999 (Arabic) - 999 Supplement

االنحراف الفكري وأثره على األمن المجتمعي

- أحمد محرم محاضر باإلدارة العامة لحماية المجتمع والوقاية من الجريمة في وزارة الداخلية * نشر هذا المقال بالتعاون مع اإلدارة العامة لحماية المجتمع والوقاية من الجريمة في وزارة الداخلية.

تعد األسرة المؤسسة األولى فى حياة كل إنسان، ومنبع التنشئة االجتماعية، واللبنة األولى التى يتكون منها المجتمع، والوسط اإلنساني الذي ينشأ فيه الطفل وتتم تربيته، وأول المصادر لترسيخ ثقافة الفرد من خالل الوالدين وهما المدرسة األولى في التنشئة، فإن صلحت األسرة صلح اإلنسان، وأي خلل داخل األسرة يمكن أن يزيد من احتمال االنحراف نحو السلوك اإلجرامي والتورط في الجريمة والعنف في المجتمع. ويستلزم األمر البحث في المشكالت األسرية والمجتمعية لوضع االقتراحات والتوصيات القابلة للتنفيذ، بهدف تحجيم األسباب الرئيسة لالنحراف الفكري ووضع األولوية للطرق االستباقية للوقاية منه. وتكمن خطورة االنحراف الفكري بمخالفة قيم وأخالق وثقافة المجتمع وأنظمته وقوانينه، واالتجاه إلى التفريط والتقصير، مما يسبب تفكك المجتمع، وترجمة ذلك كله وقوع الخطر الكبير على النظام العام للمجتمع (االجتماعي والسياسي واالقتصادي وغيره)، علما بأن االنحراف الفكري ليس كاالنحراف األخالقي الذي يمكن عالجه بكلمات الوعظ والنصح واإلرشاد. وترجع ظاهرة االنحراف الفكري لألبناء إلى عوامل عدة كضعف التربية السليمة والصحيحة، وعدم وجود برامج وقائية استباقية لتكون بمثابة مناعة وحائط صد مقابل األفكار المنحرفة، واالنفتاح الشديد،

ووسائل التواصل االجتماعي التي جعلت العالم كالغرفة الواحدة. ومن ال يملك مناعة قوية منذ الصغر وليست لديه قناعات قديمة تربى عليها، قد يكون من ضحايا اإلنحراف الفكري. وال بد أن تكون التربية في سن مبكرة، فالطفل يتعلم في سنواته األولى أكثر بكثير مما يتصوره اآلباء، ونسبة كبيرة جدا من العمليات التربوية تتم في السنوات الخمس األولى، وقسم كبير من النمو العقلي واللغوي للطفل ونمو ذكائه وتفكيره يتم خالل األعوام القليلة األولى من عمره، وفي السنوات األولى يبنى الضمير اإلنساني، مما يجعل الطفل يميز الخطأ من الصواب. وكلما تم ترسيخ المعاني الطفل في صغره، انتظم تفكيره في الكبر، فاالنحراف الفكري الصغير يكبر مع مرور السنوات ليصير كبيراًا. وما بالك إن كان االنحراف كبيراًا من األساس باهمالنا ألصول التربية الصحيحة التي تتم من خالل ثوابت يتم العمل عليها، و منها: ترسيخ االنتماء للوطن، ومعرفة األفكار المنحرفة وتحصين الشباب ضدها، واالهتمام بالتربية في المدارس ووسائل اإلعالم والمساجد والبيوت وكل مؤسسات المجتمع المدني المعنية، وفتح المجال للحوار البناء وإبداء الرأي وتوضيح األفكار المبهمة و غير الواضحة وتوسيع المدارك الفكرية لدى األبناء. وهناك عالقة قوية بين األمن الفكري واألمن الوطني، فهو في مفهومه المطلق يعني تأمين الدولة والحفاظ على كل مصادر قوتها وهيبتها (السياسية والعسكرية واالقتصادي­ة واالجتماعي­ة) والمحافظة على استراتيجيا­ت الدولة. ومن هنا تبرز األبعاد الفكرية والمعنوية لألمن الوطني لضمان حفظ الفكر الصحيح والمرتبط بهوية الدولة واستقرار القيم المجتمعية التي تدعو إلى حفظ األمن واألمان لألفراد وللوطن، وتعزيز الترابط المجتمعي، ومواجهة كل ما يهدد هوية المجتمع، وعدم تبني أي أفكار هدامة تنعكس بشكل سلبي على جميع مناحي الحياة االجتماعية والسياسية واالقتصادي­ة، ألن الهوية الوطنية هي من ثوابت المجتمع والدولة، وكذلك األنظمة والقوانين واألعراف والقيم والمعتقدات والعادات والتقاليد. وهذا ما يحرص عليه أعداء أي وطن على استهدافه لتحقيق أهدافهم المنحرفة والعدوانية، واستهداف أهم شرائح المجتمع وهم الشباب واألطفال وتشويش أفكارهم ودعوتهم إلى االنحراف الفكري. لذا، فإن األمن الفكري هو من أهم الركائز للحفاظ على أمن الوطن وحمايته ووقايته من الجريمة.

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates