Okaz

عجبًا من خيانة «الذات»..!

- د. صدقة يحيى فاضل * sfadil50@hotmail.com

أصبحت حقيقة الكيان الصهيوني، وطبيعة سياساته وأهدافه وتطلعاته، معروفة، ليس لدى املراقبني السياسيني وحسب، وإنما حتى لــدى األشـخـاص الـعـاديـن­ي، عربًا وعجمًا. وبعد 70 عامًا من تواجد هذا الكيان السرطاني في قلب األمة العربية، أمست غالبية الشعوب العربية على وعي بحقيقة هذه الدويلة، التي لم تخلق لدى هذه الغالبية سوى االمتعاض، والغضب، والكراهية املطلقة لسياساتها التوسعية العدوانية. قلة قليلة تافهة من املتصهينني هي التي تنظر إلسرائيل كدولة عادية «محترمة». ويبدو أن املتصهينني لم يصبحوا كذلك إال بتوفر صفة أو أكثر من تلك الصفات األربــع الشهيرة فيهم، أال وهــي: إمــا مستفيد مـن إسـرائـيـل، بشكل أو آخــر، أو فـاسـد املشاعر واألحاسيس اإلنسانية، أو جاهل بطبيعة وحقيقة وتاريخ الكيان الصهيوني، أو منافق يتملق ألنصار إسرائيل، وداعمي عدوانها، وخاصة أمريكا، باعتبار أن «الطريق إلى قلب أمريكا يمر عبر إسرائيل». أما اإلنسان السوي، وخاصة العربي، فإنه ال يمكن أن يقبل بإسرائيل، كما هي عليه اآلن. فهذا القبول ال يعني سـوى عمى البصيرة، وخيانة الذات. إن «قبول» إسرائيل، كما هي عليه اآلن، وعدم الضغط إلرغامها على إيفاء «متطلبات» السالم، الذي يحقق الحد األدنى من الحقوق املشروعة للفلسطينين­ي، يعني: تطبيعًا مجانيًا غبيًا ومقيتًا. وهذا التطبيع املذل واملهني له تداعيات ونتائج سلبية مروعة، ومرعبة بالنسبة للعرب، نلخص أهمها فيما يلي: )1( خذالن الشعب الفلسطيني، وعدم إنصافه، وتكريس الظلم الفادح الذي أنزل به. وبالتالي، املساهمة في تفاقم هذه املأساة العربية واإلنسانية الكبرى. )2( أن صــلــة يــهــود «الــســفــ­رديــم»، وهـــم يــهــود الـــشـــر­ق، بـفـلـسـطـ­ني، ال تــبــرر إطالقًا اغتصابهم لفلسطني. أمــا صلة الـيـهـود «اآلشــكــن­ــاز»، وهــم يـهـود الــغــرب، باملنطقة فتكاد تكون معدومة، ناهيك أن تكون لهم صلة تذكر بأرض فلسطني. وما جاء في بعض الكتب السماوية عن هذه الصلة إنما خص به يهود ذلك الزمان فقط. وليتنا نرجع إلى بعض مؤلفات املؤرخني املوضوعيني، لنعي هذه الحقائق جيدًا، وال نركن لـلـروايـا­ت الصهيونية فـي هــذا الـشـأن. ومــن أبــرز مـن وضــح هــذه الحقائق املرحوم الدكتور عبدالوهاب محمد املسيري (أكتوبر 1938 – .)م2008 وهـو مفكر وعالم اجتماع سياسي مرموق، ويعتبر واحــدًا من أبـرز املؤرخني العامليني املتخصصني في دراســة الحركة الصهيونية العاملية. وهـو مؤلف «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية»، وهـي إحــدى أكبر األعـمـال املوسوعية العربية في القرن العشرين. كما صدرت له عشرات املقاالت واألبحاث عن إسرائيل والحركة الصهيونية، تميزت باملوضوعية وبكونها مراجع علمية عاملية رصينة. وتحظر حكومة إسرائيل تداول مؤلفاته وأبحاثه. )3( قيام الدولة الفلسطينية املستقلة يوقف األحـالم الصهيونية املسعورة، ويقف حجر عثرة في طريق السياسات التوسعية اإلسرائيلي­ة. فالسبيل الوحيد الكتفاء شر إسرائيل هذه هو زوالها (املحتمل) أو احتواؤها داخل حدود .م1967 )4( أن الحركة الصهيونية ال تستهدف فلسطني وحسب، بل كل العرب واملسلمني. فهي تسعى إلقامة «إسرائيل الكبرى» (من النيل للفرات) على أشالء الوطن العربي...! وهل تمتلك إسرائيل هذه الترسانة الضخمة من األسـلحة التقليدية واإلستراتي­جية ملواجهة الفلسطينين­ي؟! )5( هـــذا الــكــيــ­ان الـسـرطـان­ـي يعتبر (أو يـجـب أن يـعـتـبـر) ألـــد أعــــداء األمـــة العربية واإلسـالمـ­يـة. وال يوجد في العالم من هو أشـد عــداوة للعروبة من إسرائيل. فكيف يؤمن العرب جانبها، وتفتح لها األبواب العربية على مصراعيها؟! )6( أن معظم ما يجري باملنطقة العربية من اضطرابات وقالقل، بل وجرائم، تسهم إسرائيل – وموسادها – في حصوله. وأمسى هـذا الكيان يستمتع بمآسي العرب، ويسعى، على مدار الساعة، لزيادة جراحهم. )7( على الرغم مما يشاع ويقال عن «التقدم» التقني والصناعي الهائل الذي تتمتع به إسرائيل اآلن، إال أن معظم ما يقال هو محض هراء. فهذه الدويلة العنصرية ما زالــت تعيش على الهبات واإلعــانـ­ـات األمريكية الضخمة. صحيح، هناك شـيء من التقدم العلمي املتميز. ولكن أغلب ما يمكن أن نرجوه من إسرائيل يمكن الحصول عليه من دول أخرى، وربما بتكلفة أقل، وشروط أفضل. )8( إن إسرائيل هي التي ترفض السالم، بصيغته املجمع عليها عامليًا، وال تقبل بـ «التعايش» السلمي. فهي تريد أن تكون القوة اآلمرة الناهية في املنطقة، بعد العمل على تجزئة وتمزيق ما حولها من كيانات عربية. )9( ملـديـنـة الــقــدس رمــزيــة مـقـدسـة خــاصــة لــدى الــعــرب واملـسـلـم­ـني، كـونـهـا أولى الـقـبـلـت­ـني وثــالــث الــحــرمـ­ـني الــشــريـ­ـفــني. وإســرائــ­يــل تــضــرب هـــذه الــرمــزي­ــة بعرض الحائط، وتصر على اعتبار القدس «العاصمة األبـديـة» لها. كيف يفرط العرب واملسلمون بالقدس ؟! )10( يجب على الـــدول العربية عــدم التعلل بما فعله الفلسطينيو­ن واملصريون واألردنيون بإقامة عالقات مع إسرائيل. هؤالء اضطروا اضطرارًا بحكم كونهم في املواجهة املباشرة مع العدو الصهيوني، إلقامة عالقات (باردة جدًا) مع هذا الكيان. والجميع يعرف ما يعانونه جـراء هذه العالقات املحدودة والفاترة مع الصهاينة الذين يتعاملون معهم باستعالء، وتحت تهديد السالح. وال حاجة للدول العربية الواقعة خــارج جبهة املواجهة ملثل هـذه العالقات التي تضرها أكثر مما تنفعها، إضافة إلضرارها بالقضية األم. وهناك عشرات االتفاقيات والتعهدات العربية التي تحظر إقامة أي دولة عربية عالقة مع إسرائيل. )11( أن هناك تعاطفًا دوليًا وعامليًا متزايدًا داخـل األمـم املتحدة، ولـدى دول آسيا وأفريقيا وأمريكا الالتينية، مع القضية الفلسطينية، ودعوة قوية لدعم هذه القضية حتى الحل النهائي. وال يليق بالعرب أن يطبعوا عالقاتهم بإسرائيل، ويسهموا فــي تصفية هـــذه الـقـضـيـة، فــي الــوقــت الـــذي يـتـعـاطـف فـيـه غـيـر الــعــرب مــع الشعب الفلسطيني. )12( أن تمزق الصف الفلسطيني حالة مؤقتة، عملت إسـرائـيـل، وأنـصـارهـ­ا، على تفاقمها واستمرارها. ويتوقع أن تحقق الحد األدنى من الحقوق املشروعة للشعب الفلسطيني سيوحد – تلقائيًا – الجبهة الفلسطينية. ويبدو، وبناء على ما ذكر أعاله، أن من يقدم على وضع يده في يد إسرائيل بالحالة التي هي عليها اآلن، إنما «يخون» ذاته، ووطنه ومجتمعه وأمته، ويبوء بخسران في الدنيا، وخزي في اآلخرة. عجبًا ممن يخون ذاته. والله الهادي إلى سواء السبيل.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia