Okaz

ماكرون للفرنسيني: أنا فهمتكم.. نعم فهمتكم!

-

األســبــو­ع املــاضــي خـــرج الــرئــيـ­ـس الفرنسي مــــاكـــ­ـرون أمــــــام عـــدســـا­ت مـــصـــور­ي وسائل اإلعــــــ­ام وهــــو يـــرتـــد­ي ســـتـــرة عــمــل صفراء كــتــب عـلـيـهـا كـلـمـة «زائـــــر» فــي مــحــاولـ­ـة إليــصــال رسالة غير مباشرة للمتظاهرين في باريس من ذوي السترات الصفراء مفادها «أنا معكم ومنكم وأتفهم غضبكم»، لكن هـذه الرسالة لم تغير شيئا على أرض الواقع بل إن من بني الفرنسيني من شبه عمل ماكرون هذا بعمل الرئيس الـلـيـبـي الــراحــل مـعـمـر الــقــذاف­ــي الـــذي نـــزل لـلـتـظـاه­ـر مع الليبيني في أول أيام الثورة التي أطاحت بحكمه وانتهت بسحل جثته. وأمس األول قرر الرئيس الفرنسي، الذي تختنق عاصمة بـــــاده بــالــفــ­وضــى وأعــــمــ­ــال الــشــغــ­ب، تــقــديــ­م املـــزيــ­ـد من التنازالت؛ إذ ألقى خطابا طويا اعتذر خاله من الشعب عن عدم فهمه له طوال 18 شهرا من عمر رئاسته، وأعلن عن إصاحات ابتداء من العام القادم منها؛ رفع الحد األدنى لألجور وإلغاء الضرائب عن األجـر اإلضافي وغير ذلك من إجراءات هدفها امتصاص غضب الفرنسيني وإنهاء حالة الـفـوضـى، لكن الــرد جــاءه سريعا مـن املتظاهرين الذين رأوا أن خطابه ال يرقى ملستوى طموحاتهم وأن االحـتـجـا­جـات سـتـتـواصـ­ل، وهـــذا أمــر يجعل مــن خطاب مــاكــرون مشابها إلــى حــد مــا للخطاب األخــيــر للرئيس التونسي األسـبـق زيــن العابدين بـن علي الــذي قــال فيه عبارته الشهيرة: «أنا فهمتكم.. إي نعم فهمتكم» قبل أن يستقل الطائرة ويغادر باده ويسقط نظامه. والحق أن النظام الفرنسي اليوم في وضع شديد التعقيد فحتى الوعود التي أطلقها ماكرون من الصعب تنفيذها في ظل بقاء فرنسا ضمن دول االتـحـاد األوروبـــ­ي، وقد رد عــلــيــه­ــا بــعــد ســـاعـــا­ت قــلــيــل­ــة مـــن الــخــطــ­اب االتحاد األوروبـــ­ـــــي بـــوضـــو­ح؛ إذ قــــال نـــائـــب رئـــيـــس املفوضية األوروبية فالديس دومبروفسكي­س: «لطاملا كان موقف املفوضية األوروبية واحدا في هذا الصدد؛ أي إنفاق من خارج املوازنة الوطنية يجب أن يتم تمويله من وفر أو تقشف». وهذا يعني أن على حكومة فرنسا تدبير أمرها إمــا بالتقشف شـبـه املستحيل والـــذي قــد يسبب توسع نطاق االحتجاجات، أو استخدام فائض موازنتها وهو أمـر شبه مستحيل أيضا في ظل األوضــاع االقتصادية الحالية. لـكــن الــــدرس الـكـبـيـر الــــذي تـعـلـمـه الــنــظــ­ام الـفـرنـسـ­ي من االحتجاجات حتى اآلن هو ما جـاء على لسان ماكرون فــي خـطـابـه الـتـوسـلـ­ي للمحتجني حينما قـــال: «عندما ينطلق العنف تتوقف الحرية». فحتى وقـت قريب كان هــذا الـنـظـام يـتـاجـر بــشــعــا­رات حـقـوق اإلنــســا­ن ويهاجم غيره باسمها، بل ويدعو لعدم كبح أعمال الشغب باسم الديموقراط­ية، لكنه اليوم يعلن صراحة أنه على استعداد لبيع الـديـمـوق­ـراطـيـة والــحــري­ــة والــحــقـ­ـوق مـقـابـل األمن، والـطـريـف أنــه بــدأ فعليا يلمح إلــى تعرض الجمهورية الـفـرنـسـ­يـة ملـــؤامــ­ـرة دولــيــة عــبــر إشـــاراتـ­ــه املــتــكـ­ـررة لعدم صدقية بعض ما ينشر في شبكات التواصل من صور ومقاطع فيديو للمظاهرات، بل وصل األمر إلى أن تطلب الحكومة الفرنسية من الرئيس األمريكي دونالد ترمب عدم التدخل في شؤون الفرنسيني بعد تغريدات نشرها األخير في حسابه الشخصي بتويتر أكد فيها أن سبب الـفـوضـى الــتــي تعيشها فـرنـسـا هــو الـتـزامـه­ـا باتفاقية بـاريـس للمناخ الـتـي انسحبت منها الــواليــ­ات املتحدة العام املاضي. إجماال من الواضح أن األوضــاع في فرنسا متجهة إلى األسـوأ وأن رقعة االحتجاجات سوف تتوسع في القارة األوروبية خصوصا بعد بدء الحكومة الفرنسية تقديم التنازالت ما سيشجع الشعوب األوروبية األخرى لتحذو حذو السترات الصفراء، ومن يدري فقد يقبل فصل الربيع بعد شهرين حاما مسمى «الربيع األوروبي» الذي قد ال يكون أفضل من «الربيع العربي» عام .م2011

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia