تيار الدعوجية

لم تذهب مطالباتنا العديدة بتدريس مادة القانون هباء، بعد أن أعلنت وزارة التعليم مشكورة إدخـال مادة القانون ضمن مناهج العام القادم، فالقانون يعد عصب الحياة وأهم بكثير مــن مــعــادالت ولـوغـاريـتـمـات الـريـاضـيـات الـتـي كـرهـت جيال بأكمله في الدراسة وأنهت مشوارهم التعليمي مبكرًا وقضت على أمنياتهم املستقبلية، فحتى اليوم ال يزال ذلك الخمسيني (املتسبب) يسأل رفـقـاء دربــه: بالله عليكم وش استفدنا من أوجــد قيمة (س) ثـم أوجــد الـجـذر التربيعي لــ (ص) لكن ما نقول إال (اللهم إنا نعوذ بك من علم ال ينفع). تــدريــس الــقــانــون سـيـكـون بـاملـرحـلـة الـثـانـويـة، لـهـذا يـجـب أن ال نغفل تــدريــس مــبــادئ الـقـانـون كـونـه األســـاس املـتـني الذي يبنى عليه صرح املعرفة، ليقف الطالب على تعريف القانون ومراحل إصداره والفرق بني القواعد اآلمرة والقواعد املكملة وتقسيم القانون لعام وخــاص، لكن األهـم أن ال نسهب كثيرًا في طرح املبادئ على حساب املعلومات القانونية املهمة التي يحتاجها الـشـاب بـمـراحـل حـيـاتـه، يجب أن تـكـون مخرجات التعليم القانوني مـحـددة وواضــحــة، وهــي تجنيب الشباب القضايا التي قد يواجهونها بسبب جهلهم للقانون، وخاصة القضايا املـالـيـة والجنائية والسياسية، إلــى جـانـب تنشيط ثقافتهم الستغالل الـفـرص االستثمارية أو العملية بطريق نجاحهم. يجب التركيز مـن الـتـرم الثاني للصف األول الـثـانـوي، على تعليم الطالب أنظمة املــرور وقـواعـد السير، أنظمة مكافحة جـــرائـــم املــعــلــومــاتــيــة، أنــظــمــة مــكــافــحــة املـــخـــدرات واملؤثرات العقلية، وأن ال يكون ذلـك بالتلقني وإنما بـالـورش املعملية واملقاطع التمثيلية حتى ترسخ املعلومة، وإذا ضـاق الوقت يمكن االستئذان من مـدرس الرياضيات وأخـذ حصته، املهم التدرج في تعليم القانون في السنتني الثانية والثالثة ثانوي إليضاح أهم املواد املفصلية بالنظام األساسي للحكم، وأنظمة العمل والخدمة املدنية، والتجارة، واإلجراءات الجزائية. الــغــرض مــن الخلط بــني التعريف البسيط بـمـبـادئ القانون وإلقاء نظرة شبه متعمقة ألهم املواد القانونية التي تالمس معامالت الناس اليومية، هو أن يكون الشاب مثقفًا قانونيًا أو كما نقول بالعامية (الولد فاهم بالقانون) فيطمئن عليه أهله حني يهجرهم ويلتحق بالجامعة، وليس الغرض خلق ارجـوزات كأولئك املحللني الرياضيني الذين يملؤون الشاشة تعصبًا وضجيجًا مستندين على تفسيراتهم الغبية للقوانني، أو مثل بعض خريجات القانون الالتي يقدمن االستشارات وهـن بالكاد يفككن الخط باملحاماة فتظهر آراؤهــن وكأنها مقادير طبخ !؟ لهذا يصبح من املهم على غرار حصر الفتوى على هيئة كبار العلماء، إصدار قرار حازم بحصر تقديم االستشارة القانونية العامة على املحامني املرخصني (بل وأصحاب الخبرة امليدانية الطويلة)، ألننا ال نريد أن نفاجأ بعد غد بإطاللة ذلك املطوع املألوف مرتديًا روب املحاماة الطويل بعد أن غير فكره الديني املتشدد (ألن السوق طايح هاليومني) واتجه ألنشطة وبرامج الـفـتـاوى الـقـانـونـيـة، معتمدًا على سماحة مظهره ودراسته السطحية للقانون والفلسفة (أيـام الهجولة بالثانوية)، مما قــد يـخـلـق لـديـنـا تــيــار (مــتــذاكــي) يــحــاول اســتــغــالل الثغرات القانونية لزيادة ثرواته أو تدعيم مناهضاته، تيار مهجن ما بني السلفية والليبرالية يطلق عليه: تيار الدعوجية !؟