Okaz

لو لم يأِت محمد بن سلمان لبحث السعوديون عنه

-

عندما قـال امللك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - لأمير محمد بن سلمان بعد أن ألقى القسم بـني يديه إثــر تعيينه وزيــر دولــة عضو مجلس الوزراء السعودي العام :2014 «إن شاء الله أنك تحكم أرضك»، لـم يكن امللك الحكيم يلقي كالمًا جـزافـًا، فهو امللك وليس في حاجة ملثل ذلك، فما عرف عن امللك عبدالله أنه مباشر في آرائه ال يجامل وما في قلبه على لسانه. لم تكن تلك نبوء ة ملجدد يأتي على رأس القرن الثالث من تاريخ الدولة السعودية فقط، بل كانت خيارًا إستراتيجيًا لدولة بلغت عــقــودًا طـويـلـة، وأصــبــح مــن املــلــح عليها أن تـقـف مــع نفسها، وتتعامل مع الواقع، وتغير ما يحتاج التغيير وتنطلق نحو مئة عام أخرى. سـنـعـود لـلـوضـع الـسـيـاسـ­ي واالجــتــ­مــاعــي واالقــتــ­صــادي الذي وصلته الدولة السعودية وحاجتها للتطوير والتقدم قبل أن تدهمها الشيخوخة أو الترهل. خالل أكثر من مئة عام مرت السعودية بأطوار مختلفة، ربما ال تمر بها الدول واإلمبراطو­ريات إال عبر مئات السنني، وقفت خاللها كدولة حديثة واثقة من نفسها وصنعت اإلنجازات، بدءًا من معارك التوحيد وصراعات املنطقة والحروب التي ال تنتهي في هذه البقعة من العالم، وليس انتهاء بما يحصل اليوم من إعادة تموضع وتغيير عميق في التحالفات اإلستراتيج­ية. الــســؤال املـهـم هـل كـانـت السعودية ستصل فـي يــوم مـا إلــى ما يمكن تسميته بانسداد أفق اجتماعي واقتصادي رآه املبصرون خاصة امللك سلمان وولي عهده األمير محمد بن سلمان، األمر الـــذي اسـتـدعـى الـقـيـام بـحـزمـة مــن اإلصــالحـ­ـات شملت حراكًا سياسيًا واجتماعيًا وإداريًا واقتصاديًا لتسريع التغيير وخلق ديناميكية جديدة تعيد للدولة شبابها وحيويتها وتدفعها نحو التقدم والتمكني. فاملجتمع اسـتـولـت عليه مـا يمكن تسميتها بكآبة عـامـة إثر انعدام جودة الحياة ووسائل الترفيه البريء ومحاربتها بال سبب حتى أصبح انتظار املوت والبحث عنه في مواقع الفنت هو خيار بعض الشباب، أضف إلى ذلك انقسام حاد واتهامات بالتطرف يقابلها اتـهـامـات بالتفريط، وشـكـوك تـمـادت حتى أحالت البعض إلى حالة من التخوين فيما بينه. تكاثر سكاني يقابله انحسار فــرص الحياة والـعـمـل، ونشوء طبقة صلبة مــن رجـــال األعــمــا­ل واألثـــري­ـــاء والـنـخـب أصبحت حاجزًا بني قـادة البالد والشعب، منعوا تقدم أي أحد وأخفوا الفرص واحتكروا املال والنفوذ والسلطة، حتى أن السعودية لم تشهد تغيرًا في تركيبة األغنياء وأصحاب النفوذ والوظائف عــلــى مـــدى الــخــمــ­ســني عــامــا املــاضــي­ــة، لــقــد انـــشـــأ­وا «أنديتهم الخاصة» التي تصنع خاصتهم وتمكن من يريدون وتصعد بمن يشاؤون، معطية أصحاب الكفاءات ظهرها وماضية في طريقها لوحدها. فما الــذي حـصـل.. لقد جــاء بعد طــول انـتـظـار مـن يطلق عليه الــســعــ­وديــون الــيــوم األمــيــر الـجـسـور املــجــدد لوطنهم وصانع مجدهم. تقدم إليهم وصارحهم بأن وضعهم االقتصادي واإلداري في حالة يرثى لها، وأنه لن يعود للحلول القديمة التي تعتمد على ارتفاع أسعار النفط وبيعه، بل سيقدم رؤيـة وبرامج للتحول ومشاريع عمالقة وصندوق استثمارات هائال وشـراكـات غير مـسـبـوقـة تنتشل االقــتــص­ــاد وتــبــث فــي أوردتـــــ­ه دمـــاء جديدة، فــي مــقــاربـ­ـة الــهــدف مـنـهـا تـحـويـل املـمـلـكـ­ة مــن اقــتــصــ­اد ريعي الـى اقتصاد حقيقي يخلق الوظائف وينتج األغنياء ويدعم الـفـرص ويبني الـوطـن، لـم يكتف بـذلـك، بـل قـام بـإعـادة هيكلة املجتمع وسـمـح لـأسـر املتوسطة واملـوهـوب­ـني بالتقدم وأخذ فرصهم بعد طول حصار من الطبقة الصلبة، إضافة إلى إيقاف التطرف وإرغـامـه على الخروج من املــدن والبيوت والشوارع، هل سمعتم بعمل إرهابي واحد منذ فترة؟ املــلــك ســلــمــا­ن وولــــي عــهــده أعـــــادا تــمــوضــ­ع املـمـلـكـ­ة السياسي واالســتــ­راتــيــجـ­ـي فــي تعاملها وتـعـاطـيـ­هـا مــع الــــدول وامللفات والقضايا في العالم، فأصبحنا نعرف من هو عدونا ومن هو حليفنا، ال نجامل على حساب مصالحنا ووطننا وشعبنا، وال نطلب مـن أحـد مجاملتنا، نعمل مـن خـالل مبدأ املصالح خذ وهات، فقد كنا طوال مئة عام ندفع وندافع ونؤثر اآلخرين على أنفسنا، فيجحدنا القريب وينكرنا البعيد، بل ويتآمرون علينا ويتحالفون مع عدونا. أعــاد األمـيـر محمد هيكلة الجيش وحـمـى بـه خـاصـرة البالد الجنوبية، ووطــن الصناعات الحربية، وشــارك مع العالم في مالحقة إرهاب «داعش»، وحمى املمرات املائية التي يعبر منها البترول نحو أسواق الطاقة. ال شك أن املكانة املستحقة والهيبة التي حققتها السعودية لم تأت هكذا بالصدفة أو إكرامية من األعداء واألصدقاء، فالعالم ال يجامل وال يهب الدول مكانتها الرفيعة، بل هي من تنتزعها، وأخيرًا لو لم يأت محمد بن سلمان لتمنى السعوديون أن يأتي لزمانهم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia