حالة «محمود صباغ» اإلبداعية!
مالمح التميز والعبقرية تبدأ في السنوات املبكرة فـي عمر اإلنــســان. هـكـذا رأيـنـاهـا ووثقها التاريخ، عبر نماذج بشرية مختلفة ومتنوعة، من املوسيقار مــوزرات النمساوي، مــرورًا بـمـارادونـا عبقري الكرة األرجنتينة. الـنـمـاذج عـديـدة ومختلفة تـذهـب بنا لنؤكد ذلــك. فـي السعودية هناك حالة «إبداعية» شابة ومدهشة تستحق املتابعة واإلشادة واالحترام. أقصد تحديدًا حالة محمود صباغ اإلبداعية. محمود صباغ، شاب من أسرة كريمة، مثقف بامتياز وقارئ نهم وعاشق للمعرفة منذ نعومة أظافره. اهتم بالتاريخ وتعمق في جذوره، وبـحـث فــي كـافـة جـوانـبـه فيما يـخـص الـسـعـوديـة تـحـديـدًا أو ما جاورها. وبالرغم من شبابه إال أنه تمكن من أن يجاري غيره باألدلة والبراهني واملواثيق. مارس الكتابة والنقد والتوثيق املدون على شبكة اإلنترنت، فأحدث حراكًا الفتًا ومميزًا، وكانت دائمًا مقاالته الــتــي يكتبها تـلـقـى الــقــبــول وتـثـيـر الــفــضــول ملــا فـيـهـا مــن غزارة املعلومات والتاريخ املوثق «الجديد» في طرحه وتقديمه كمادة ومعلومة تعرض وكأنها للمرة األولــى. طـور محمود صباغ من أدواته وحرفيته ومهنيته خالل دراسته األكاديمية في نيويورك بجامعة كولومبيا بكلية الصحافة، وهي أعظم كلية صحافة في العالم بال منافس وال جــدال. وعـاد محمود صباغ وعـاد للكتابة بشكل أكثر احترافية، ولكنه حول عشقه وشغفه إلى أداة جديدة وهي الكاميرا، فقدم عمال وثائقيًا «خفيفًا» و«مختلفًا» عن أحد رمــوز الفكر والثقافة في التاريخ السعودي وهـو حمزة شحاته، وبــعــد ذلــك أقـــدم عـلـى إنــتــاج وإخــــراج وتـألـيـف درامــــا تلفزيونية يوتيوبية عن قصة العب كرة قدم في حواري جدة، وقصة صعوده إلـى عالم االحـتـراف الـكـروي تحت مسمى «كــاش». ولكن لظروف اقتصادية وتقنية وإدارية ونظامية لم يكتمل العمل. وبعدها أقدم محمود صباغ على حلمه الكبير، وقدم فيلمه األول «بركة يقابل بركة» الـذي تحول إلى ضربة كبرى، وأصبح حديث املهرجانات وثناء النقاد والـعـرض الجماهيري. وبــات من الطبيعي أن تجد الفيلم يعرض في الطائرة على الخطوط الجوية املختلفة وعلى شاشات التلفزيون في القنوات املتخصصة لعرض األفالم. وأقدم محمود صباغ على هـذه املهمة دون أي دعـم، واعتمد فيها على جـهـوده الشخصية ودعــم بعض األصــدقــاء، وقــدم أسـمـاء جديدة وشابة تظهر على الشاشة ألول مـرة. وشـارك محمود صباغ بعد نجاح فيلمه في مهرجان برلني السينمائي العظيم، ودعي للعديد مــن املـهـرجـانـات الـكـبـرى كمتحدث وضــيــف. واآلن هــا هــو فيلمه السينمائي الجديد «عمرة والعرس الثاني» ينطلق في مهرجان سينمائي في لندن، وبعدها في القاهرة، ويواصل صباغ رحلته مــع الــنــجــاح، فالفيلم لـقـي الـقـبـول واالســتــحــســان الـنـقـدي الكبير بانتظار العروض الجماهيرية املفتوحة. توليفة محمود صباغ الثقافية واإلبـداعـيـة تؤكد والدة عبقرية سينمائية، وبـدايـة لغة سينمائية سعودية مستقلة ومميزة. فيلمان مميزان انطلقا من محمود صباغ بنجاح، وبمجهودات وتمويل ذاتــي هـي شهادة بـحـق روح اإلبـــــداع واإلصــــــرار، ولــكــن هـــذه الـنـوعـيـة مــن املواهب اإلبداعية االستثنائية تستحق الرعاية والدعم ألنها تمثل الوطن وتضيف فـي سجالته الثقافية والـحـضـاريـة واإلبــداعــيــة، ونحن بأمس الحاجة لذلك اآلن.