Okaz

الراقدي.. مثقف اختطفته املسؤوليات التربوية

- علي فايع (أبها)

• ما مدى تأثرك بعمالق الصحافة وداعم القلم النسائي األول الـــراحــ­ـل تــركــي الــســديـ­ـري؟ ومــــاذا صــنــع لألديبة الصحفية مي السديري؟ •• تعرفت على عمي تركي عندما كɝبɝرت، وكان رجــــــال فـــي غـــايـــة الــــروعـ­ـــة، ال يــتــدخــ­ل فـــي األمــــور ومـتـفـهـم، وكــانــت نـشـأتـي مــع والــــدي -رحمه الله- بعيدة عن عمي تركي -رحمه الله- كنت في الشمال في تبوك، إذ إن والدي يعمل وكيال إلمـارة تبوك، وكنا نـدرس في مـدارس داخلية فــي األردن وكـــان - رحــمــه الــلــه - يــحــرص على التعليم، ومتدينًا بـال تـطـرف، ويعامل أبناءه بمساواة سواء كانوا ذكورًا أم إناثًا، وكان محبًا للتاريخ واآلثــــا­ر، ويهتم بـأمـور الــنــاس. تربيت فـي هــذا البيت مـع رجــل فاضل محترم لـم أسمع أبدًا صوته وهو يصرخ وكان كالمه هادئًا. وكان محبا للقراءة ويذهب بنا إلى املكتبة باستمرار. • كيف كانت عالقتك بالراحل عمك تركي السديري والـــدًا وإنــســان­ــًا؟ ومــا النصيحة الـتـي قـدمـهـا لــك في حياته؟ وهل عملت بها؟ •• ك ɝɝ ان صديقًا أك ɝ ث ɝ ر، ودائ ɝ م ɝ ا أفتقده وأفتقد آراءه، كان يتواجد في املواقف، ولم يقدم عمي لي نصائح، بل من شيمه أن يتقبل اآلخــر كما هو. • ما املوقف الـذي حدث لك مع الراحل وبقي معك ولم يفارقك وله أثر في نفسك حتى اليوم؟ •• ل ɝ ع ɝ م ɝ ي ت ɝɝ رك ɝɝ ي م ɝɝɝ واق ɝɝɝ ف ك ɝɝ ث ɝɝ ي ɝɝ رة ال ت ɝɝ ن ɝɝ س ɝɝ ى، كان حــنــونــًا جــــدًا، وكــــان يــخــفــي حــنــانــ­ه، ولــــه مواقف ال أسـتـطـيـع أن أذكـــرهــ­ـا؛ ألنــهــا شـخـصـيـة، لـكـن إذا احتجت له كنت أكلمه وفي أي بلد يرد علي ويلبي طلبي أو يخفف عني. ربـمـا ال يعلم أدبـــاء ومثقفون فــي منطقة عسير أن الــرجــل الـتـربـوي والــقــيـ­ـادي فــي منطقة عسير لخمسة وعـشـريـن عـامـا األســتــا­ذ مـهـدي إبراهيم الـراقـدي كـان من األعـضـاء املؤسسني لنادي أبها األدبي ومسؤول الطباعة والنشر فيه لعامني قبل أن ينشغل باملسؤوليا­ت اإلداريــة في التعليم من خــالل عمله مـديـرًا للتعليم فـي محافظة محايل عسير لربع قرن ! الــراقــد­ي الـــذي أصـــدر سـيـرتـه العملية فــي كتاب حمل عــنــوان «مــن الـــذاكــ­ـرة.. سـيـرة زمـــان ومكان» وطبعه املنتدى الثقافي ببارق في )256( صفحة من القطع املتوسط.هذا الكتاب الذي أعاد الراقدي الفضل في طباعته ملقهى بـارق الثقافي أكد فيه أن املجتمع األبهاوي كان مجتمعًا قارئًا ويحب الـثـقـافـ­ة والــقــرا­ءة واألدب والـشـعـر ويـعـشـق الفن الذي كان املرحوم «حاشد» من أشهر عازفي العود في أبها إضافة إلى بعض الهواة القريبني منه.

اهـــتـــم الــــراقـ­ـــدي فـــي كـــتـــاب­ـــة ســيــرتــ­ه التعليمية والعملية بالتسلسل الزمني للعديد من األحداث التاريخية والتحوالت االجتماعية التي رصد من خـاللـهـا املــواقــ­ف واإلنـــجـ­ــازات، ابـتـدأهـا بدراسته االبــتــد­ائــيــة فـــي خــمــيــس مــشــيــط وصـــعـــو­ده على املسرح في الصف الـسـادس االبتدائي إلـى جوار معلمه املصري في واحد من أندر املواقف في تلك الحقبة الزمنية، كما استعرض الراقدي في رحلته الكتابية مسيرته التعليمية في جامعة الرياض التي لم يكن بمقدوره وزمالئه أن يؤمنوا مكيفًا صـحـراويـًا فــي الـغـرفـة الـتـي احتضنت أحالمهم وطـمـوحـات­ـهـم، إذ كــانــوا يضطرون لـــلـــنـ­ــوم فـــــي ســـطـــح املـــــنـ­ــــزل الـــــذي يسكنون فيه، ولم يكن بمقدورهم أيــضــًا أن يـشـتـروا مــدفــأة مناسبة للتغلب على البرد وشدته وكانوا إذا أرادوا االغـــتــ­ـســـال فــــي فصل الشتاء القارس يسخنون املـاء في قــدر ويـخـلـطـو­ن عليه املـــاء البارد بعد ذلك. وعـــــن رحـــلـــت­ـــه فــــي عـــالـــم الثقافة واألدب يستعيد الراقدي صداقته لــأديــب مـحـمـد عـلـي عــلــوان أثناء دراسته في الجامعة وكيف أن مناسبات األديب علي عـلـوان والــد األديـــب املــعــرو­ف محمد علوان الـــتـــي كــــان يـــدعـــى لــهــا مـــع أصـــدقـــ­ائـــه عـــــززت من تعريفه ببعض األسماء األدبية واإلعالمية. الكتاب يحفر في ذاكــرة الـراقـدي التي يبدو أنها انــتــقــ­ت أطــيــب املـــواقـ­ــف واملـــشــ­ـاهـــدات وتجاوزت عـن العديد مـن األحـــداث الـتـي عاصرها الراقدي فـي التعليم واكتفى بـاملـرور السريع عليها دون تفصيالت، وكأنه أراد لهذا الكتاب أن يبعث روح التفاؤل وأن يتجاوز كـل الصراعات األيدلوجية التي شهدتها الفترة الزمنية التي كان فيها مديرًا لتعليم محايل والفترة الزمنية التي شهدت ضم تعليم البنات لتعليم البنني والتي كـان الراقدي فــيــهــا أول مــــديـــ­ـر لــتــعــل­ــيــم عسير لــلــبــن­ــني والـــبـــ­نـــات ومـــــا شهدته تــلــك الــحــقــ­بــة الــزمــنـ­ـيــة مـــن لغط وصراعات ! اكــــتـــ­ـفــــى الــــــــ­راقـــــــ­ـدي فــــــي كتابه بـــاســـت­ـــعـــادة املــــواق­ــــف التربوية واملــشــا­هــد اإلنـسـانـ­يـة فــي تهامة عسير التي شرف بأن يكون أول مــديــر للتعليم فـيـهـا، مستشهدًا عــلــى ذلــــك بــطــالب الــصــف األول االبتدائي في إحـدى قرى تهامة عسير الذين كانوا ينامون على الــصــخــ­ور املـسـطـحـ­ة وفـــي وســـط الــكــهــ­وف بعيدًا عن أهاليهم الذين يسكنون أعلى الجبال والذين جاءوا ألجل املدرسة التي فتحت في سفح الجبل لصعوبة وعدم إمكان فتحها في أعلى الجبل. وال ينسى الــراقــد­ي فــي كـتـابـه أن ينسب الفضل ألهــلــه فـيـعـتـرف بــأنــه لـــوال وقــفــات األمــيــر خالد الـفـيـصـل مـعـه ملــا تحقق لــه مــا كــان يصبو إليه، ولوال مبادرة داوود الشريان بطباعة أول منشور تعريفي بتعليم مـحـايـل والـــذي تكفل بطباعته مجانًا على أن يضع شعار مجلة اليمامة عليه ملا توسع القائمون على التعليم في وزارة املعارف فــي افــتــتــ­اح الــعــديـ­ـد مــن اإلدارات التعليمية في تهامة ! الــــكـــ­ـتــــاب بـــشـــكـ­ــل عــــــام يـــســـتـ­ــعـــرض الصعوبات والـعـقـبـ­ات الـتـي واجــهــت الـقـائـمـ­ني عـلـى التعليم فـــي مــحــايــ­ل عــســيــر؛ إذ يـــــورد الــــراقـ­ـــدي املعاناة الـتـي وقـفـوا عليها بعد اإلعـــالن عـن رغبتهم في استئجار مبنى إلدارة التعليم في محايل وكان الخيار األفضل واملقبول إلى حد ما مبنى تحت اإلنــشــا­ء لقلة املـبـانـي فــي محايل فــي تلك الفترة الزمنية، إضافة إلى الصعوبات التي نتجت لعدم وجـود هاتف؛ إذ أدخـل الهاتف الثابت إلى بارق قبل محايل كأول مركز أو مدينة في تهامة عسير األمر الذي اضطر معه إلى استئجار دكان صغير باسمه في بارق وأدخل فيه هاتفًا ثابتًا وكان إذا احتاج إلـى مكاملة الــوزارة يذهب من محايل إلى بارق قاطعًا مسافة 54كم إلجراء مكاملة والعودة إلى مقر عمله في محايل! الكتاب في املجمل من الكتب املحلية النادرة في بابها، إذ يعنى بتوثيق مسيرة العمل التربوي والتعليمي في منطقة تهامة التي كان املعلمون فيها إحدى ركائز التنوير لجيل مختلف كابد من أجل املعرفة وانتصر بها.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ?? مهدي الراقدي
مهدي الراقدي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia