لعبة األملان.. بني الرياض وموسكو!
الـعـاقـة األملــانــيــة اإليــرانــيــة ليست ولــيــدة عصر الــغــاز الـــذي يــحــدد فــي هـــذا الــوقــت الــعــاقــة بن أطراف عديدة في منطقة الشرق األوسط والعالم ويقيس مسافات القرب والبعد والخصومة والتآمر. بكل تأكيد تعاظمت أهمية إيــران لــدى األملــان بسبب اكتشاف حـقـول الــغــاز الضخمة املشتركة بينها وبــن قـطـر، لكن هناك ألف حكاية وحكاية قبل «الغاز» تفسر هذا الهوى األملاني تجاه طهران وماليها، فاألملان واإليرانيون كما تؤكد دراســات علم الوراثة واألصول اإلنسانية ينتميون لنفس العرق اآلري، بل إن اإليرانين يعتقدون جزما أنهم هم أصول األملان الذين هاجروا من أواسط آسيا ليستقروا في أوروبا. يقول املؤلف ماتياس كونتزيل في كتابه «األملان وإيران.. تاريخ عاقة مصيرية»، الذي قدم له عرضا أمير طاهري في صحيفة الـــشـــرق األوســــــط: لــقــد ظـــل اإليـــرانـــيـــون يــنــظــرون إلـــى أنفسهم بوصفهم ورثة الهوية اآلرية، األمر الذي تؤكده النقوش السفلى الـتـي يرجعها تاريخها إلــى أكـثـر مـن ٠٠52 عــام مـضـت، حن وصف داريـوس، ملك ملوك األخمينين، نفسه بأنه «آري وابن آري». كما أن اسـم الـبـاد، إيــران، يعني «أرض اآلريـــن»، بينما يـرجـع تـاريـخ فـكـرة أن األملـــان مـن أصــل آري إلــى الـقـرن التاسع عشر، وظهور فكرة القومية في أوروبــا. ومن هنا ادعى كتاب، مثل شليغل وهــردر، أن األملـان انحدروا من قبائل األور اآلرية، التي يرجع أصلها إلى مكان ما في قارة آسيا، ثم انفصلوا إلى جماعات عدة، قبل أن يتجهوا إلى الهند، وإيران، ووسط أوروبا (عقب ذلــك بكثير، ادعــى اآليرلنديون أيضا أن أصولهم آرية، وقاموا بتسمية جمهوريتهم املؤسسة حديثا باسم جمهورية آيرلندا، التي تعني أرض اآلرين). يبدو أن األملان اعتبروا أنفسهم ليسوا أوصياء على العرق اآلري الذي يمثله اإليرانيون فقط بل وحتى على ثرواتهم الطبيعية ومكانتهم في اإلقليم والعالم كما يحدث اليوم. لقد قــادت أملـانـيـا مــن خــال مجموعة 1+5 مـفـاوضـات طويلة لصالح إيــران خال فترة الرئيس بــاراك أوباما حتى توصلت لـــاتـــفـــاق الــــنــــووي الــــــذي ضـــمـــن لـــإليـــرانـــيـــن الـــحـــصـــول على التكنولوجيا النووية وسمح لها بالتمدد في اإلقليم إضافة الى تعويمها دوليا وتسهيل حصولها على مئات مليارات من الدوالرات كانت مجمدة في املصارف الغربية. أملـانـيـا طـــوال تاريخها كـانـت مقربة مــن األعــــراق «األعجمية» الواقعة على تخوم العالم العربي فارتبطت بعاقات مميزة مع األتراك واإليرانين بل كانوا حلفاء لها في الحربن العامليتن األولى والثانية بينما كان العرب في معظمهم حلفاء لإلنجليز الفرنسين ثم انتقلت تلك التحالفات لألمريكان والروس. ذلــــك كــــان تــوطــئــة لــفــهــم املــشــهــد الــحــالــي فـــي املــنــطــقــة وإعــــادة الـتـمـوضـع الـجـيـوسـيـاسـي، فــالــاعــبــون عـلـى مـسـتـوى اإلقليم أصبحوا متعددين والعاقة معهم شائكة وخطرة، األملان يرون أنه قد حان الوقت لخروجهم من أوروبا العجوز وأن حصتهم تبدأ من إيران، واإلنجليز يرون أن مشيخات الخليج هي إرثهم القديم من الكويت وحتى سلطنة عمان وأخيرا اليمن وأي اقتراب منها يعني استفزازا لإلمبراطورية البريطانية، والفرنسيون فرحون ببقائهم إلى حد ما في لبنان بجوار النفوذ اإليراني، أما سورية فهي مقسمة بن روسيا وتركيا وإيران. فــمــاذا سـتـسـفـر عــنــه لـعـبـة األمــــم فــي هـــذه املـنـطـقـة مــن العالم؟ األجواء تشبه إلى حد كبير مواقف الدول املتخاصمة في فترة الحربن العامليتن األولى والثانية، األمر الذي سيبقي الشرق األوسط في حالة تنازع شديدة الخطورة في انتظار أول فرصة لانقضاض وتحقيق املكاسب. مـع ذلــك كله يجب أال ننسى أن هناك خطن أحمرين ال يمكن تجاوزهما على األقــل فـي املرحلة الحالية مـن الـتـنـازع، أوال.. خط الغاز الذي لن تسمح روسيا بإنشائه لحساب أملانيا مهما كان الثمن، ثانيا.. خط البترول الـذي ال يمكن أن تقبل أمريكا باغتياله لـصـالـح خـصـوم الــريــاض مـربـكـا االقــتــصــاد الدولي ومنهيا دورتـه املالية، إضافة إلى ذلك فإن واشنطن وموسكو لــن تسمحا مجتمعتن ألملــانــيــا وفــرنــســا بتفكيك التوازنات الحالية لصالح «جنون الـغـاز» الــذي تؤمن برلن أنـه الرافعة التي ستعيدها إلى قوة حقيقية في عالم استعصى عليها بعد هزيمتها الساحقة في الحرب العاملية الثانية وبقائها تحت الوصاية.