Okaz

ضرائب الوقود في الدول الصناعية.. عادت إلى الواجهة من جديد

-

مثلت عــودة فــرض ضـرائـب إضـافـيـة على املنتجات النفطية فــي الــــدول الـصـنـاعـ­يـة، وبـــالـــ­ذات فــي قطاع الــنــقــ­ل، بـحـجـة الــوفــاء بـالـتـزام­ـاتـهـا فــي إطــــار اتفاق بـــاريـــ­س لـتـغـيـر املـــنـــ­اخ، صــحــوة اجــتــمــ­اعــيــة فـــي الــعــديـ­ـد مـــن الدول األوروبية. وهم وإن استوعبوا الزيادات السابقة في أسعار الوقود الـتـي تـم فرضها عبر العقود املـاضـيـة، إال أنـهـم أرادوا بعث رسالة واضحة بعدم إمكانية االستمرار في تحمل هـذه الــزيــاد­ات؛ ذلـك أن تأثيراتها االقتصادية السلبية تـمـس الطبقات الدنيا واملتوسطة بشكل رئيسي. وقـبـل الــزيــاد­ات األوروبــي­ــة األخــيــر­ة فـي أسـعـار الــوقــود -وقــد ألغيت نتيجة تلك االحتجاجات- كـان املواطن الفرنسي على سبيل املثال، يدفع ضريبة على سعر مكونات البرميل من منتجات النفط بحوالي )%63( تضاف إلى السعر العاملي لبرميل النفط، بعد إضافة «هامش تكاليف الصناعة». وتقترب نسبة الـ36% من أعلى مستويات ضرائب الوقود املفروضة في دول االتحاد األوروبي، إذ إنها أعلى أو تساوي )%70( في كل من إيطاليا والدنمارك وبريطانيا وغيرها، في حني تأتي بقية دول منظمة التعاون االقتصادي والتنمية، أقل من هذه النسبة بفارق كبير، وتأتي الواليات املتحدة أقل دول املجموعة، إذ تصل إلى حوالي .)%24( وتــوضــح لـنـا هــذه املـقـدمـة، أن ضــرائــب الــوقــود املـرتـفـع­ـة فــي العالم الصناعي ليست باألمر الجديد كما يظن البعض، وقـد مـرت عقود عليه، وأصبح يستخدم كلما أرادت هـذه الــدول زيــادة إيـراداتـه­ـا أو تراكمت عليها عوامل سياسية واقتصادية أخرى. وانزعاج دولنا النفطية بهذه الضرائب قديم جديد، فقد تمت إثارته منذ االجـتـمـا­ع األول بـني منتجي ومستهلكي النفط الــذي عقد في بــاريــس عــام ،)1992( فتصدر منذ ذلــك االجـتـمـا­ع جـــدول األعمال، وكانت وما زالت الدول الصناعية تتململ في مناقشته، لكنه مع ذلك استمر يطرح في هذه االجتماعات. وقـــد أحــســنــ­ت ســكــرتــ­اريــة منظمة األوبــــك صـنـعـًا بـــأن وضــعــت على موقعها اإللكتروني، ومنذ فترة طويلة، جدوال يبني ما تحصل عليه دولنا النفطية من إيرادات، مقابل ما تحصل عليه الدول الغربية من حصيلة الضرائب التي تفرضها على النفط. ويتبني من هذه الجداول أن بعض الدول الغربية تحصل على عائدات ضريبية مفروضة على النفط أعلى من اإليرادات النفطية للعديد من الدول املنتجة. واملشكلة الرئيسية، هي أنه في حالة انخفاض أسعار النفط العاملية، ال يتم تمرير هذا االنخفاض إلى املستهلك النهائي في جميع الدول الصناعية، بل تستمر أسعار املنتجات النفطية عند نفس مستوياتها املرتفعة، والعكس صحيح. وكانت الدول الرئيسية املستهلكة للنفط تقدم تبريرات مختلفة لهذه الضرائب العالية على الوقود، منها أنها بحاجة لتحقيق ما تسميه بـ«أمن الطاقة»، وتفسر املـراد به بصورة صريحة، بأنه العمل على «تخفيض االعتماد على الواردات النفطية وخاصة من تلك املناطق املنتجة غير اآلمنة». وضرائب الوقود هذه تمول بها إنشاء الطرق، وبقية تجهيزات قطاع النقل األساسية، إضافة إلى الهدف املتمثل في اإلسراع في تخفيض االستهالك العاملي من النفط، بتعميم استخدام مصادر الطاقة األخــرى وتطوير مختلف تقنيات ترشيد استخدام الطاقة عامليًا. وجاءت الحملة العاملية املتمثلة في مؤامرة تغير املناخ والزعم بأن الــوقــود األحــفــو­ري هـو املتسبب فـي ارتــفــاع حـــرارة الـغـالف الجوي، متجاهلة كون هذه التغيرات املناخية طبيعية حدثت وتحدث عبر ماليني السنني، حيث لم يكن الوقود األحفوري معروفًا أو مستخدمًا. والحقيقة أن الدول الصناعية تستخدم حجة املناخ لفرض مزيد من الضرائب على الوقود بحجة الوفاء بالتزاماته­ا الدولية، واآلن هي تتآمر على الرئيس ترمب إجـهـازه على اتفاق بـاريـس، ولـم تفرض هذه الضرائب قط إال على املنتجات النفطية، مع االستمرار في إعانة بقية مصادر الطاقة األحفورية وغير األحفورية، ومنها ما هو أكثر تلويثًا وانبعاثًا لغازات االحتباس الحراري، مثل الفحم، ناهيك عن الطاقة النووية. وحينما يتم اقتراح فرض ضريبة كربونية، فإنها ببساطة ضريبة على الجازولني فقط. هـذه االزدواجـي­ـة في املعايير تقلقنا كـدول مصدرة للنفط، وإن كنا قد تحمسنا -بحسن نية- التفاق باريس، وأصبحنا ندافع عنه أكثر من الــدول الصناعية، لنظهر بأننا -كما قـال مندوب إحــدى دولنا«حضاريون، وال نهتم إن تم القضاء على النفط وعصره...». وضجت دول االتحاد األوروبي حينما انسحبت الواليات املتحدة من اتفاق باريس للمناخ، مبررة ذلك االنسحاب بأنه ال يمكن التضحية باقتصادها، في سبيل اتخاذ إجراء ات ال جدوى منها لحماية «كذبة املــنــاخ». ولــم يقم الرئيس ترمب بهذه الخطوة إال لكشف املؤامرة، والدفاع عن اقتصاد بالده املعتمد على الفحم والنفط والغاز. وقد تضايقت الحكومة الفرنسية حينما بني لهم الرئيس ترمب مؤخرًا أن فرض مزيد من ضرائب الوقود ال يرهق املواطن الفرنسي فحسب، بل إنه يستند إلى حجة التزامات اتفاق باريس للمناخ وهو اآلخذ في املوت السريري التدريجي. وإثــــــا­رة بــعــض دولــنــا الـنـفـطـي­ـة ملــوضــوع الــضــرائ­ــب املــرتــف­ــعــة على النفط، في هذا التوقيت بالذات، جاء متزامنًا مع دعوة بعض الدول الصناعية لـنـا بالعمل عـلـى تخفيض أســعــار الـنـفـط، متناسني أن بيدهم القيام بذلك وبسهولة، -دون الحاجة إلى أن يطلبوا منا فعله-، وذلك بتخفيضهم معدالت ضرائب املنتجات النفطية؛ فيصلون إلى تحقيق هدفهم هذا بأقل التكاليف، ودون أن يحملوا دولنا النفطية عبء تحمل إيــرادات نفطية منخفضة إلرضـاء املستهلكني، في وقت نحن بحاجة ماسة لكل دوالر إضافي في أسعار النفط. وخـــتـــا­مـــًا، وكــمــا كــــان واليــــــ­ـزال يــقــال لــنــا فـــي اجــتــمــ­اعــات املنتجني واملستهلكن­ي الدورية وباستمرار، بأن ال نخوض في مسألة ضرائب الوقود املفروضة في الدول الصناعية بحجة أنها «مسألة سيادية»، فإن بإمكان دولنا املنتجة أن تستخدم الحجة نفسها حني الحديث عــن مـطـالـب تخفيض أســعــار الـنـفـط. وإذا لــم تقتنع الـــدول الكبرى املستهلكة للنفط بـذلـك، فقد تنبعث الــشــرار­ة الـتـي ستشعل العالم اقتصاديًا.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia