Emarat Al Youm

الأشجار المعمّرة في الإمارات.. تحت ظلالها عراقة ومشاهد تاريخية

- أبوظبي - وام

ترتبط الأشجار المعمّرة في دولة الإمارات ارتباطاً وثيقاً بجيل الأمس، إذ احتضنت تحت ظلالها الوارفة موروثاً شعبياً يكسبها أهمية وحضوراً اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وجمالياً لا حدود له وسط صحراء جافة مرامية الأطراف، إذ شكلت جزءاً مهماً من تاريخ المكان وذاكرة المجتمع.

وكثر من الأشجار حاضرة في وجدان المجتمع، سامقة بن الكثبان وعى رؤوس الجبال، ما يجعلها رمزاً حاضراً في التعامل اليومي مع مفردات الحياة، ودائمة البقاء في ذاكرة أبناء الإمارات.

وتعد الأشجار التاريخية والمعمرة في الإمارات شاهداً حياً عى حضارة الدولة، ومعالم لا تقل في أهميتها عن المعالم التاريخية والأثرية.

وتنتشر في الإمارات الكثر من تلك الأشجار، خصوصاً النخيل والغاف والسمر والسدر، وهي من الأشجار الوطنية التي لها منزلة خاصة، وكثراً ما تمت مراعاة ذلك في مشروعات الطرق، إذ تتزين بها الجزر الوسطى في شوارع الإمارات.

دور اجتماعي

ولعبت الأشجار دوراً اجتماعياً مهماً، إذ كان يمارس الأجداد تحت ظلالها مختلف الحرف والأشغال اليدوية، ويقيمون حولها الاحتفالات، واتخذوا منها أماكن للتدريس وحفظ القرآن الكريم، ونظمت أسواق كثرة في الماضي تحت ظلال أشجار الغاف

والقرط والسدر.

ومن شدة شغف الإمارات بأشجارها التاريخية والمعمرة، نفذت لأجلها جهات مختصة عدة مشروعات لحصرها وترقيمها باستخدام أجهزة تحديد الأماكن )جي.بي.إس( التي تحدد مواقع الأشجار عى مستوى الدولة من رأس الخيمة، مروراً بالعن وليوا، وصولاً إلى السلع، من أجل المحافظة عليها، لأنها ارتبطت بإنسان هذه الأرض، وأصبحت جزءاً أصيلاً من تراث هذا الوطن الغالي.

وما يمكن أن يسمى «ثقافة الأشجار» في دولة الإمارات حاضر في محاور الحياة جميعها، بدءاً من القصائد والروايات والأغاني، وصولاً إلى الطعام والزينة والبيئة، إلى جانب رمزيتها التي لا يدركها إلا من تمعن في أدق تفاصيلها، كونها تمثل نبض المكان وذاكرة الزمان، خصوصاً عندما تفتح ذراعيها دون تفرقة لعابري الصحارى والقاطنن بن كثبانها.

والزائر لدولة الإمارات يشده الحنن إلى الماضي البعيد مع رؤية الأشجار المعمرة وجذوع الأشجار المتحجرة، التي يقال إن عمرها يرجع إلى أكر من 300 عام، وتحولت إلى أحجار لونها كلون عود الطيب، ومتمثلة شكله، تدق عليها فتسمع دندنة المعدن، وتأخذ شكل الأشجار بسيقانها وأغصانها لتشهد عى عراقة الوطن ومدنه.

نخيل ذكي

وذكر المواطن عي بن محمد بن جرش المزروعي )65 عاماً( أن هذه الأشجار والجذوع اليابسة تنتشر وتظهر بكل وضوح في مواقع عدة، وتتميز بضخامة وصلابة جذوعها، مؤكداً أن هذه الجذوع تعود إلى أكر من ثلاثة قرون مضت.

ولم تفقد شجرة النخيل قيمتها ومقامها رغم التطور الذي تعيشه دولة الإمارات، ونالها منه جانب، فانتشرت أشجار النخيل الذكية، التي تحمل في قمتها أجهزة الاتصال الرقمي، لينعم الجالس تحتها بالظل وبالتواصل مع أي نقطة في العالم أيضاً.

وإذا كان للنخلة مكانة خاصة في قلوب أبناء الإمارات، فإن شجرة الغاف لها منزلة هي الأخرى، إذ تمدهم بالطعام والدواء والفيء، ما جعلها مرادفاً للعطاء والشموخ، وهي من الأشجار المعمّرة دائمة الخضرة، تعيش في ظروف بيئية ومناخية قاسية كأنها هدية الله لأبناء المكان الذين يعيشون في هذه البيئة الصحراوية.

ولأن الأشجار في الإمارات لها جذور ضاربة في التاريخ، سمي كثر من المواضع في الدولة بأسمائها. ولعل أبرزها موضع «الشبهانة»، وهو من المواضع الشهرة في أبوظبي، ويقع بالقرب من «السلع»، وسمي المكان نسبة إلى شجرة غاف كبرة ومعمرة لها تاريخ حافل، واتخذ تحت ظلالها الكثر من القرارات التاريخية التي غرّت من وجه المنطقة.

من ناحيته، قال المواطن مرشد عي مرشد المرر: «كان المؤسس الراحل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يجلس تحت ظلها كلما جاء لزيارة المنطقة».

وأضاف: «لا أحد يعرف تاريخ الشبهانة بالتحديد، وأنا رأيتها منذ بداية طفولتي، وسمعت عنها من الآباء والأجداد، فالشجرة تحمل فوق أغصانها الكثر من الذكريات، وتحت ظلالها اسراح العديد من حجاج بيت الله وعابري السبيل، وكما أن الشبهانة ارتبطت بالمؤسس الراحل، فإنها كانت شاهدة عى تطور المكان والإنسان».

مكانة خاصة

ولأشجار الغاف مكانة خاصة في الراث الإماراتي، وبرز ذلك من خلال الاهتمام الكبر من قبل الشيخ زايد، طيب الله ثراه، الذي كان يبدي حرصه الشديد عى هذه الشجرة، وأصدر توجيهاته بمنع قطعها في إمارات الدولة كافة، كما أمر باستزراع غابات جديدة واسعة من الغاف، حتى وصل عددها في أبوظبي إلى أكر من ستة ملاين شجرة تقريباً.

ومن أبرز الصور التي تجسد مكانة شجرة الغاف لدى الإمارات في الوقت الحاضر، تحولها إلى رمز وهوية خاصة، بعد اختيارها من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، شعاراً ل«عام التسامح »2019. فالغاف شجرة واكبت حياة الإماراتين، والتصقت

بوجدانهم وذاكرتهم الشعبية الحافلة بالذكريات والحنن.. فتحت ظلالها نسج الإماراتيو­ن حكاياتهم، وتحولت إلى مجالس لهم في وسط الصحراء.

وللشجرة صفات وخصائص استثنائية، إذ تنمو عى شكل مجموعات صغرة متقاربة، وبامتلاكها القدرة عى التأقلم كأنها تحاكي قصة الشعب الإماراتي المتجذر في أرضه كشجرة الغاف التي تغرس جذورها في أعماق الأرض، متحدية العواصف والأحوال المناخية القاسية، متأقلمة مع كل الظروف.

مجلس للمؤسس

وورد ذكر الأشجار التاريخية والمعمرة في الإمارات في كثر من المراجع الأجنبية، مثل شجرة الغاف التي كانت تعتر مجلساً للمغفور له الشيخ زايد أمام قصر المويجعي، والتي تحدث عنها الرحالة الريطاني مبارك بن لندن )ولفرد ثيسجر(، الذي قابل المغفور له الشيخ زايد عامي 1945 و1952 تحت هذه الشجرة المعمرة، ما يؤكد حب الأب المؤسس لها، والذي أولاها جل رعايته واهتمامه.

وتشر العديد من المصادر إلى أنه تحت ظلال الغاف الوارفة عقدت أهم لقاءات واجتماعات بعض حكام الإمارات، وتشهد عليها منطقة عود التوبة في مدينة العن، التي استمدت اسمها من شجرة الغاف التي مازالت تقف شامخة وشاهدة عى مرحلة مهمة من التحولات التاريخية.

مرشد المرر:

«لا أحد يعرف تاريخ شجرة الشبهانة بالتحديد، وأنا رأيتها منذ بداية طفولتي، وسمعت عنها من الآباء والأجداد .»

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates