Okaz

«الرجل املريض» في قمة العشرين

- * كاتب سعودي

ذهــب الـرئـيـس رجــب طـيـب أردوغــــا­ن إلى قمة العشرين، وقد تراجع اقتصاده مرتبة واحدة إلى االقتصاد الثامن عشر عامليًا، وقـد عبر االقتصاد التركي في مسار انحدار طويل، لـيـس صحيحًا أن سببه الـعـقـوبـ­ات األمـريـكـ­يـة التي وضعت على أنقرة بعد احتجاز القس برانسون. والدليل أن االقتصاد التركي استعاد بعض العافية عقب إطــالق القس بـرانـسـون، ولكنه لـم يرجع للنمو مجددًا، وال تحسنت الليرة التركية، كما أن عنتريات الــتــعــ­امــل بــالــلــ­يــرة الــتــركـ­ـيــة عــوضــًا عـــن الــــــدو­الر في الـتـعـامـ­الت الــداخــل­ــيــة، لــم تـكـن ذات أثـــر عـلـى العملة املحلية، بل حرصت أغلب املحال على طلب الدوالر أو اليورو من املشترين السياح. الــتــراج­ــع االقــتــص­ــادي مــرتــبــ­ط بــعــدة عـــوامـــ­ل، منها االقتصادي وهـو مرتبط بسياسة اإلقــراض وارتفاع الـــــديـ­ــــون عـــلـــى تـــركـــي­ـــا، وجـــــــز­ء مـــرتـــب­ـــط بالتغيرات السياسية التي طـرأت كاالنقالب، الـذي أعطى ذريعة للتخلص من الخصوم السياسيني، واعتقال األصوات املزعجة، ثم تحول النظام إلى نظام رئاسي، وسحب صالحيات البرملان ومنحها للرئيس، ثم تعيني زوج ابنة الرئيس وزيرا للمالية. وبالعودة للطموحات التاريخية التركية لعلنا نتوقف عـنـد محطتني؛ املـحـطـة األولـــى مرتبطة باالنضمام لالتحاد األوروبي، والتي شهدت طلبات متتالية من تركيا وإذعانًا تامًا من األتراك، وفي النهاية جوبهت برفض من فرنسا ودول أخـرى أوروبية مثل النمسا وأملانيا، التي تغص بحوالي خمسة ماليني تركي. وعندما قــررت التوقف عـن طلب االنضمام لالتحاد األوروبــي، التفتت للمحيط العربي وباشرت سياسة «تصفير املشكالت»، والتي عبر عنها وزير الخارجية األســـبــ­ـق أحـــمـــد داوود أوغــــلــ­ــو، فـــي كــتــابــ­ه «العمق اإلســتــر­اتــيــجــ­ي مـــوقـــع تــركــيــ­ا ودورهـــــ­ــا فـــي الساحة الدولية»، والتي ركز فيها على بناء أولوية للعالقات االقتصادية مع املحيط التركي غير األوروبي. وهـــذا يـعـنـي عــالقــات اقـتـصـادي­ـة مــع إيــــران وسوريا والــعــرا­ق بما فـي ذلــك كـردسـتـان، بـاإلضـافـ­ة لتطوير الـعـالقـا­ت مــع الـــدول الخليجية والــــدول العربية في شمال أفريقيا، فعلى سبيل املثال بلغت االستثمارا­ت الــتــركـ­ـيــة فــي لـيـبـيـا غــــداة انــطــالق الـــثـــو­رة فــي 2011 مـا يـقـارب 4 مليارات دوالر، وهـو باملناسبة مـا دفع أردوغان للتردد في دعم الثورة في ليبيا بداية األمر. عــربــيــًا اســتــخــ­دمــت تــركــيــ­ا الـــقـــو­ة الــنــاعـ­ـمــة للدراما الـتـركـيـ­ة، مـشـاهـد تعبر عــن جـمـال الطبيعة التركية وجــمــال الــنــســ­اء والــشــبـ­ـاب، بــاإلضــا­فــة إلـــى األطعمة الــلــذيـ­ـذة، هـــذا انــعــكــ­س بـشـكـل كـبـيـر عــلــى السياحة، فلم تعد مثال ماليزيا الوجهة األولــى لعطالت شهر العسل، وانعكس على تفضيل الخطوط التركية في الرحالت إلى أوروبا، وعلى إقبال العرب والخليجيني تـحـديـدا عـلـى املـلـبـوس­ـات الـتـركـيـ­ة، وعــلــى زيــــادة في املطاعم التركية. بالطبع تخلصت تركيا من سياسة «تصفير املشاكل»، كما تخلص أردوغــــا­ن مــن أحـمـد داوود أوغــلــو ومن الرئيس عبدالله غل، وكل من يمكن أن يمثل منافسا لــه، تحت شهوة التمدد التي حققتها لحظة الربيع العربي، وذهبت بعيدا في سياسة االبتزاز السياسي، حــيــث مـثـلـت املــدخــل الــرئــيـ­ـســي ملـقـاتـلـ­ي التنظيمات اإلرهابية املتجهني إلى سوريا، كما ابتزت األوروبيني كثيرا بمسألة الالجئني السوريني. وبالحديث عن الطموحات التركية بالتمدد، فلعلنا نــعــود للمحطة الـثـانـيـ­ة لـلـطـمـوح­ـات الـتـركـيـ­ة، وهي معاهدة لوزان املذلة لتركيا، والتي وقعتها في 1923 مــع كــل مــن بـريـطـانـ­يـا وفــرنــسـ­ـا وإيــطــال­ــيــا واليابان والـيـونـا­ن ورومـانـيـ­ا والبرتغال وبلغاريا وبلجيكا ويوغسالفيا، واالتفاقية مدتها مئة عام تنتهي بعد خمس سنوات، وقد أشـار إليها أردوغــان في لقاءاته الـــدوريـ­ــة مــع املـخـاتـي­ـر األتـــــر­اك، فــي إشــــارة إلـــى توقه لـلـتـخـلـ­ص مــن االتــفــا­قــيــة، وتــعــود لــه الــســيــ­طــرة على املوصل والشام ومصر والسودان وليبيا وقبرص. االتــفــا­قــيــة الــتــي خـطـهـا اإلنـجـلـي­ـز لــم تـكـن مــذلــة فقط ألنها أنهت حكم العثمانيني على أغلب األراضي غير التركية، بل تجاوزت ذلك إلى حظر التنقيب عن النفط، وســنــت قــوانــني الســتــخـ­ـدام املـضـايـق املـائـيـة التركية وقواعد املرور واملالحة فيها زمن الحرب والسلم. الدولة العثمانية كانت تسمى لدى األوروبيني آنذاك بالرجل املريض، ويبدو أن هذا املرض يعود كل قرن لتركيا، مشوبا بالطموحات السياسية غير الواقعية، والتي تجعل من لحظات مثل الربيع العربي وحادثة خاشقجي، تبدو فرصة مواتية لتحقيق انتصارات، ثــم مــا يـلـبـث أن يـتـبـني أن هـــذا االنـــدفـ­ــاع إنــمــا أورث خسارة في نهاية األمر.

 ??  ?? عبدالرحمن * الطريري ‪Twitter: @aAltrairi‬ ‪Email: me@aaltrairi.com‬
عبدالرحمن * الطريري ‪Twitter: @aAltrairi‬ ‪Email: me@aaltrairi.com‬

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia