Okaz

العالم صار مسخرة !

- د. فؤاد مصطفى عزب * fouad5azab@gmail.com

ونستون تشرشل قال قوال بليغًا عن الفرق بني املتشائم واملتفائل، حيث صور املتشائم، بأنه الرجل الـذي يرى الصعوبة في كل فرصة، بينما املتفائل يرى الفرصة في كل صعوبة، عبارة في غاية الصدق والذكاء والحقيقة، فنحن البشر، من يرسم حلقه ضيقه ونضع أنفسنا فيها ونمألها نكدًا وقتاال وشقاء، نـحـن مــن نـصـنـع أحــزانــن­ــا، ثــم نــلــوم الـــزمـــ­ان، معظمنا يـقـف فــي حلبة مصارعة نحن مـن نصبناها بأيدينا واعتليناها، وجعلنا الحياة، انتصارًا وهزيمة، وكأن الخيار لدينا غير ذلك، على الرغم من أن هناك خــيــارا حقيقيا آخـــر، وهــو أن تــرى الـحـيـاة بقلبك وليس بعينيك، أن ترى بواسق النخيل وقد وصلت رؤوسها إلى عطاف الطيور، نحن من يختار للنجوم سماءها، وللبحار ملحها، نحن مـن نتخيل أنــه عند كـل عتبة فــرج فـي سلم الحياة خطوة صغيرة من الهم البد أن نتعثر بها ونقف عندها، أو ننظر إلى هذه الحياة بعني طفلة نائمة، فنرى أحــالمــًا ورديــــة مــكــدســ­ة، وآمــــاال زاهــيــة مـتـراكـمـ­ة، وأفكارًا مفعمة بـاألمـل وإن كانت خـيـاال، وعــبــارا­ت مليئة بالحب وإن كانت مـجـازًا، وننام كل ليلة في حضن نغم، بالقلب ترى حقائق األشياء، فالعمى الحقيقي ال يصيب األبصار، وإنـمـا القلوب الـتـي نحملها، والـتـي فيها مـا يكفينا من الـــــزاد، إذا أردنــــا أن نـمـحـو الــغــبــ­ار الـكـثـيـف عــن مراياها، مجلة «التايم» األمريكية، عندما أرادت االحتفال ببداية الــعــام املـنـصـرم مـــاذا فـعـلـت؟ بحثت عــن أنـــاس متفائلني، واحتفلت بهم فـي عـددهـا، والــذي كــان عـبـارة عـن كرنفال لـلـتـفـاؤ­ل واألمـــــ­ل، أنـــاس لـيـسـوا مـتـفـائـل­ـني قـــوال فــقــط، بــل فــعــال أيضًا، والتفاؤل لديهم أسلوب حياة، أنــاس يــرون العالم من حولهم بعيون كلها أمل، أناس أيقنوا أن لكل قوي هناك من هو أقوى منه، وأن الضعف نسبي، وأن املظاهر خداعة، وأن السواعد تنبع من الروح، وإال فال فرق بينها وبـني سـواعـد الـضـان، اخـتـاروا امللياردير «بـل جيتس» جعلوه رئيس تحرير زائرًا واملشرف على مضمون ملف املتفائلني، ركزوا على البحث عـن أسـبـاب تفاؤلهم الــدائــم، طلبوا منه أن يسلط الـضـوء على تلك النماذج اإليجابية في الحياة، عندما تطلب منك مجلة عريضة، كـ«التايم» إعــداد ملف تشرف عليه، مهما كانت مكانتك االجتماعية واالقتصادي­ة، فإن ذلك سيكون مبعث شرف وقيمة ال تضاهى، تجربة غـيـر اعـتـيـادي­ـة، وفــكــرة ال يـحـدهـا سـقـف، تـصـطـاد عـنـاصـرهـ­ا مــن املاء الــعــذب الـصـافـي، تنبعث منها روائـــح متفاوتة تـتـقـارب لتكون عطرًا دافقًا بالتفاؤل، الصدق الشعوري الـذي نقله ذلك العدد في أول العام املـيـالدي، كـان محاولة لتمزيق كل األقنعة وتكسير كل الغرابيل التي تغطي الشمس، كــان عــددًا مميزًا، وربيعًا جـديـدًا لـعـام جـديـد، وبحلة جــديــدة مختلفة، انـتـشـرت قــطــرات الــنــدى على الصفحات مثل حبات اللؤلؤ والعسجد، ومن فاته عدد كهذا، كأنما نسي طفولته برمتها ولم يعد منها شيئا، العدد اشتمل على سبيل املثال ال الحصر، على الفتاة الباكستاني­ة «مــالال» ورجــل األعـمـال األمريكي «وارن بفت» واملدرسة األمريكية «كاميال جونز» يذكر العدد أنه في عام م1990 كان أكثر من ثلث سكان األرض يعيشون فـي حالة الفقر الـشـديـد، الـيـوم فقط عشر سكان األرض يعيشون في هذه الحالة ذاتها، كما أن %90 من أطفال العالم اليوم يذهبون إلى املــدارس ويحضرون فصول التعليم االبـتـدائ­ـي، وال ينسى الـعـدد اإلشـــارة إلى أن ينبه العالم، إلى أن عدد األطفال الذين كانوا يموتون فــي الـسـابـق قبل الــوصــول إلــى ســن الخامسة مــن عمرهم انخفض إلـى النصف، يقول الشاعر األمريكي «ويتمان» فـي قصيدته الغريب أيها الـغـريـب.. يـا عابر السبيل.. إذا مررت بي.. وكنت تريد أن تتحدث معي.. فلماذا ال تفعل؟ أنا أريـد أن أتحدث معك.. أتحدث معك عن األمــل.. ونوافذ مــفــتــو­حــة..تــطــل عــلــى الــشــمــ­س! وأنــــا فـــي أول هـــذا العام، أرجــو مـن معشر الكتاب أن يتحدثوا عـن األمــل والتفاؤل أكثر، فمتعتي ومتعة القراء ليس أن نحيا حياتنا.. بل أن نحلم بحياة أمتع!! متعتي أن أقرأكم تبيعوا البهجة على رصيف األحالم مهما كان حجم الضوء، الكاتب األمريكي الــســاخـ­ـر«ارت بــوكــوال­ــر» مـشـعـل ســديــري كـنـسـاس سيتي كتب يوما «لقد تم وضعي على هذه األرض كي أدفـع الناس للضحك والفرح، إذا استطعت أن تضحك الناس ستحصل منهم على كل الحب الذي تريده» وكان عاموده األخير والذي نشر بعد موته في املستشفى بيومني يحتوي على هذا النص «سواء الزمن الذي نعيشه، هو أفضل زمن، أو أسوأ زمن، هو الزمن الوحيد املتوفر لدينا» واختتم «ليس في استطاعتك أن تبتكر أي شيء، العالم نفسه صار مسخرة مبتكرة، كل ما نفعله هو أن نقوم بتسجيل ما نراه ونعيشه» نصوص تخطت حاجز الزمن وانتقلت لزمن يتبع حياة من كتبها، ألنها نصوص تطارد األمل وتبحث عن النور، إنها األحالم الجميلة التي يستيقظ منها النائم على وقع كلمات وجمل متناهية الشوق، لتحقيق الحلم الجائش بالتوق إلى الفرح واألمل والتفاؤل والسعادة، تظل محلقة في األثير، مثل الساحر الذي يخرج حمائم بيضاء من هنا وهناك متى أراد! * كاتب سعودي

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia