Okaz

سيد أوغلو.. من املسؤول عن دمائنا ودموعنا

- د. رامي الخليفة العلي * @ramialkhal­ife

صـرح وزيــر الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو بأن بـــالده مستعدة لـلـتـعـاو­ن مــع الـنـظـام الــســوري إذا جــاء في انتخابات حــرة ونزيهة على حـد تعبيره، وهــذا يشي بأن املوقف التركي تغير إلى حد كبير خالل السنوات املاضية، والحقيقة أن هذا التغيير بـدأ في شهر أيار/ مايو 2016 عندما استقال أحمد داود أوغلو وتــم تعيني بـن على يلدريم وتـكـرس بشكل أكبر بعد املـحـاولـ­ة االنقالبية الفاشلة في صيف نفس الـعـام. منذ ذلـك الوقت والسياسة التركية تنحو أكثر باتجاه روسيا وإيران، ولكن الضحية كانت الشعب السوري الذي وثق بــأردوغــ­ان وحكومته. وفـي عجالة نعود إلـى ما صرحت به تركيا منذ بداية الثورة السورية، فقد أعلنت تركيا أن الرئيس السوري بشار األسـد قد فقد شرعيته وأنـه يجب أن يتنحى. ولعل التصريح األشهر عندما بـدأت القوات التابعة للنظام تــدك املــدن والـحـواضـ­ر والـقـرى الـسـوريـة، عند ذاك قــال رجب طيب أردوغــان إن تركيا لن تسمح بحماة ثانية. فهم معظم الـسـوريـن­ي بــأن هــذا التصريح هـو تعهد مـن تركيا أردوغان بحماية املـدنـيـن­ي الــســوري­ــني، وهــذا لــم يـحـدث على اإلطالق، بل تـرك الشعب السوري وحيدا في مواجهة اآللـة العسكرية التابعة للنظام. الــرئــيـ­ـس الــتــركـ­ـي أردوغـــــ­ـان وحــكــومـ­ـتــه لــم يـخـطـئـا فــقــط في األكاذيب التي قادت الشعب السوري إلى التهلكة وتوريطه في صراع دفع ثمنه غاليا من دم أبنائه، بل خطاياهما تتجاوز ذلك إلى آثام سياسية حتى بالنسبة للمصالح التركية. أولى تـلـك الـخـطـايـ­ا كــانــت الــرؤيــة املـتـسـرع­ـة لــلــثــو­رات الـعـربـيـ­ة أو ما سمي الربيع العربي. أردوغـــان فهم أن تلك التحوالت التي تحدث في املنطقة سوف تكون رافعة لنفوذ تركي متجدد على صعيد املنطقة العربية برمتها. وهــذا التصور أدى لحالة نــزاع مـع عديد الــدول العربية، كما أن تركيا اصبحت جزءا من النزاعات الداخلية املوجودة في املنطقة، وهذا لم يكن تحقيقا لنفوذ تركي بقدر ما هو تعقيد ألزمــات هي باألصل معقدة بسبب أبعادها املناطقية واملذهبية والطائفية والطبقية. في نهاية املطاف فإن هذا الفهم التركي وهذه النزعة األردوغاني­ة كانت ضارة للطرفني سواء للدول العربية أو للدولة التركية، والبد من التذكير بأن تركيا حتى قبيل الثورات العربية كانت تتبنى سياسة صفر مشاكل، وقد استطاعت أن تبني عالقات جيدة مع معظم الـدول العربية، أما اآلن فلو نظرنا إلى عالقاتها العربية فهي متوترة مع معظمها، هناك قطيعة مع مصر وخالفات داخلية حول دورها في تونس وليبيا، وهي تخوض حرب دينكوشوتية مع اململكة العربية السعودية وعالقاتها متوترة مع دول الخليج األخرى، ولم تنجح ســوى بالهيمنة على قـطـر. هــذا هـو عمق األزمـــة الـتـي تعانيها تركيا في عالقاتها العربية. فـي التمظهر الخارجي لهذه السياسة التركية فــإن ذلــك تجلى فـي األزمة السورية، تركيا ال تثق بأي من حلفائها. لذلك بقيت طوال الوقت مترددة في رسم استراتيجية واضحة املعالم في إطار امللف السوري. فعلى سبيل املثال ال الحصر، رفضت تركيا بإصرار شديد التدخل عسكريا في كوباني عندما كانت مليشيات داعـش اإلرهابية تحاصر املدينة الصغيرة، واعتبرت أن الغرب يريد توريطها في امللف السوري وفي حرب استنزاف. ولم يكد غبار معركة كوباني/عني العرب ينقشع حتى بدأت تركيا باملطالبة بالسماح لها بالتدخل عسكريا في شمال سوريا إلقامة منطقة آمـنـة وهــذا مـا رفـضـه الـغـرب وال تــزال تركيا حتى اآلن تهدد بالتدخل في منطقة الجزيرة السورية. على األرض السورية سقطت أحالم أردوغـان بالهيمنة وأدرك أن املسألة ليست بهذه البساطة وأصبح يرضى من الغنيمة السالمة، فأصبح هدف تركيا األساسي منع إقامة كيان كردي في شمال سـوريـا، ومـن هنا جـاء التدخل العسكري ومـن هنا جـاء التفاهم التركي الـروسـي، أمـا وعــود أردوغـــان للسوريني فقد سقطت مع أول مصافحة له مع رئيس نظام املاللي وكذا القيصر الجديد، وصـار على الشعب السوري أن ينقي شوكه بيده وأن يلقي كل تلك األكاذيب وراء ظهره. أما مسألة التعاون بــني أردوغـــــ­ان وصـحـبـه مــن جـهـة والــنــظـ­ـام الــســوري مــن جهة أخــرى، فهو بالفعل قائم على قــدم وســاق. حتى لـو تجاوزنا األخبار التي تشير إلى تنسيق استخباراتي بني النظام السوري والحكومة التركية. فإن التنسيق التركي الروسي من جهة والتركي اإليراني من جهة أخرى يجعل التواصل بني حكومة أردوغان والنظام السوري هو تحصيل حاصل. ألن إيـران وروسيا في سوريا هما وجهان لعملة واحدة هي النظام السوري، وهذا واضح لكل من ألقى السمع وهو شهيد. خــطــابــ­ات أردوغـــــ­ـان وتــصــريـ­ـحــاتــه هــو وأعـــضـــ­اء حـكـومـتـه لــم تــكــن مجرد عنتريات وراء املايكروفو­نات وإنما دفع ثمنها الشعب السوري غاليا من دمــاء أبنائه قتلى وجـرحـى وأرامـــل وأيـتـامـا وأمـهـات ثكلى. ثـم يأتيك من يصرح بــأن املعارضة ليست بحاجة للتفاوض ألن تركيا تـفـاوض نيابة عنها. أي درك أسفل وصلت إليه الثورة السورية واملعارضة السورية بفضل أيـــادي تـركـيـة؟ كـل مــن خــان الشعب الــســوري ســوف تالحقه دمــاء األبرياء وصرخات املظلومني وعلى رأسهم تركيا وحكومتها ورئيسها. * باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق األوسط

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia