالبـن تارة يسعد روحك وتارة يهذبها وتارة تمرح مع روح الطفولة لديكما، وهذا األمر يفسره العالم األمريكي اريك اريكسون في نظريته الشهيرة التفاعل االجتماعي، والحقيقة أن أفكاره املجتمعية حول الهوية والطفولة أشد ما نحتاج إليه في وقتنا الحالي. جميعنا فــي حـيـاتـنـا الـيـومـيـ­ة نــمــارس دورًا مــن ثالثة أدوار سواء كنا ندرك هذا أم ال، فتارة نكون ذلك الشخص الــراشــد املـسـتـقـ­ل الـــذي يـتـعـاطـى مــع مــن حــولــه بطريقة متجردة وندية، وتارة نمارس دور األبوية مع من حولنا فنهتم ألدق التفاصيل املتعلقة بهم خاصة حينما يتصل األمر بمن نحب من أهلنا وأصدقائنا، في حن أن الطفل الصغير الــذي بداخلنا قد يظهر في أوقــات الـفـراغ وقد يكون طفال هادئًا وأحيانًا مشاغبًا ومزعجًا. الــفــكــ­رة أنــنــا فـــي حــيــاتــ­نــا االجــتــم­ــاعــيــة نـــمـــار­س أدوارًا مجتمعية عديدة فقد تكون أبًا أو أمًا، زوجة أو زوج خالة أو أخت عم أو ابنًا، كل هذه األدوار نندمج بها دون وعي وقد نكون جيدين أحيانا وأحيانًا ال، املحك الحقيقي أن نعيد النظر قليال فيما نحن عليه ومن نحن وكيف نكون جيدين في هذه األدوار، لعل فكرة األدوار الثالثة تسهل علينا كثيرًا فهم أنفسنا ولعلها ستحل مشاكل الكثيرين مـن التائهن واملشتتن، فكم مـن زوجــة خسرت زوجها ألنــهــا مــارســت دور األمـــومـ­ــة عـلـيـه مــن إطــعــام ورعاية بيولوجية دون أن تحاول أن تفهمه أو حتى تدخل عامله العقلي، وكم من رجل خسر أسرته ألنه بقي طفال غرائزيًا لم يكبر يريد أن يحصل على كل ما يريد، وكم من عالقة صــداقــة انـتـهـت عـنـدمـا تـعـانـد الـصـديـقـ­ان ومــارســا دور الناضجن مضحن بعشرة عمر فقط ليثبت كل منهم أنه على حق. اإلفــــرا­ط فــي الــرعــاي­ــة إهــمــال، نـعـم املـبـالـغ­ـة فــي الحماية تقتل روح االكتشاف والشغف، حياتنا اليومية نقضيها على شاشات الجواالت دون أن ننظر في وجوه بعضنا البعض، دون أن نعي من نكون، يقول اريكسون في كتابه العبقري «الهوية الشباب واألزمـــة» إن املجتمعات هي التي تحدد معايير النجاح لأفراد وكيف يمكن للشاب أن يتميز بهويته مـن خـالل إعطائه الحرية فـي تكوين نـفـسـه وتــحــديـ­ـدهــا، وعــلــى املـجـتـمـ­ع أن يــســاعــ­د ويدعم الــتــطــ­ور الــفــردي حـتـى يـصـبـح املــــرء نـفـسـه ال مــا يريده املجتمع أن يكون. لهذا يعتبر اريكسون أن البيئة االجتماعية الجيدة هدية حقيقية، فــاألســر­ة الـتـي تعي أهمية االسـتـقـر­ار النفسي واالجـتـمـ­اعـي ألفــرادهـ­ـا والتعقل فـي التربية واإلنجاب والتخطيط للمدى البعيد تدعم استقرار املجتمع، لعل التحدي الحقيقي القادم الذي يحتاج معالجة مستعجلة هو ذوبان الهوية أو انشطارها، القولبة املجتمعية ليست باألمر الجديد لكن هل نحن على دراية بما يحدث؟ هل نحن نعي ولـو لوهلة ما الــدور الــذي نمارسه؟ أنـا على يقن أن الكثير من العالقات اإلنسانية سـواء في العمل أو املنزل سيصلح حالها إذا أدركنا هذه األدوار الثالثة، فليس مــن املــلــزم أن تــمــارس دور األب مــع أقــرانــك ومن هم في عمرك، وليس من الحكمة أن تمارس دور الطفل في حياتك األسرية وتنتظر الدعم واملواساة من أسرتك وتــدخــل فــي نــفــق االبـــتــ­ـزاز واإلنـــهـ­ــاك الــنــفــ­ســي، النضج االنفعالي مهمتك أنت كفرد أوال وأخيرًا. لعل اسـتـغـراق البعض فـي املثاليات واألحـــال­م الوردية جعل أحــدًا منهم ال يستوعب كـم هـو مؤلم أن يستخدم اآلخرين لتحقيق أهدافه، وربما تلك الفتاة التي تحاول أن تلعب كـل األدوار لتنال رضــا مـن تحب تقتل نفسها وتتكبل مهام فوق طاقتها قد تفيق بعد نوبات الحياة فتصبح خسارتها مضاعفه، إن خسرت نفسها وخسرت من ظنت أنها تحب، أعيدوا النظر في أدواركم وهويتكم، لـيـس مــن الـخـطـأ أن تــمــارس أكـثـر مــن دور لـكـن العذاب الحقيقي أن تذوب أنت وتنسى وكأنك لم تكن.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia