الرجل السعودي وإجازة األبوة
فـــي الــســنــوات املــاضــيــة وبــرعــايــة الوسائط االجــتــمــاعــيــة شــهــدنــا تــحــامــال غــيــر طبيعي وغير مقبول على املجتمع بمختلف أفراده، لعل املرأة كانت وما زالت الحلقة األكثر حظًا في التحطيم والـتـنـمـر الـنـفـسـي واالجــتــمــاعــي، ولــعــل هـــذا يـفـسـر املوجة النسوية الراديكالية التي نشهدها اآلن مما يجعلني أعتقد أن الحراك النسوي السعودي في هذا العام هو األبرز واألكثر تـأثـيـرًا، لكن بجانب هــذه املـــرأة الـتـي يتنمر عليها اإلعالم ببرامجه املثيرة للسخرية والغضب والتعليم بمناهجه التي نأمل أن نجد تحديثًا عـاجـال مناسبًا لـرؤيـة الوزارة وتطلعات القيادة، هناك الرجل «الغلبان» والــذي ناله من التهميش جانب، وسأخصص بقية املقال عن هـذا الكائن الذي هو في العادة «يباري الساس» وهو مصطلح نجدي لطيف يطلق على الرجل املهذب صاحب األخالق العالية. من املهم أن نعترف أن الرجل السعودي من بني رجال العالم يعتبر من األكثر عطاء وكرمًا وبذخًا، بل يقدم اآلخرين من أهـلـه وأســرتــه على نفسه، لقد شهدنا فــي األعــــوام العشرة املـاضـيـة تـشـكـال جــديــدًا مــن الـشـبـاب الـسـعـوديـني بعقليات تشاركية تميل ملشاركة أسرها في األحـداث اليومية، ولعل طبيعة حـيـاة الـرجـل الـسـعـودي فـي األعـــوام املاضية كانت تفترض عليه الصالبة والجالفة لقسوة الحياة وصعوبة الحصول على لقمة العيش، وهذا أيضا يفسر ميل العديد من األســر للمصاهرة مع األقـــارب، فالهدف الحقيقي ليس كما نفهمه ونقرأه بشكل سطحي «بنت العم لولد عمها»، املسألة كانت للحفاظ على االقتصاد واملــوارد التي تحفظ سبل العيش لأسر، لعل أصحابها أنفسهم لم يدركوا هذا السلوك الفطري «حفظ النفس»، أما اآلن تغيرت كثيرًا أشكال االرتباطات ولـم تعد سطوة القبيلة كما كانت في السابق وأصبح املجتمع أكثر انفتاحا في هذا. اآلن لنفكر قليال ولنتأمل ما الذي يتشربه هذا الرجل منذ طفولته؟ هــذه أبــرز الـعـبـارات التي يسمعها الـسـعـودي في دورة حياته «خلك رجــال، ال تصيح كنك مــرة، الشرع حلل أربع، بدال الحرمة ألف»، ناهيك عن السلوكيات العنيفة من اشتباكات ومضاربات قد يجد نفسه أمامها وعليه أن يثبت رجولته وإال سخر منه الحي، فتسمع بحاالت القتل «دية فالن ودية عالن»، وينخرط عدد كبير من هؤالء الشباب في تجمعات قد تكون مساملة وبريئة وقد تكون خطرة وعنيفة، وما السبب؟ هو سوء معالجة ودراسة واقع الشاب السعودي، وضعف املراكز االجتماعية التي ترصد السلوكيات وتقدم الحلول، بجانب التسيب في بعض األماكن واملجامالت التي تحدث أحيانًا على حساب الوعي واملجتمع. املعضلة أنه عندما يقدم الرجل السعودي على الزواج يجد نفسه أمام قائمة من املتطلبات والرسميات التي ال تعد وال تحصى، وباملقابل هو ال يــدرك بالغالب دوره االجتماعي بالشكل الصحيح كل ما يفهمه بأنه «مصدر دخل» لأسرة، فتبدأ حلقات املسلسل كالتالي ينشغل في الــرزق وتعيش املرأة وحدها تربي األطفال وحدها يكبرون وحدهم، واألب ما زال يمارس دور «البنك املـركـزي»، وهنا أتساءل هل لو طلبنا من وزارة الخدمة املدنية أن ينال املواطن السعودي إجـــازة أبـــوة فــي حــال وضــع زوجــتــه للطفل هــل ستتقبلها مــع الـعـلـم أن مجلس الــشــورى قــدم مقترحًا حــول هــذا ولم نعلم بعد ما مصيره حسب صحيفة سبق؟ كيف سيتلقى املجتمع فكرة «إجـازة األبـوة» هل سيقتنع الناس بأن األب السعودي من حقه مشاركة األشهر األولــى من حياة طفله مع زوجته؟، هل تعلمون أن بريطانيا عندما طبقت نظام «إجازة األبوة» لم يتقدم لها سوى %10 من اآلباء؟ مما أثار حفيظة املنظمات الحقوقية التي تعنى بتحسني نمط حياة األسر من خالل دمج األب مع أطفاله. بــل الــعــديــد مــن الـــروضـــات فــي بـريـطـانـيـا قــامــت بتوظيف «رجال» للعناية باملواليد من عمر شهرين إلى ثالث سنوات، وأتــذكــر أن طفلي خـالـد كــان سعيدًا بـوجـود املـربـي «جو»، الذي كان يشاركهم اللعب في الحديقة ويطعمهم ويعتني بـهـم تـمـامـًا كـاملـربـيـات، والــهــدف أن يـعـتـاد األطــفــال وجود الـرجـال مـن حولهم، وال تصبح عزلة نفسية بينهم، أعود اآلن للتأكيد أن الرجل السعودي عانى كثيرًا من سوء الظن وكـذلـك التحامل عليه ووصـمـه بتهم غير منطقية، يوجد ذكــور سيئون لكن الـرجـل الجيد يستحق التقدير، وأيضًا من املهم عدم تحميلهم مغبة مشكالت وأنظمة اجتماعية مــتــراكــمــة جــــار مــعــالــجــتــهــا، حــتــى هــــذا تــأمــلــوا لـــو أصبح هناك إجــازات لأبوة؟ وكيف ستصبح أسرنا أكثر سعادة واستقرارًا بل أكثر قوة!