مركز عبدالرحمن السديري خطوط الثقافة ودوائر التنمية
ليس مهمًا أن تكون في العاصمة أو مدينة كبيرة، لتقدم نموذجًا فريدًا للنجاح. قليلون بيننا من يؤمنون بوحدة املسار بني الثقافة والتنمية، وحتمية كل واحد منهما لآلخر. غالبية من يعتنقون املدرسة الثقافية ال يعرفون وربما ال يريدون أن يعرفوا حجم العالقة بني الثقافة والتنمية. ومثلهم عـلـى الـضـفـة األخـــرى يـبـادلـونـهـم نـفـس الجهل والنكران. لكن قلة قليلة اكتشفت املفتاح السري للعالقة بني الثقافة والتنمية مبكرًا. هــؤالء يـراكـمـون النجاح تلو النجاح؛ ألنهم يسقون األشـجـار مـن جـذورهـا ولــم يجرفهم تيار يستمرئ أن يسقي األشجار من أغصانها وأوراقها ومن أزهارها. خـالفـًا ملقاييس الـنـجـاح املـتـعـارف عليها، اخــتــار مركز عبدالرحمن السديري النجاح بمقاييس صعبة وشاقة، فـلـم يتخذ الـعـاصـمـة الــريــاض أو مـديـنـة كـبـرى مـقـرًا له فاتخذ من منطقة الـجـوف، أقصى الشمال مقرًا له على حساب واجهة اإلعالم ووجاهة رأس املال. ومع ذلك نجح هذا املركز نجاحًا منقطعًا قل نظيره في القطاع األهلي الثالث حتى بني املراكز واملؤسسات التي تتخذ من العاصمة واإلعالم حاضنة لها. استطاع مركز الـسـديـري أن يكتشف الخريطة الجينية التفاعلية بني الثقافة والتنمية فوجد الحبل السري الذي يـربـط بـني مـوضـوعـات كـانـت تـبـدو فـي غـايـة االستقالل بـعـضـهـا عـــن بــعــض ومــعــزولــة كـــل الــعــزلــة بـعـضـهـا عن بعض. مـــــن خــــــالل بــــرنــــامــــج املــــنــــتــــديــــات الــــتــــي حـــافـــظـــت على استمراريتها وانتظام انعقادها بالتناوب بـني منطقة الــجــوف ومــديــنــة الــغــاط دون تــأثــر بــــأي مــن التغيرات واملتغيرات. هذا املنتدى استطاع أن يجمع بني الثقافة والتنمية في موضوعاته فـي قضايا مثل قضية اإلسـكـان وتحديات النظام الصحي وتحديات النظام القضائي وتحديات اإلدارة املحلية وآفـاق اإلعـالم وإسهامات الـدور املتنامي للمسؤولية االجتماعية فقدم حلوال تكاملية شاملة ال تقف عند كل قضية على حدة وذلك خروجًا على الثقافة البيروقراطية التي تتكلس معها الحلول وتتجمد عندها إرادة الفعل. لقد اعتنق هذا املنبر مبكرًا كل القناعات وآمن كل اإليمان بأهمية الثقافة في معادلة التنمية وأن بوسع الثقافة أن تتكامل مــع التنمية، وبوسعها أن تتناغم أدواتها مع أدوات التنمية. ولذلك يتبنى املركز برنامجًا للنشر ودعم األبحاث والدراسات في املوضوعات ذات االهتمام على املستوى الوطني، ويـخـدم الباحثني واملؤلفني في الجوف والغاط وتصدر عنه مجلة أدوماتو املتخصصة بآثار الوطن العربي ومجلة الجوبة الثقافية، حتى بلغت البحوث العلمية امليدانية التي مولها هذا املركز 15 بحثًا علميًا ميدانيًا وبلغت إصداراته حوالى 200 إصدار. مــن هــنــا نـفـهـم تــكــريــم خــــادم الــحــرمــني الــشــريــفــني لهذه املؤسسة والتراكم العظيم من اإلنجازات التي تقف عليها هــذه املؤسسة أثـنـاء زيـــارة املـلـك سلمان األخــيــرة ملنطقة الجوف، لقد حـان ملؤسسات املجتمع املدني الوطني أن تستلهم تـجـربـة مـركـز عـبـدالـرحـمـن الــســديــري الضاربة الجذور في العبقرية واإلصــرار والعمل في التوأمة بني الثقافة والتنمية. إن دوال كثيرة جعلت الثقافة لها أفـقـا وخــيــاال واسعًا وفـضـاء رحبًا للتنمية واالستثمار، فأصبحت تتسابق تلك الـــدول على جعل اقـتـصـاداتـهـا ترتكز على الثقافة بشتى مـجـاالتـهـا، ابــتــداء مــن مــوروثــهــا الـثـقـافـي مرورًا بالحقول العلمية والتقنية وصوال إلى الذكاء الصناعي وصناعة املعرفة لتكون نسيجًا ثقافيًا في املجتمعات. ربــمــا ال يــعــرف الـبـعـض مـنـا أن هــذا املــركــز هــو مؤسسة تــنــتــمــي لــلــقــطــاع الـــثـــالـــث، وهــــــذا مــــا يــجــعــلــنــا نحتفي بنجاحاته وباستمراريته وعطاءاته. كان آخرها املنتدى الثاني عشر وموضوعه «فرص االستثمار وتحدياته في منطقة الــجــوف» حيث شكل حـراكـًا واسـعـًا وعميقًا بني مختلف الفعاليات الحكومية والتجارية واألكاديمية والفكرية والثقافية في املنطقة وخارجها؛ ما يجعلني أقترح إعادة تسمية هذا املركز ليكون مركز عبدالرحمن السديري للتنمية والثقافة تكريسًا لهذه التوأمة املهمة والحيوية.