Okaz

الربيع العربي واخلريف األوروبي

-

أتـابـع باهتمام مـا يـحـدث فـي فرنسا مـن حـركـة احتجاجية ذات مطالب اجتماعية خالصة، ربما بـدافـع الفضول واملـقـارن­ـة بما حــدث فـي بعض الدول العربية منذ سنوات، وهو ما أطلق عليه البعض «الربيع العربي»، وهي تسمية مضللة، إذ يصحب الربيع تفتح الزهور وازدهار الخصوبة والنماء، وهو عكس ما حدث في هذه البلدان، التي ما زالت تدفع ثمن هذا الربيع وضريبته. وثــمــة عــامــل آخـــر زاد مــن اهــتــمــ­امــي بـمـتـابـع­ـة أحـــــداث فــرنــســ­ا، إذ ينظر الــعــالـ­ـم، وبـخـاصـة الـعـالـم الــعــربـ­ـي، إلــى بــاريــس عـلـى أنـهـا واحـــة الحرية والــديــم­ــوقــراطـ­ـيــة وحــقــوق اإلنـــســ­ـان، غــيــر أن حــركــة أصــحــاب «السترات الصفراء» أثبتت غير ذلك تمامًا. فكما بدأت حركات االحتجاج في تونس ومصر واليمن وليبيا، بمطالب اجتماعية ومعيشية، فــإن الـحـركـة الفرنسية طـالـبـت بمطالب مشابهة تمامًا. وكما تأخر رد الحكومات العربية آنــذاك على مطالب املحتجني، ما رفع سقف مطالبهم، حتى وصلت إلـى املطالبة برحيل الحكام، وهكذا األمر في فرنسا؛ إذ تأخر رد الفعل الحكومي على مطالب أصحاب «السترات الـصـفـراء»، ووصــل األمــر إلــى املطالبة برحيل الرئيس الفرنسي، وربما كانت اللوحات التي رفعها العرب في ربيعهم تحمل نفس املضمون، بل ويكاد يكون بنفس األلـفـاظ، لتلك اللوحات التي رفعها الفرنسيون في خريفهم. وثمة تشابه كبير في كيفية املواجهة األمنية لألحداث في الربيع العربي والخريف الفرنسي، فقد رأينا استخدام الغاز املسيل للدموع يطلق بكثافة على املتظاهرين، وخراطيم املياه التي تفرق هـذه التجمعات، والتعدي على املتظاهرين بالضرب، وهـو نفس ما عاشته حركات االحتجاج في دول الربيع العربي. أما سلوكيات املتظاهرين في دول الربيع فقد شاهدناها على الفضائيات: قلب السيارات وإشعال النيران فيها، إشعال املحالت التجارية ونهب ما فيها من معروضات، واقتالع أحجار رصف الطرق وضرب الشرطة بها، وهو عينه ما شاهدناه في شوارع باريس. واعــتــقـ­ـال الــعــشــ­رات، بــل واملــئــا­ت، هــو سـمـة مـشـتـركـة بــني الـربـيـع العربي والخريف األوروبي. فهل ارتقى سلوك األفــراد والحكومات في دول الربيع حتى شابه سلوك الفرنسيني؟ أم انحدر سلوك الفرنسيني حتى شابه سلوك جماهير دول الربيع؟! الغريب في األمـر، أنني لم أسمع منظمة من منظمات حقوق اإلنسان في العالم الغربي تعترض على مـا حــدث فـي فرنسا مـن اعــتــداء­ات الشرطة وتوقيفها للمئات، بينما ســارعــت إلدانـــة واسـتـنـكـ­ار مــا فعلته األنظمة العربية مع املتظاهرين إبان ما يسمى بالربيع العربي. مقولة صـادقـة قالها زعيم أوروبــي مـن قبل: عندما يتعلق األمــر باألمن القومي، فال مجال للحديث عن حقوق اإلنسان، وهذا مما ال شك فيه. تشابه كبير في املطالب والسلوك، وفي املواقف الحكومية، لكن رد الفعل العاملي الغربي متباين ومختلف تمامًا، فبينما تــدان حكومات الربيع العربي، خرست األلسنة تجاه الخريف األوروبي. والخالصة التي توصلت إليها مـن متابعتي لهذه األحـــداث، أن فرنسا، ليست كما يزعمون واحة الحرية والديمقراط­ية، وأن للحرية والديمقراط­ية وجهًا قبيحًا، رأيناه جليًا في أحداث باريس. فاللهم سلم بالدنا من كل سوء.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia