قمة مجموعة العشرين.. هل تنقذ االقتصاد العاملي؟
يمثل اجتماع قمة مجموعة العشرين الجمعة القادمة في األرجنتني، منعطفا مهما بالنسبة لـــالقـــتـــصـــاد الــــعــــاملــــي الـــــــذي بــــــدأ يـــعـــانـــي من السياسات األحادية للواليات املتحدة األمريكية، واتجاهها نحو العزلة الدولية، وضربها العوملة في مقتل. وفي ضوء
ُِّ ذلك سيمثل االجتماع املواجهة الحقيقية األولى، لقادة هذه املجموعة لتعديل مسار دفة االقتصاد العاملي، والتقليل من
ا. ومنذ أن تأسست مجموعة العشرين، في سبتمبر من عام
َِّ ؛)م1999( لتمثل أكبر 20 دولـة، -من حيث إجمالي الناتج املحلي- وهي تحاول النظر للقضايا االقتصادية الدولية، مــن مـنـظـور إيــجــاد حــلــول وإجـــــراءات مـشـتـركـة تـعـالـج بها الــوضــع االقــتــصــادي الــعــاملــي، وتـــحـــاول فــي حــــاالت أخرى استباق بعض األزمــات املتوقعة، وتبني بعض السياسات الوقائية لضبط أداء االقتصاد العاملي. وعلى الرغم من عدم إلزامية قرارات مجموعة العشرين، إال أنهاتعدمنتد ا،تتمخاللهمناقشاتمطولةتسبق اجتماع القمة، وتمهد لبيان ختامي يمكن تبنيه بصفته التزام ا،وتتماملوافقةعلىكلحرف يتم إدراجه في البيان وباإلجماع. وعلى الرغم من أن مسودة البيان الختامي لقمة األرجنتني عامة جدا، وتفادت اإلشارة إلــى كثير مـن نـقـاط الـخـالف بـني أعـضـاء املـجـمـوعـة، إال أن تصريح الرئيس الصيني األسبوع املاضي، الذي ذهب فيه إلـى أن قمة العشرين قد ال يصدر عنها بيان مشترك، يدل على حجم الخالفات القائمة بني دول املجموعة، وبالتحديد بني الواليات املتحدة والصني. ومــع وجـاهـة أسـبـاب تبني الــواليــات املتحدة فــرض رسوم جمركية على مختلف شركائها التجاريني -وبـالـذات على الصني- إال أن هذه الرسوم قد أشعلت فتيل الحرب التجارية العاملية، وبدأت العديد من الدول التي تضررت منها تبني إجــــراءات انتقائية مــن منطلق املعاملة بـاملـثـل؛ فـــأدى ذلك إلـى بـدء جولة ثانية لرسوم إضافية على قائمة أطــول من السلع. وبناء على ذلك ستتصدر الحمائية الجديدة جدول أعمال القمة، وإن لم ترد صراحة في مسودة البيان؛ لعدم إمكانية وجـــــود اتـــفـــاق حــــول إضـــافـــة عـــبـــارات تــدعــو إلــــى محاربة «الحمائية التجارية»، ودعـم تيار التجارة العاملية الحرة؛ بسبب االعتراضات املتوقعة على إضافة تلك العبارات، من الواليات املتحدة. ويعتقد مـفـاوضـو مجموعة العشرين أن قمة ثنائية بني الـرئـيـس األمـريـكـي والـرئـيـس الصيني قـد تـحـرك الجمود، فيما يختص بهذه املعضلة، وإن كانت الرسائل التي تبعث بها أمريكا ال توحي بانفراج قـادم ملشكلة يعتقد كل طرف أنه على حق حولها. وما طالب الرئيس ترمب بتوقيع دول «النافتا» على نص معدل من االتفاقية التي تم إبرامها بني الدول الثالث (أمريكا، كندا، املكسيك) خالل قمة األرجنتني، إال ليبرهن للعالم أنه لوال التشدد الذي أظهره ملا تمت إعادة التفاوض على «النافتا»، وملا كان ممكنا -لوال ذلك التشددأن يحصل على اتفاقيات تجارية متوازنة وأكثر عدال، وهي مطالبة قد يكون محقا فيها. وهنالك العديد من القضايا التي تواجه قمة العشرين نهاية هذا األسبوع، وهي محل خالفات واسعة، ومنها على سبيل املثل ال الحصر قضية إعادة هيكلة منظمة التجارة العاملية؛ فــقــد هــــددت أمــريــكــا مــــــرارا بــاالنــســحــاب مـنـهـا بـحـجـة عدم فعاليتها فـي حسم املـنـازعـات التجارية، واسـتـفـادة بعض الدول من عضويتها -ومنها الصني، مثال- على حساب بقية دول املنظمة. موضوع آخـر يناقش في القمة، وهـو طلب صندوق النقد الــدولــي زيـــادة مـسـاهـمـات دول مجموعة الـعـشـريـن املالية فـي الـصـنـدوق. وذلــك املـوضـوع تتصدى لـه دول املجموعة الصاعدة، ومنها الصني؛ بحجة ضـرورة إجـراء إصالحات على نـظـام الــصــنــدوق، فيما يتعلق بـالـقـدرة التصويتية؛ فالتصحيح السابق لم يكن كافيا وال مقنعا؛ إذ السيطرة التزال للدول الغربية، من حيث قدرات التصويت. وللمملكِة وبقيِة الــدول النامية في مجموعة العشرين، أن تطالب بإجراء هذا التعديل الجوهري لنظام صندوق النقد الدوليوإال افيًميزانيته، مع تحيز قراراته ضد مصالح دولنا النامية، سواء من حيث محدودية القروض املقدمة، أو من حيث الشروط املجحفة الـتـي تعمل على إحـــداث اضــطــرابــات اجتماعية فــي الدول املستفيدة من هذه القروض. والــقــمــة سـتـكـون فــرصــة ملـنـاقـشـة أســعــار الــنــفــط، واملستوى املــتــدهــور الـــذي بـلـغـتـه، والكيفية الـتـي يمكن عــن طريقها معالجة ذلـــك، مــن مـنـظـور مـصـالـح املنتجني واملستهلكني معا. والتأكيد على دور اململكة -كونها صمام األمــان- في
ا وحاضرا. كما أن موضوع التغير املناخي املحتمل يتطلب من اململكة الوقوف بجانب الواليات املتحدة، في مواجهة محاولة دول االتـحـاد األوروبـــي إحـيـاءه مـن جـديـد، وسعيها إللــزام دول املجموعة باتخاذ إجــراءات أكثر صرامة تستهدف تسريع
َُّّ إنــهــاء عـصـر الــنــفــط؛ بـحـجـة أنـــه يـعـمـل عـلـى ارتــفــاع درجة حرارة األرض، متناسني أن تغير املناخ أمر طبيعي يحدث منذ ماليني السنني، وال عالقة للنشاط اإلنساني به. وفـــي الــخــتــام، فــــإن اجــتــمــاع قــمــة الــعــشــريــن الــــذي سينعقد الجمعة القادمة، قد يكون من أصعب اجتماعاتها؛ لتراكم املشكالت االقتصادية العاملية التي تنذر بمخاطر عديدة. وبنجاح هذه القمة في تفادي هذه املخاطر، تكون قد رسخت
ا، مثبتة الحقيقة التي تذهب إلى كونها تعد «مجلس إدارة االقتصاد العاملي».