هل انتصرت السعودية في اليمن أم خسرت؟

في مارس القادم يكون قد مر على الحرب في اليمن أربع سنوات، بداية األزمة اليمنية ملن يتذكر كانت مليشيات الحوثي في طريقها لالستيالء على أسلحة غير تقليدية تابعة للجيش اليمني من طائرات وصواريخ عابرة في أعقاب انقالب نفذته داخل صنعاء، وهذا أمر غير مسبوق، فال توجد دولة في العالم تقبل أن تكون بجوارها مليشيات غير منضبطة وال تحترم القوانني الدولية وال تعترف بمعايير الحروب التقليدية، إضافة إلى أنها عدوة وتعمل لصالح دول وقوى إقليمية وتمتلك أسلحة جيوش قادرة على إحداث أضرار جسيمة، وهو ما حصل الحقًا عندما قام الحوثيون بإطالق أكثر من 100 صاروخ باليستي ضد املدن السعودية. بـدايـة الـحـرب كـانـت املــعــارك تــدور حــول املـنـاطـق الـحـدوديـة الـسـعـوديـة، والـقـذائـف تهبط على املــدن والقرى السعودية املأهولة بالسكان، لقد انكشف أنها معركة معد لها منذ سـنـوات طويلة ضـد اململكة، واألطراف املتآمرة كانت تنتظر فقط لحظة سيولة أو توتر أو صراع داخلي لترسل عشرات اآلالف من املرتزقة القتحام السعودية واالستيالء على مدنها الحدودية. كيف كان يتم التجهيز القتحام السعودية ومن هي تلك األطراف؟! لقد قامت ليبيا القذافي وإيــران وقطر وحـزب الله والحوثيون بإعداد مخطط استغرق عشر سنوات، استند إلى إنشاء مخازن سالح على الحدود اليمنية املطلة على السعودية لتكون الخزان الذي تستخدمه املليشيات وقــت انـطـالق املــعــارك، وكـذلـك تـدريـب عـشـرات اآلالف مـن املقاتلني الحوثيني ومـرتـزقـة آخــريــن، ولـذلـك كانت معظم عمليات القصف السعودية تركز على مخازن السالح لتحييد خطرها، وهو أمر استغرق أكثر من سنة لتدميرها. كـانـت مليشيات الحوثي تتسلل بــدون أسلحة إلــى قــرب الــحــدود السعودية ثـم تـتـزود مـن املــخــازن مـا تشاء وتقصف بها مدن وقرى اململكة، لقد أضحت معركة عمياء صعبة في بداياتها، فأنت ال يمكن أن ترى مقاتلني بل أفرادًا عاديني يتنكرون في شكل رعاة ومزارعني وال يحملون سالحًا معهم، فقد كان مخبأ لهم في املخازن، وشيئًا فشيئًا استطاعت قوات التحالف تجفيف السالح وتحويل املعارك إلى مناطق النفوذ الحوثي اإليراني، حتى تحولوا للدفاع عن بضعة مديريات ومعقلهم األخير في صعدة. ومع كل ذلك يبقى السؤال امللح هل انتصرت الرياض في معركتها الطويلة والقاسية ضد الحوثيني، وهل سمح للرياض باالنتصار؟ للجواب على السؤال األول يجب أن نعرف أن الحروب في شكلها التقليدي كما نراها في األفـالم التاريخية، تبدأ باملبارزة وتنتهي بانتصار أحد الفريقني ورفع اآلخر الراية البيضاء معلنًا استسالمه لم يعد لها وجود في هذا العصر، وكـان آخر استسالم بهذا املعنى الواضح هو رضـوخ اليابان أمـام أمريكا، فكل املعارك التي تلت استسالم اليابان انتهت بانتصارات جزئية ومفاوضات سياسية بسبب حالة االستقطاب الدولية ووجود مؤسسات أممية مؤثرة تمنع الوصول النتصار كاسح. بالطبع إيــران وقطر وحـزب الله وتركيا وتنظيم اإلخــوان املسلمني كانوا يتمنون أن تهزم السعودية، وبذل كل منهم جهوده لدعم الحوثيني والعمل على هزيمة الـريـاض عسكريًا وإعالميًا وحقوقيًا، ومـن أجـل ذلك هربت الصواريخ والذخائر ومعدات االتصال الحديثة وتدفق املدربون والخبراء واختلقت القصص وحفزت املنظمات لهزيمة وإدانة اململكة. إلى حد كبير انتصرت السعودية والشرعية اليمنية وقوى التحالف رغمًا عن أنوف كثير من القوى الدولية واإلقليمية، لم تنتصر برفع الراية البيضاء بل بتحقيق أهدافها اإلستراتيجية كلها وهذه هي معايير النصر في العصر الحديث. أوال.. تفهم العالم املوقف السعودي من األزمة اليمنية وساند رؤيتها للحل واعترف معها بالشرعية، وبالتالي تحمل املجتمع الدولي مسؤولياته تجاه إرهاب املليشيات وتدخل إيران وعادت إيران أدراجها ممثلة اإلرهاب في العالم الحر. ثانيًا.. تم إخراج إيران من اليمن، وأجمع العالم على أن خروجها ضرورة ووجودها هو ما خلق األزمة وبرر طولها. ثـالـثـًا.. تمكنت الـريـاض مـن تدمير كـل البنية العسكرية التي بنتها قطر وليبيا الـقـذافـي وإيـــران على طول حدودها الجنوبية، كما تم إغالق القواعد العسكرية اإليرانية في البحر األحمر التي كانت تشكل طوقًا عسكريًا حول اململكة وموطئ قدم للحرس الثوري اإليراني على حدودها الغربية. رابعًا.. إغالق معسكرات التدريب اإليرانية التي كانت منتشرة في الجزر اليمنية وتستخدم لتهريب األسلحة واملخدرات للسعودية والعالم العربي، وساهمت في ترويع وقتل آالف األبرياء. خامسًا.. عودة البحر األحمر ليكون حوضًا عربيًا أفريقيًا خالصًا، وحماية املضائق وضمان أمن مرور الطاقة عبرها، وما إقامة تحالف البحر األحمر قبل أيام بني السعودية واألردن ومصر والسودان وجيبوتي واليمن الشرعي والصومال إال تأكيد لذلك. سـادسـًا.. الحفاظ على الدولة الشرعية اليمنية لتبقى هي املمثل الوحيد لليمن في املحافل الدولية، مع كل املخاطر التي واجهت الشرعية والتجاذبات السياسية التي لحقت بني األطراف املتحالفة داخل البيت اليمني إال أن الحكمة السعودية منحتها ترياق البقاء. سابعًا.. الحفاظ على اليمن دولة عربية موحدة بعدما كانت في طريقها لتكون إقليمًا إيرانيًا خاضعًا لرؤية ونفوذ طهران في جنوب الجزيرة العربية. خالصة األمــر.. نعم انتصرت السعودية محققة كل أهدافها اإلستراتيجية التي وضعتها قبل بداية الحرب، وسحقت النفوذ اإليراني الذي استسهل اإلقامة على حدود الخاصرة السعودية في اليمن، ولم تقبل الحلول املشلولة التي حاولت الدول الغربية فرضها على السعودية. * كاتب سعودي