Okaz

قضية خاشقجي وفشل السياسة اخلارجية التركية

-

التجربة التركية ارتبطت خالل عقدين من الزمن بــحــزب الــعــدال­ــة والـتـنـمـ­يـة ورئــيــسـ­ـه رجـــب طيب أردوغان. وقد تركت هذه التجربة أثرها على كل مناحي الحياة في تركيا من االقتصاد إلى املجتمع إلى الثقافة، ويمكن دراسـة هذه التجربة بما لها وما عليها. ولكن في هذه الفسحة ســوف نتطرق إلــى قصة فشل تـكـررت عــدة مــرات على امتداد العقد األخير على األقل، نقصد بذلك السياسة الخارجية. هذه السياسة يمكن تقسيمها إلى ثالث مراحل تاريخية. املرحلة األولــى منذ استالم حـزب العدالة مقاليد الحكم في عـام 2001 وحتى أواخــر العقد األول مـن األلفية الثالثة، فـي هـذه املرحلة كانت السياسة الخارجية كما السياسة الداخلية يصوغها رجال الحزب التاريخيون مثل عبدالله غـول وعلي باباجان وأحمد داود أوغلو باإلضافة طبعا إلى أردوغان. في هذه الفترة توطدت عالقات تركيا مع جيرانها العرب وتم تجاوز العقد التاريخية بني العالم العربي وتركيا. العالقة مع دول الخليج كانت أساسية وتطورت في الجانب االقتصادي بشكل الفت للنظر وكذا مضت تركيا قدما في االنضمام لالتحاد األوروبــي ورفعت الحواجز الجمركية مع بعض الــدول العربية وعلى رأسها سـوريـة. وإذا كان من عنوان لهذه املرحلة فهو أن السياسة الخارجية كانت في خدمة االقتصاد ومصالح الدولة التركية. يــمــكــن الــــتـــ­ـأريــــخ لـــبـــدا­يـــة املـــرحــ­ـلـــة الـــثـــا­نـــيـــة فــــي شـــهـــر كانون الثاني/يناير 2009 عــنــدمــ­ا حــدثــت املــواجــ­هــة الــشــهــ­يــرة بني أردوغــان الـذي كـان رئيسا لـلـوزراء ورئيس الــوزراء اإلسرائيلي السابق شمعون بيريز. بغض النظر عن تفاصيل هذه املشادة، فالصدى الذي أحدثته إعالميا جعلت حلم الزعامة يداعب خيال أردوغان. اعتقد أردوغان أن الزعامة ليست صعبة وإنما تحتاج إلـــى مــجــرد خــطــاب حـــاد ومـنـفـعـل وجـمـاهـيـ­ر تـصـفـق وتهتف. ولكن األمر بدا أكثر تكلفة من ذلك بكثير. ترسخ ذلك بشكل أكبر مـع بــدء مـا سمي الربيع العربي، حيث حانت لحظة الحقيقة. فكان على أردوغان أن يصدر قراراته بني خيار الزعامة وخيار مصالح الدولة التركية. لذلك وجدنا أن الرئيس التركي في غالب األحيان مترددا وحائرا. هذا التردد والحيرة كرسه أيضا وجود تـــوازن هـش بـني قــيــادات فاعلة فـي الـحـزب وعـلـى رأسـهـم أحمد داود أوغلو مهندس السياسة الخارجية من جهة، ورجب طيب أردوغان من جهة ثانية، وإن كان هذا التوازن يميل بقوة لصالح األخير، ومع ذلك بقي أوغلو يمثل نوعا من التوازن. أما املرحلة الثالثة فقد كرست أردوغان العبا وحيدا في الساحة السياسية التركية دون منافس أو معقب أو مــوازن. وفـي كلتا املرحلتني شهدت السياسة التركية انتكاسات كبيرة للغاية. حلم االنضمام إلى االتحاد األوروبــي تالشى أو يكاد، وصورة تركيا وأردوغــــ­ان على وجــه الخصوص فـي املخيال األوروبي والـغـربـي تـــزداد ســوءا يـومـا بعد يــوم. أمــا الـعـالقـا­ت مـع العالم العربي فقد تراجعت إلـى أدنــى حـد، بل لعلها عــادت إلـى أسوأ مما كانت عليه قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، أصبحت تركيا وأردوغان جزءا من الصراع الداخلي في عدد من الــدول العربية. أمـا في القضية الفلسطينية فتركيا صفر على الشمال وتأثيرها ال يتعدى الخطابات الحنجورية التي يهتز لها السوقة والدهماء ويصفقون لها عاليا. ولكن الفشل األكبر كان في امللف السوري، حيث أصبحت تركيا رهينة الفتات الذي يلقيه التحالف الـروسـي ـ اإليــرانـ­ـي. لـم تستطع تركيا أن تفعل شيئا سوى عملية درع الفرات والتي كانت بدعم روسي ولم تغن ولم تسمن من جوع، حتى أن األكراد، أعداء أردوغان أصبح لهم جيش يحظى بدعم أمريكي بلغ عدده أكثر من 100 ألف مقاتل. أما في قضية خاشقجي فقد استبانت اإلستراتيج­ية التركية العقيمة، والـتـي أرادت أن تـتـذاكـى وتنجز لعبة سياسية كما وصفها رئيس الدبلوماسي­ة الفرنسية جان إيف لودريان، وبدل أن تـتـرك الـقـيـادة التركية األمــر للجهاز القانوني والقضائي التركي، كما يليق بأي دولة تحترم مؤسساتها، تحولت القضية إلى كيد سياسي وإعالمي، تدخل فيه حتى رئيس الدولة عندما كتب مقالة في الواشنطن بوست. كان يمكن للدولة التركية أن تتعامل وفـقـا للقانون ووفـقـا للبحث الجنائي، بينما تنسج عالقات متينة مع الدولة السعودية والشعب السعودي. ولكن أردوغـــــ­ان أبـــى إال أن يـجـعـل مــن هـــذه الـقـضـيـة قـمـيـص عثمان يـحـاول مـن خالله ابـتـزاز اململكة. وال أحـد يمكن أن يقنعنا أن القيادة التركية تدافع عن حرية الصحافة وعن سيادة القانون، فـسـجـل تـركـيـا فــي هـــذا املــجــال لـيـس نــاصــع الــبــيــ­اض بشهادة كــل املــنــظـ­ـمــات الــدولــي­ــة. لــعــل نــشــوة الــزعــام­ــة جـعـلـت الصورة غير واضـحـة فاعتقدت القيادة التركية أنها قــادرة أن تحدث التغييرات التي تريد في محيطها، ولكن من يقرأ التاريخ جيدا يدرك أن أوهـام الزعامة لم تسعف عبدالناصر قبال وبالتأكيد لن تسعف أردوغان في قادم األيام. ما لم تدركه القيادة التركية أن سياستها الـحـمـقـا­ء وأسـلـوبـه­ـا املـتـعـجـ­رف قــد تــركــا جرحا غــائــرا تـجـاهـهـا. يمكن أن نفهم أو نتفهم ضــــرورات السياسة ومقتضياتها ولكن لدى الشعوب خياراتها. والبدوي ال ينسى وال يسامح مهما طال الزمن أو قصر، وأخشى أن الرتق قد اتسع على الرقع. * باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق األوسط

 ??  ?? د. رامي الخليفة العلي * @ramialkhal­ife
د. رامي الخليفة العلي * @ramialkhal­ife

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia