البطالة ومحددات سوق العمل
مـا هـي أطـر ومـحـددات سـوق العمل السعودي التي تلعب دورًا أساسيًا فــي تشكيل مـجـمـوع قــوة الـعـمـل وارتــفــاع أو انـخـفـاض نسبة البطالة؟ اإلجابة عن مثل هذا السؤال يمثل الخطوة األولى إليجاد خارطة طريق لـحـلـول مـوضـوعـيـة ومـسـتـدامـة لــهــذه اإلشـكـالـيـة الــتــي ظــل ترمومترها يرتفع وينخفض مع وتيرة اإلنـفـاق الـعـام، ومثلما تعمل الـدولـة حاليًا على تخفيض االعتمادية على النفط، ينبغي على املخططني ملكافحة البطالة، العمل على فصلها عن سياقها التقليدي وتوأمها السيامي وهو اإلنفاق الحكومي قدر املستطاع، وهذا ما يتطلب سلسلة من اإلجراءات والسياسات املالية واالقتصادية طويلة األمد تمهد لهذه الخطوة. ورغـم أن البطالة ألحقت مسؤولياتها في أدبياتنا بــوزارة العمل إال أن الحقيقة أن قوة سوق العمل ونسبة البطالة تشكل حاصل جمع وتقسيم وضــرب جملة مـن السياسات املتصلة بجملة مـن الـــوزارات واملؤسسات الـحـكـومـيـة األخـــــرى، وكــلــمــا تــقــاربــت خــطــوط هـــذه الــجــهــات وتقاطعت سياساتها العامة، كلما تحسن أداء اإلدارة الجماعية للبطالة خصوصا وأن دور الــــوزارة - بـاإلضـافـة إلــى وضــع الـسـيـاسـات الـعـامـة للعمل - ال يتعدى الـعـودة ملـخـزون الوظائف لغير السعوديني كلما زادت الفجوة بـني الـوظـائـف املستحدثة وعــدد الـداخـلـني فـي ســوق العمل، وهــو إجراء ظلت تلجأ إلـيـه الــــوزارة كاحتياطي نظامي لـسـوق العمل فــي مختلف الحقب املماثله. ورغم أن كل اإلحصائيات املتصلة بالبطالة تعلن بشكل شفاف مثل التوزيع النسبي إلجمالي املشتغلني الخاضعني للتأمينات االجتماعية أو للخدمة املدنية، أو التوزيع النسبي للمهن التي يشغلها السعوديون ونسبة كل منها، وطبيعة توزيع السعوديني على قطاعات العمل املختلفة، أو حتى عدد العاملني في كل منطقة ونسبة اإلناث إلى الرجال وهكذا، إال أنـي أتمنى نشر نسبة البطالة في كل منطقة إدارية، وهــي مــوجــودة لــدى وزارة االقـتـصـاد والتخطيط، وهيئة اإلحصاءات العامة، وذلـك لسبب واحـد، وهو أنه سوف يدفع نحو التوازن التنموي في النشاطات االقتصادية بني املناطق ويحد من الهجرة املستترة التي تضغط على الخدمات في املدن الكبيرة، والدليل على ما أقول إن نسبة العاملني الخاضعني للتأمينات االجتماعية تصل في منطقة الرياض حاليا )2018( إلى %40 وفي املنطقة الشرقية إلى %23,4 وفي منطقة مكة املكرمة إلى %22,4 وهذا يعني أن ثالث مناطق تستقطب حاليا %85,8 من إجمالي قوة سوق العمل في اململكة، فيما تتقاسم عشر مناطق أخرى البقية الباقية )%14,2( لدرجة أن بعض املناطق لم تتجاوز قوة العمل فيها %0,03 وهذا ما يدعو إلى مراجعة سوق العمل ليس على املستوى الــرأســي فــقــط، وإنــمــا عـلـى املـسـتـوى األفــقــي أيــضــا، وبــاعــتــبــاره مــن أبرز مؤشرات التنمية املتوازنة التي تسعى إليها بقوة حكومة امللك سلمان وولي عهده األمني.