Okaz

املبتعثون.. الوصاية أم احلوار ؟

-

لفت انتباهي خبر في تويتر حظي بتعليقات ومـداخـالت غير قليلة عن انتخابات اتحاد الــطــلــ­بــة الــكــويـ­ـتــيــن فـــي أمــريــكـ­ـا الــتــي بدت وكأنها انتخابات سياسية أكـثـر مـن كونها طالبية، أو ربما كانت نسخة مصغرة من االنتخابات البرملانية في الكويت التي اكتسبت منذ سـنـوات مسحة أيديولوجية للكثير مــن املـرشـحـن والـنـاخـب­ـن. عـمـومـا كـانـت نتيجة االنــتــخ­ــابــات كـمـا يــقــال ســقــوط «قــائــمــ­ة املـسـتـقـ­بـل» التي توصف بالتوجه اإلخواني وفوز قائمة الوحدة الطالبية املنافسة لها. أقــــول لــفــت انــتــبــ­اهــي ذلـــك الــخــبــ­ر ألنـــه عــقــد يـــوم السبت املــاضــي ٤٢ نـوفـمـبـر اجــتــمــ­اع رؤســــاء األنــديــ­ة الطالبية السعودية في أمريكا، وألن لي ـ ككاتب ـ اهتماما كبيرا بشؤون وشجون طالبنا املبتعثن في كل الدول، وبالذات أمريكا بسبب وجــود أكـبـر تجمع طـالبـي سـعـودي فيها يـمـارسـون نشاطاتهم مــن خــالل ٠٠٣ نــاد تـشـرف عليها املـلـحـقـ­يـة الــثــقــ­افــيــة وفــــق ضـــوابـــ­ط وتــنــظــ­يــمــات محددة يـــراد منها تحقيق أكــبــر قــدر مــن الــفــائـ­ـدة وأقـــل قــدر من السلبيات، ولكن رغم ذلك هل باإلمكان عمليًا إحاطة هذا العدد الكبير بسياج فكري محدد وقولبتهم داخـل إطار معن من التفاعل فكريا وسياسيا مع محيطهم املحلي والخارجي وما يحدث في العالم عموما، وهل باإلمكان تحصينهم ضـد املناهج الفكرية الـتـي تتبناها تيارات وتنظيمات متطرفة في أي اتجاه. يبدو ذلك صعبًا بل مستحيال في هذه املرحلة من الزمن وفي فضاء مفتوح كما هو الحال في املجتمعات الغربية الــتــي يــعــيــش فــيــهــا املــبــتـ­ـعــثــون، ولـــذلـــ­ك تــكــون محاولة الوصاية املباشرة على عقول وأفكار وتوجهات الطالب ضربًا مـن املستحيل، وهنا يمكن الـقـول إنــه ال ضير من انفتاح الطالب على كل األفكار والتجارب واألنماط ألن ذلـــك مــن شــأنــه تـنـشـيـط مـلـكـة الـتـفـكـي­ـر وصــقــل التجربة والـتـأمـل والفحص والـفـرز والتمييز بـن الصالح وغير الصالح فيها، وتلك حرية شخصية ال يمكن مصادرتها أو وضع رقابة عليها، لكن املسألة تختلف عندما يتجاوز ذلـــك إلـــى مــحــاولـ­ـة االنـــخــ­ـراط فــي عـمـل تنظيمي ونشاط حـركـي لتيار سياسي تحت غـطـاء يـمـوه بـأنـه غير ذلك، خصوصا إذا كان تيارًا يحمل في أجندته موقفًا مناهضًا للمبادئ والثوابت الوطنية ويعمل على خلخلتها لصالح مشروع غير وطني. لـقـد كــانــت مــحــاوال­ت االسـتـقـط­ـاب الـسـيـاسـ­ي للمبتعثن حاضرة منذ زمن بعيد لصالح التيارات واألفكار املوجودة واملتنافسة في كل مرحلة، لكن االستقطاب أصبح مختلفًا وبــالــغ الــخــطــ­ورة مــنــذ انــفــجــ­ار مــشــروع الــربــيـ­ـع العربي عـــام ١١٠٢ والــــذي اتــضــح أنـــه أخــطــر مــشــروع لتقويض الـدولـة الوطنية العربية وتفتيت العالم العربي بأكمله بتثوير الشباب وحقنهم وتأزيمهم ضد أوطانهم بأفكار وشــعــارا­ت تـبـدو بريئة وموضوعية فـي ظاهرها لكنها تحمل في بواطنها مشروعًا تدميريًا بالغ الخطورة. وكـالء وعمالء االستقطاب للمشروع الجديد موجودون بـكـثـافـة فــي مـعـظـم الــــدول الــتــي تــوجــد فـيـهـا التجمعات الشبابية العربية الستمالة بعضهم وتجهيزهم ككوادر تعمل في الخفاء كبداية انتظارًا للحظة املواتية للظهور والعمل العلني، وهنا يمكن القول بأن النصح والتنظير والتعاميم والوصاية املباشرة على املبتعثن لن تجدي كبرنامج تحصن ووقاية وحماية ألنه تعامل مع شباب تجاوز التأثر بمثل هذا النمط التقليدي. الحوار الشفاف املستمر معهم وطرح كل شيء على طاولة النقاش العلني الــصــريـ­ـح وســمــاع كــل الــــرؤى واألفـــكـ­ــار والــهــوا­جــس دون مصادرة أو أحكام مسبقة بحقهم هو الطريقة الحضارية الـنـاجـعـ­ة لـتـقـريـب األفــكــا­ر وصــهــرهـ­ـا فــي بـوتـقـة وطنية تجمعهم من أجل خدمة وطنهم وحمايته، وتجعل منهم كوادر وطنية صلبة يصعب استقطابها لصالح مشاريع ضارة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia