Okaz

حتى الدكاترة يحبون اللبنية!

-

لــم أفــكــر جــديــًا فيما سـأكـونـه يــومــًا مــا، أو في املهنة التي سأختارها حتى سن العاشرة، إال أنني ومثل كل األطفال، أحببت كثيرًا «الحلوى» واللبنية بالذات، وحسدت كثيرًا من البشر الذين عملوا في هذه املهنة، وكانت مهنتي املفضلة ورغبتي امللحة أن أصبح «حلوانيا»، وكانت الرغبة األعمق واألكثر رسوخًا في نفسي، وعندما قوبلت فكرتي باالزدراء من «أمي» رحمة الله عليها، تمنيت أن أكون طفل بيت الحلواني، وبعد اقتناعي أن عائلة الحلواني لديهم أطفال كثيرون وأنا الولد الوحيد لدى أبي، اتجهت إلى تغيير التخصص فـورًا وهو أن أكـون «ساحرًا» وبذلك يمكنني أن أحصل على الحلوى دون عناء أو تغيير نسب، ودون أن أغضب أمي، وكانت مهنة «ساحر» في نظري فــي تـلـك األيـــام أفـضـل مــن أي مـهـنـة، حـيـث يمكنني أن أمأل محفظتي بـالـنـقـو­د، وان أكـتـسـح أعــدائــي وأذلــهــم بسحري، وعلى رأسهم األستاذ «خالد»، أما ليش خالد بالذات فهذه قــصــة مـنـفـصـلـ­ة ســأفــرد لــهــا مــقــاال مــســتــق­ــا، وعــلــى البيعة أستعيد «أبـي» املتوفى رحمة الله عليه، وتمنيت لو تحقق لــي بشكل مــا شــيء مــن ذلـــك، ولــكــن ال شــيء مــن ذلــك تحقق، وبالتالي استفقت مـن تلك الفكرة التي تضاءلت مـع مرور األيام ومع تضخم حجم العالم من حولي وتجاوزه منزلنا الضيق وأزقــة الـحـارة الترابية وأدمغتنا الصغيرة التي ال نـعـرف غـيـرهـا، كــان كــل ذلــك يـــدور فــي مخيلتي، وأنـــا أتجه إلــى متجر «العمدة عبدالرحمن حلواني» لبيع الحلويات البلدية بأنواعها، قـرب ميدان الـدراجـة في مركز شاكر، في هــذا املتجر، العمر الحلو يمشي بطيئًا، تستمتع بالعثور على أعيان عرفتها وعرفها أبوك وجدك، وعشقتها، الحاوة الطحينية، واللبنية، والهريسة، والشريك، وحــاوة البقرة، والـحـلـقـ­وم، وأبــوفــا­س، والــزرنــ­بــاك، والــــدوم، وعـطـر باريس، والكورمبو بـأنـواعـه، والحمر واملـنـفـو­ش، قائمة مـديـدة من جمال األمـس الحميم، تتناثر على الرفوف كنجوم السماء، نظيفة المعة، طازجة، لبنية يابو مصطفى، يناديني باسم أبي، أقول له ذاك اسم أبي!! يجيبني بلهجته املكاوية العذبة املحببة، والله اصطفاك يا دكتور، حديثه يبلل القلب، يقدم لك أشياء لتتذوقها على طبق، ويوصيك أال تترك حتة منها، مـا إن تطأ قـدمـك املـكـان حتى يـهـرع إلـيـك أكـثـر مـن شخص، يستقبلونك على كف من الــود، وينادون اسمك حرفًا حرفًا، هذا املتجر هو في الواقع قصة كفاح مؤسسة عائلية، عائلة ممن يفتح لهم وهج الصباح غصبًا عنهم كوت أعينهم، ثم يجدون أنفسهم يؤرجحون أقدامهم إلى هنا وهناك، لتدبير غرض، أو لقضاء حاجة ما، جيان كامان من أبناء الحارة يديرون هذا املتجر، باقتدار ومهنية رفيعة، يشرحون لك ما تجهله كنهر ال يرى أوله، ترى األشياء بيضاء في حافظتها، صقيلة، نظيفة، كما لو أنها ولدت للتو، أسرة ظلت لسنوات مـسـتـيـقـ­ظـة لــتــجــا­رتــهــا، لـــم يــنــتــا­بــهــا اإلغـــمــ­ـاض إال بإغاق املتجر كل مساء، مؤسس هذه املؤسسة «طيار» هو الكابنت «عبدالعزيز حلواني» عندما قرر أن يتقاعد، فكر في طريقة إحــيــاء لـجـعـل الـعـمـر يـبـعـث مــن جــديــد، فــأســس هـــذا املكان، املكان ملن يبدعه، والزمان ملن يبعثه حيًا، بدأ رحلته الجبلية الصعبة بفكرة تراثية، جعلها تجربة جديدة، مختلفة، ودع مهنة التحليق في الفضاء، واستبدلها بالتحليق في عالم التجارة، الطيران حب املغامرة، والتجارة كذلك، مصير جديد صنعه بيده، دخل عالم التجارة، راضيًا بقدره رضاء خرافيًا، سعيدًا بعائلته التي أكملت ما بدأ، عائلة ال تسمع من فمها غير الحمد لله والشكر والصاة والسام على النبي رسول الله، لم تغرهم مخططات، وال عقارات، قلوبهم مألى بالصاة على النبي، هذه قصة أهديها للمتشككني الذين ابتلوا بمرض إنــكــار اســتــمــ­رار املــؤســس­ــات العائلية الـصـغـيـر­ة واملتوسطة، هذه عائلة عريقة متوسطة، بنت تجارة متواضعة محترمة، دائمة، ناجحة، ظافرة، مستمرة، تعلن للجميع أن كل الجداول صالحة للماحة، وأن العامة الفارقة في جبني التجارة هي إرضــــاء الـعـمـيـل، وأن تعلن محبتك للمهنة وخــدمــة الناس وتقتنع كـل ساقية بـوردتـهـا، وتصلي على النبي على قول العمدة عبدالرحمن حلواني.

 ??  ?? فيتنامي يستعد لحضور مباراة الذهاب من نهائي كأس سوزوكى إيه إف إف 2018 لكرة القدم بين ماليزيا وفيتنام على ملعب بوكيت جليل الوطني في كوااللمبور. ( أ.ف.ب )
فيتنامي يستعد لحضور مباراة الذهاب من نهائي كأس سوزوكى إيه إف إف 2018 لكرة القدم بين ماليزيا وفيتنام على ملعب بوكيت جليل الوطني في كوااللمبور. ( أ.ف.ب )
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia