قمة في زمن ساكن
مـــع اخــتــتــام أعـــمـــال املــؤتــمــر اإلســـامـــي الـــــذي أقــيــم في مـكـة املــكــرمــة، وانـعـقـد تـحـت عــنــوان مـخـاطـر التصنيف واإلقــــصــــاء مـــن أجــــل تــعــزيــز مــفــاهــيــم الـــدولـــة الوطنية وقـيـمـهـا املــشــتــركــة.. لــم تـكـن الـقـمـة قــــادرة عـلـى اجتثاث أزمــة الفكر اإلسـامـي املصاحب لكل القمم الباحثة عن مـسـلـك يـنـجـي األمــــة مــن الــتــقــاعــس والــتــخــلــف عــن بقية األمـم إنتاجيا ومعرفيا، فاملعوقات هي املعوقات، وفي كــل تجمع تظن أن املجتمعني وضــعــوا أصابعهم على موقع الــداء، فـأول املهام معرفة الخلل الرئيس في إبقاء األمة اإلسامية في الدرجات الدنيا من السلم االجتماعي والــثــقــافــي واالقـــتـــصـــادي والــتــقــنــي، لــم تــعــن كــل القمم السابقة للحديث عـن األزمــة الحضارية، أو كيفية بناء الوعي املنهجي والتخلص من آثار التشوهات التاريخية التي أغلقت على الفكر األبــواب، وجعلته غير قادر على اإلنتاج، فظل طوال عقود من األزمان عالة على اآلخرين وارتـــضـــى بـالـتـبـعـيـة مـــن غــيــر أن الــتــخــلــص مـــن الخلل الواضح ملن يريد ارتقاء سلم الحضارة وذلـك من خال إنتاج املعرفة أوال. بقي الـعـالـم اإلســامــي يشتكي مــن املـتـاعـب الـتـي اعترت العاقات البينية الختاف املناهج وتطبيقها على أرض الــواقــع، فليس هــنــاك وحـــدة واحــــدة تسير فــي منظومة معرفية قــادرة على التخلص من العوائق التي حجمت الـفـكـر اإلســامــي وجعلته فــي حـالـة مـتـأرجـحـة يجذبها املاضي أكثر من املستقبل، فمصادر االستلهام في القضايا الجوهرية هي أحد املسببات الرئيسة التي وقفت كحاجز فــي انــطــاق الـعـقـل اإلســامــي، فكلما تخلص مــن معوق نهضت معوقات تجذب العقل اإلسامي للخلف معطلة كل قدرات اإلنتاج والخلق. وقد يكون أهم املعوقات للعقل اإلسامي أن جعلت اإلسام دينا محليا وليس عامليا فتعطلت فكرة الرؤية الكونية الشمولية، وعندما تحول الفكر من الشمولية في الرؤية إلـــى خــنــدق مــن الـتـعـريـفـات الـضـيـقـة الــتــي أودت بــه إلى محاربة املستقبل واعتبار كل جديد جاء من أجل تهشيم اإلســام، فحدث نوع من العزلة عن األفكار ومحاربة كل جديد، فبقيت الــدول اإلسامية دوال مجترة وتابعة ملن يقدم لها العلف، ولألسف الشديد فإن هذه األمة حاربت بعض املستنيرين وأدخلتهم إلى ساحة غضب الجماهير بتهمة أنهم أعداء للدين.. وهذه الخطوة لم تبدأ اآلن بل عبر عقود طويلة، وكلما ظهر عقل حاما شعلة التنوير تم القضاء عليه بتهمة بائسة تبقي األمة في حالة حرب مع العقل ومع أبنائها املستنيرين. والقمة األخيرة سارت على نفس املنوال كبكائية طويلة لن تخرج العقل اإلسامي من القمم، كما أن التبعية املميتة لم تخلق أيضا حالة التقليد في أدنى مراحل اإلنتاج.