رئيس فرنسا.. هل يسير على خطى جورباتشوف؟
تقف فرنسا اليوم على محك عصيان مدني، يرى فيه مراقبون أنه بمثابة «اللغز العميق»، فالحل لـألزمـة االجتماعية الـيـوم كــان فـي عمق نقاشات الحملة االنتخابية للرئيس إيـمـانـويـل ماكرون الذي رفع لغة التحدي في االقتراب من الفرنسيني. وكــــــادت فــرنــســا بـنـخـبـهـا ورســمــيــيــهــا وطبقتها العاملة أن تصدق وعـود «جورباتشوف فرنسا» بالرخاء والحلول طويلة املدى ملختلف املشكات. ولـكـن جـــاءت حـركـة «الــســتــرات الــصــفــراء» لتوقظ الفرنسيني من التنويم املغناطيسي الذي مارسته الـحـكـومـة عـلـيـهـم، وإذا سلمنا أنــهــا حــركــة ألجل تصويب مسار بعينه، فعلينا أن نقف عند مطبات الــحــكــومــة والــرئــيــس الــــذي تـحـصـن داخــــل قصر اإلليزيه حني اشتد «الوطيس». ثـمـة نـقـطـتـان ال ينكرهما عــاقــل وهــمــا أن طرفي السلطة (التشريعية والتنفيذية) استهانا بالشارع الفرنسي وبالفرنسيني وصدقوا كذبة L’indice de( )Gini مؤشر جيني، وهو مؤشر تركيبي، يوضح عــدم املــســاواة فـي األجـــور، ويشيع استخدامه في بحوث العلوم االجتماعية بشكل خاص. هـذا املؤشر وضـع فرنسا أفضل من معظم الدول املــتــقــدمــة، ويـمـيـل إلـــى االنــخــفــاض بـشـكـل طفيف في السنوات األخـيـرة. وبالتالي أعطى االنطباع ملــاكــرون ورئــيــس حـكـومـتـه أن الــوضــع الــعــام في أحــســن أحـــوالـــه، خــصــوصــا أن مــعــدل الــفــقــر بعد الــتــحــويــات االجـتـمـاعـيـة قـبـل ثاث سـنـوات بلغ 13.6 ٪، وهــو أدنى املــــــعــــــدالت فـــــي أوروبــــــــــــــا. وقد احتلت فرنسا املركز الثالث في الــقــدرة الــشــرائــيــة، عـــام ،2016 بـــعـــد الــنــمــســا ولوكسمبورغ، وقبل أملانيا والسويد.
الــــيــــوم، الــــشــــارع الــفــرنــســي، ال يأبه ملا ستؤول إليه ســــلــــة النفقات وإيــــــــــــــــــــــــــــــــرادات الــــــــدولــــــــة بعد سـحـب قرارات فــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرض الـــــضـــــرائـــــب عــــــــــــــــــــلــــــــــــــــــــى املحروقات، لــكــنــه أيضا يـــــــــطـــــــــالـــــــــب بــــــــأن تكون لــــــلــــــدولــــــة يد تـــــقـــــبـــــض على األثـــريـــاء وتــرفــع مــن الــقــدرة الــشــرائــيــة ملتوسطي الدخل. بعبارة أخــرى، الـشـارع والطبقة العاملة يريدان تـحـقـيـق نــفــس الــنــتــائــج الــســابــقــة، مــع االحتفاظ بالقدرة الشرائية وضمان اجتماعي جيد، ونظام صحي يراعي كل الطبقات ونظام تعليمي متاح للجميع دون فــروقــات اجتماعية ودون ضرائب على متوسطي ومحدودي الدخل. إن عـــدم فـعـالـيـة الـسـيـاسـة االجـتـمـاعـيـة املعتمدة مـن الحكومة الحالية سببه عـوامـل عــدة، لكن ما لـم يغفل مختصون أن العامل األهــم فـي كـل هذا هو املركزية املفرطة، الناتجة عن نموذج (امللكية الجمهورية) التي أصبحت تطبع فرنسا وتركز السلطات والوسائل املالية حـول رأسمالها فقط. بينما تفرز مؤسساتها أعباء ال حصر لها. أعباء يقف عندها اليوم الرئيس الفرنسي بعدما شعر بالخطر جراء «السترات الصفراء»، وخيبة أملها في تغيير وعـد به ولـم يتحقق، خاصة وأنــه كان مــنــتــخــبــا لــاقــتــصــاد قــبــل كـــل شـــــيء، بـيـنـمـا كان الشعب يأمل حدوث تغييرات في الحوكمة. فــضــل مــــاكــــرون مـــهـــادنـــة الــشــعــب الـــــذي يطالب برحيله وحـكـومـتـه، فــجــاء ليعدهم بــإصــاح من الــقــمــة إلــــى الــــقــــاع، عــلــى طــريــقــة «بروسترويكا جـوربـاتـشـوف» حــني حـــاول مـواجـهـة االختاالت املالية واالقتصادية لاتحاد السوفيتي السابق. مـاكـرون وعلى طريقة جـوربـاتـشـوف، يحاول إنقاذ مشروعه (الحوكمي)، دون أن يعالج مكمن االخــتــال وهــو الـتـهـرب الضريبي لــألغــنــيــاء وإعـــفـــاؤهـــم مــنــهــا. فــــإذا كانت الـــــزيـــــادة الــضــريــبــيــة هــــي الـــقـــشـــة التي قــصــمــت ظــهــر الــبــعــيــر، فــــإن الفرنسيني الـيـوم يرفضون بشكل قاطع أن يدفعوا ضريبة األغنياء. الرئيس حاول من خال حديثه مـسـاء (اإلثــنــني)، إرخاء الـــخـــيـــط الــــــــذي شده لسنتني، فلعب على حـبـل الـتـعـاطـف مع العائات الفقيرة. ولــــــكــــــن كـــــــل هـــــذا لــــــم يــــكــــن ســــوى ذر الــــــــرمــــــــاد فــــي العيون. ولــــــــــم ينجح فــــي استمالة نشطاء الحركة االحتجاجية بعد.