Emarat Al Youm

روسيا تلعب لعبة حكيمة وناجحة في الشرق الأوسط

- أوليغ أوليكر* *مديرة برنامج أوروبا ووسط آسيا في المجموعة الدولية للأزمات ترجمة: حسن عبده حسن عن «الغارديان»

تشير الأحداث التي وقعت، أخيراً، في سورية إلى أن روسيا لم تحل مكان الولايات المتحدة في المنطقة، باعتبارها تقوم بدور الوسيط في الشرق الأوسط، وإنما تحقق عماً ناجحاً خال وجودها في هذا الموقع. وجاء الحدث الأخير عندما عقد الرئيس الروسي، فاديمير بوتن، لقاء مع نظيره الركي رجب طيب أردوغان. فبعد أن انتهت مهلة اتفاق وقف إطاق النار الذي رعته الولايات المتحدة في شمال وشرق سورية، قام الرجان بعقد اتفاقية لإجاء قوات وحدات حماية الشعب الكردي، من المنطقة العازلة القريبة من الحدود الركية. وستبدأ القوات الركية والروسية تسيير دوريات في المنطقة، الأمر الذي يمنحهما سيطرة مشركة عى المنطقة. ولكن في الوقت الذي تستحق فيه المهارة الدبلوماسي­ة الثناء، فإن الخسارة الأميركية يمكن أن تسبب الصداع لروسيا.

تحول

وقلة كانوا يتوقعون حدوث تحول في مسار الأحداث بهذا الشكل عام 2015، عندما شنت روسيا عملية عسكرية لدعم حكومة الرئيس بشار الأسد، الذي كان في تلك الفرة يواجه مخاطر فقدان السيطرة عى مناطق كبيرة من سورية، لمصلحة العديد من المجموعات الأخرى، مثل: قوات حماية الشعب الكردي، وقوات مدعومة من تركيا، وتنظيم «داعش» وآخرين.

وتمتلك روسيا العديد من الأسباب التي تجعلها تدعم الرئيس السوري، فقد كان صديقاً لموسكو، وكذلك والده من قبله. وكان الكرملن يشعر بالقلق من أن سقوط حكومة الأسد سيؤدي إلى انتشار الفوضى في الدولة، أو أن يحل تنظيم «داعش» مكانها. ومن وجهة نظر جيو-اسراتيجية، عارضت روسيا تدخات «تغيير النظام» التي تدعمها الولايات المتحدة في المنطقة، وكانت ترفض إسقاطه. وكانت موسكو متلهفة، أيضاً، لإنشاء نفوذ لها في الشرق الأوسط، وتقدم نفسها باعتبارها شريكاً موثوقاً به. وعى الرغم من أن تدخلها في سورية كان يمثل معارضة مباشرة لجهود الولايات المتحدة، فإنه من المرجح أن موسكو اعتقدت أنه حالما تتمكن من فرض نفسها كقوة يحسب لها الحساب، فإنها تستطيع ترسيخ أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة، وتتفق عى بعض الرتيبات مع الأميركين حول مستقبل سورية، وفي الوقت نفسه تقوم بمحاربة تنظيم «داعش»، وبالتالي فإنها ترسخ نفسها باعتبارها قوة عظمى، وتساعد عى إعادة إنشاء العاقات بن الدولتن.

آثار حاسمة

بالطبع، إن التدخل الروسي في سورية كانت له آثار حاسمة، حيث رجحت كفة الرئيس الأسد في القتال. لكن تعاون المعارضة مع الأميركين كان ينطوي عى الكثير من المراوغة. وفي الوقت الذي لم تكن فيه واشنطن ترغب بتقاسم النفوذ في المنطقة، ظهرت طريقة أخرى مختلفة وغير متوقعة. وأدى التدخل الأميركي الخجول والمردد، إضافة إلى المهارة الدبلوماسي­ة الروسية، إلى جعل روسيا تصل إلى موقع تحسد عليه في سورية، والمنطقة عموماً.

واتضح كل ذلك خال الأسبوعن الماضين، منذ أن أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب،

سحب القوات الأميركية من سورية للمرة الثالثة خال 18 شهراً، لكن هذه المرة كان الإعان يحتوي بصورة ضمنية عى منح الضوء الأخضر لركيا، للتحرك إلى منطقة شمال شرق سورية، التي تسيطر عليها «قوات سورية الديمقراطي­ة» المدعومة من الولايات المتحدة، إضافة إلى وحدات حماية الشعب الكردي. وقامت روسيا من جانبها بالوساطة لرتيبات تكتيكية بن وحدات حماية الشعب الكردي والحكومة السورية، ودعمت قوات الحكومة السورية في توجهها نحو الحدود مع تركيا، وجعلتها تحافظ عى مسافة بينها وبن القوات الركية، والآن وقعت اتفاقية مع أنقرة.

علاقة طيبة

وكان الحفاظ عى عاقة طيبة مع جميع الأطراف جوهر سياسة موسكو في الشرق الأوسط. وبخاف الولايات المتحدة، التي قسمت المنطقة تاريخياً إلى أصدقاء وأعداء، فقد كان أسلوب روسيا براغماتياً، إذ إنها عندما كانت ترى مصالح مشركة مع دولة معينة، كانت تطورها إلى درجة التعاون. لكن عندما تتضارب هذه المصالح فإنها تقبل أن يقوم كل طرف بما يستطيع القيام به كي يحصل عى ما يريد، ويقومان في الوقت ذاته بالتنسيق في قضايا أخرى. وكان عدم الاهتمام في انتقاد الدول الأخرى، في ما يتعلق بانتهاك حقوق الإنسان )روسيا نفسها متهمة باستهداف المدنين في سورية(، يسهم في قبول روسيا من قبل العديد من دول الشرق الأوسط.

وبالنظر إلى أنها كانت شريكاً للجميع وحليفاً للقليل منهم، كانت موسكو قادرة في الوقت ذاته عى حماية الحكومة السورية، وغض الطرف عن الغارات الجوية الإسرائيلي­ة ضد الوجود الإيراني في سورية، ومساعدة إسرائيل وإيران عى تجنب الاشتباك المفاجئ بينهما.

وعملت بصورة منتظمة عى تحسن عاقاتها مع السعودية. لكن في الوقت الذي يبدو فيه موقع موسكو في الشرق الأوسط ينطوي عى فوائد كثيرة لها، إلا أنه كان ينطوي عى تحديات كبيرة. ففي الوقت الذي يتمكن فيه الرئيس الأسد من السيطرة عى السلطة بصورة كاملة في سورية، تبدو رغبته في اتباع قيادة موسكو ضعيفة، ومن المرجح أن تزداد ضعفاً في ما بعد. وتمنح عاقة روسيا مع أنقرة نفوذاً متواصاً عى دمشق. لهذا فإنه سيفي بتعهداته إلى حد ما لحماية مصالح وأمن الأكراد. لكن لا دمشق ولا أنقرة عى استعداد لتقديم أي تنازلات لوحدات «حماية الشعب الكردي ،» الأمر الذي يطرح تساؤلات حول ما يمكن أن تقوم به موسكو، وإلى أي مدى يمكن أن تحافظ موسكو عى عاقات جيدة مع الأطراف الثاثة.

ومع تقدم الزمن لاتزال أهداف روسيا كما هي ولم تتغير، وتتمثل في رغبتها بسيطرة الرئيس الأسد عى سورية المستقرة، والقبول الدولي بحكمه المتواصل، إضافة إلى ضمان وجود نفوذها عى المدى الطويل في المنطقة. وفي الوقت ذاته، فإنها لا تريد الاحتفاظ بالتزام عسكري كبير في سورية، عى الرغم من أنها تريد إنشاء قاعدة أو اثنتن فيها.

بالنظر إلى أنها كانت شريكا للجميع، وحليفا للقليل منهم، كانت موسكو قادرة في الوقت ذاته على حماية الحكومة السورية، وغض الطرف عن الغارات الجوية الإسرائيلي­ة ضد الوجود الإيراني في سورية، ومساعدة إسرائيل وإيران على تجنب الاشتباك المفاجئ بينهما.

 ?? رويترز ?? روسيا ترعى مباحثات كتابة دستور جديد بين الحكومة والمعارضة السورية.
رويترز روسيا ترعى مباحثات كتابة دستور جديد بين الحكومة والمعارضة السورية.
 ?? إي.بي.إيه ?? عقد بوتين وأردوغان اتفاقية لإجلاء القوات الكردية من المنطقة العازلة القريبة من الحدود التركية.
إي.بي.إيه عقد بوتين وأردوغان اتفاقية لإجلاء القوات الكردية من المنطقة العازلة القريبة من الحدود التركية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates