تسجيالت عصملي فون املرتبكة!
مــن الــواضــح أن هستيريا الـتـصـريـحـات التركية بخصوص حادثة خاشقجي وصلت إلى مستوى متقدم جدا من الغباء واالنفصال عن الواقع.. فعلى الـرغـم مـن أن الـعـدالـة أخــذت مجراها وبـــدأت النيابة العامة في السعودية تحقيقاتها في هذه القضية مثل أي قضية جنائية من الطبيعي أن تنتهي بتقديم املذنبني للمحاكمة، إال أن الهستيريا التركية لم تتوقف بل انتقلت من مستوى الردح إلى مستوى آخر يمكن وصفه بالهلوسة السياسية. املشكلة أن الـسـلـطـات الـتـركـيـة لــم تـسـلـم حـتـى الــيــوم األدلـــة التي تدعي أنها بحوزتها للنيابة السعودية رغـم تكرر طلبها وفي مقدمتها التسجيالت املزعومة، مع أنها ادعت أنها سلمت نسخا منها لعدة دول حول العالم من ضمنها الواليات املتحدة وكندا وفرنسا وغيرها، فما الــذي يخشى األتـــراك اآلن مـن انكشافه إن سلموا هــذه التسجيالت للسلطات الـسـعـوديـة الـتـي هـي الجهة الوحيدة وفـق القوانني الدولية املخولة بالتحقيق في القضية ومحاكمة املتهمني؟! أمس األول بثت وكالة األناضول لألنباء، وهي الوكالة التركية الرسمية وصــوت السلطة فـي أنـقـرة، تصريحات للرئيس رجب أردوغـــــان مــن ضمنها قــولــه كـمـا نـقـلـت عـنـه الــوكــالــة نــصــًا: «إن السعودية طلبت االستماع للتسجيالت، وطلبت أيضا الحصول عـلـيـهـا. أسـمـعـنـاهـا لـهـم لـكـن لــم ولـــن نعطيها لــهــم.. هــل نعطي ليمحوها؟»، وهـذا مبرر غريب ومثير للدهشة ويمكن أن يكون منطقيًا في حالة واحدة فقط لو أنه قيل في عام 1899 وليس اليوم ونحن على مشارف عام ،م2019 ففي ذلك العام تحديدا اخترع األمريكي توماس أديسون جهاز الفونوغراف أو الغرامافون وهو أول جهاز عملي تم استخدامه لتسجيل واستعادة الصوت وكان حينها نسخ التسجيالت مسألة مستحيلة فلم تكن أجهزة النسخ ابتكرت بعد. والحق أن الفنتازيا التركية املتمثلة في هذا املبرر ليست جديدة بـل هـي امــتــداد طبيعي للهستيريا اإلعـالمـيـة التركية منذ بدء حفلة الــرديــح ضــد الـسـعـوديـة، وهــي بـــدون أدنـــى شــك (بالنسبة لــي على األقـــل) تخفي خلفها خـوفـًا كبيرا مــن انـكـشـاف حقيقة مــا، فتسليم التسجيالت واألدلـــة املـزعـومـة للسلطات السعودية يعني خضوعها للتحليل، وهـو أمـر يبدو أن األتــراك يتهربون منه ألسباب غير معلومة، فربما كانت التسجيالت مفبركة من األساس أو تم التالعب بها بهدف االبتزاز وهذه مسألة ستنكشف مــع مـــرور الــوقــت أمـــا حـكـايـة «الــخــوف مــن مــحــوهــا» فـهـي نكتة ستظل في ملف هذه القضية ما بقيت. منذ الـبـدء تعاملت الــريــاض مـع ملف التصريحات الهستيرية والردح الصحفي التركي بحكمة كبيرة متجاهلة هذا التشويش املتعمد الــذي يريد حـرف مسار القضية وتوجيهه نحو أهداف مصلحية ألنقرة وحلفائها الصغار في املنطقة.. ويبدو أن حكمة الرياض وسياستها طويلة النفس أصابت مهاجميها في مقتل وزادت من جنونهم حتى وصـل األمــر إلـى ما نشاهده ونسمعه اآلن ويــضــحــك مــنــه حــتــى األطـــفـــال، لــكــن فــي الــنــهــايــة لــن يصح إال الـصـحـيـح، وسـيـذهـب كــل هــذا الــهــراء دون جـــدوى، فالعدالة التي تلتزم بها الــدول املحترمة وفــي مقدمتها اململكة العربية السعودية ال تبنى على مانشيتات الصحافة املوجهة وال تؤخذ من التصريحات الشعبوية الفارغة أو البكائيات املسرحية عبر املنابر الدولية، وإنما على األدلة والحقائق الثابتة التي ال شكوك حول صدقيتها و«شرعيتها» قبل كل شيء.