Emarat Al Youm

الظروف المصاحبة لظهور «داعش» لاتزال موجودة

- اتش ي هيليار *

الجهل الكبير لهذه المجموعة بالإسلام هو الذي جعل معظم المسلمين يعتبرونها منحرفة وكافرة، على الرغم من جهود هذه المجموعة للادعاء بعكس ذلك.

حتى في سورية، فإن معظم الشعب السوري الذي عاش في ظل حكم بشار الأسد لم ينضم إلى مجموعات مثل «داعش»، على الرغم من أن السوريين عانوا كثيرا في الحر ب الأهلية.

في الوقت الذي بدأ فيه العالم يحلل ما الذي يمكن أن يعنيه موت زعيم «داعش» أبوبكر البغدادي، ثمة ما يغوي المرء لاعتقاد بأن هذه المجموعة الإرهابية قد انتهت من هذا العالم أخراً. وعلى الرغم من أن ثمة أسباباً تدعو للفرح بهذه المناسبة، إلا أنه من الواضح أن خطر تنظيم «داعش» سيبقى ماثاً، طالما أن العالم فشل في معالجة الظروف التي أدت إلى ظهوره في المقام الأول.

وكان البغدادي قد نصّب نفسه زعيماً دينياً على منطقة كبرة تقطنها غالبية من المسلمين، وكان يتمنى أن يحصل من خال هذه الزعامة على الولاء من مسلمي العالم، ولكن ذلك لم يحدث، إذ إن معظم المسلمين رفضوه، وكانت غالبية ضحاياه من المسلمين، إضافة إلى عدد من اليزيديين والمسيحيين والأكراد والعراقيين والسوريين والأتراك وآخرين. وكان سكان العراق وسورية أكثر من تعرضوا لبطش هذا التنظيم الوحشي، سواء كانوا مسلمين أو غر مسلمين، وكانوا أكثر الأشخاص الذين عانوا جراء قتالهم لتنظيم «داعش»، وهم أكثر الناس شعوراً بالارتياح بعد موت البغدادي الآن.

وكان اتباع البغدادي يروجون له باعتباره سلطة دينية تمثل جوهر الإسام، ولكن السلطات الدينية الإسامية داخل المنطقة وخارجها رفضته وجماعته، باعتبارهم يروجون للكفر والانحراف. ورفضت الأغلبية الساحقة من المسلمين في شتى أنحاء العالم البغدادي، ولم تأخذ قيادته على محمل الجد.

وفي واقع الأمر، فإن هذا الرجل الذي حاول تزعم العالم الإسامي لا يملك أية صدقية تؤهله لذلك، فهو يحمل شهادة في الشريعة من جامعة مغمورة لا يعرف بها حتى اتباعه. وبالنسبة للسلطة الدينية الإسامية الحقيقية، فهي كانت ترى أن الخاف الأساسي في الرأي مع هذا التنظيم المتطرف هو ما إذا كانت أفكاره كافية لإبعاد أي شخص من الدين الإسامي تماماً واعتباره مرتداً، وأن هذه الأفكار كانت خاطئة على نحو كبر. وكان الجهل الكبر لهذه المجموعة بالإسام هو الذي جعل معظم المسلمين يعترونها منحرفة وكافرة، على الرغم من جهود هذه المجموعة لادعاء بعكس ذلك.

والآن أصبح تنظيم «داعش» يفتقر إلى الزعيم والأراضي التي يقيم عليها، ولكنه لن يندثر ببساطة. ومنذ أن عانى التنظيم من خسارة المناطق التي كان يسيطر عليها في العراق وسورية، تغر التنظيم من الداخل، أي ظهر العديد من الفرق والفروع في شتى أنحاء العالم، والتي كانت تركز على المخاوف والمظالم التي كانت تعاني منها المنطقة التي ظهرت فيها هذه التنظيمات المتفرعة عن «داعش». وهذه العملية لاتزال جارية حتى الآن، وربما أن موت البغدادي يمكن أن يعمل على تسريع وترتها. وربما يعني هذا أن أعضاء التنظيم يغادرون فروعاً معينة للتنظيم وينضمون إلى مجموعات إرهابية أخرى، وربما يعني أن هذه الفروع يمكن أن تنتقل برمتها إلى مجموعات أخرى بصورة كلية، ولا يدري أحد ما سيجري حتى الآن.

ولكن ما هو جلي تماماً أن العوامل التي التأم فيها هؤلاء الأشخاص فيما بينهم لتشكيل تنظيم إسامي، من الممكن أنها لاتزال موجودة حتى الآن، إذ إن الدعامة الأيديولوج­ية للمجموعة المتطرفة، وهي عبارة عن اقران بين نوعين من التفسرات الدينية المعاصرة والبدع )وهما فرعان من التيار الديني المتشدد( لايزال لديها العديد من الأنصار. وفي هذا الصدد، فإنها قد تعتر متشابهة مع حركة المسيحية الإيجابية التي كان يروج لها الرايخ الثالث في الفرة النازية في ألمانيا، والتي كانت تعتر بعيدة عن أي تقاليد معروفة لاعراف المسيحي.

وفي نهاية المطاف، فإن المسيحية الإيجابية اندثرت الآن، حيث تم رفضها من قبل الكنائس المسيحية، ولكن مع نهاية النازية كهيكلية حكم، فإنها فقدت مصدر دعمها. ووجد النازيون الجدد أنفسهم يحاولون اخراق المجتمع عن طريق وسائل أخرى.

ولكن تعرُّض البعض

للمظالم في منطقة الشرق الأوسط يجعلهم أكثر مياً نحو الانضمام إلى مجموعة «داعش» الإرهابية، خصوصاً في سورية، فبعد الحرب الأهلية الطاحنة، التي عصفت بهذا البلد، أصبح هناك الكثر من الأشخاص الذين يشعرون بأنهم ظلموا، وأنهم يريدون الانتقام من ظالميهم.

وفي الحقيقة، فإنه حتى في سورية، فإن الغالبية العظمى من الشعب السوري التي عاشت في ظل حكم الرئيس بشار الأسد لم تنضم إلى مجموعات مثل «داعش»، على الرغم من أن المدنيين السوريين عانوا كثراً في الحر ب الأهلية، وتعرضوا للكثر من الانتهاكات لحقوق الإنسان والقمع، إلا أن المجموعات الإرهابية لم يكن لها الكثر من المناصرين في هذا البلد.

وفي نهاية المطاف، لابد من القول إن البغدادي سيكون معروفاً في المستقبل بأنه إرهابي فاشل، ألزم نفسه بعقيدة كافرة تمثل طموحات بأوهام العظمة، وبناءً عليه فقد جلب مآسي عظيمة للمايين من السكان السوريين والعراقيين، وفي النهاية انتحر وهو هارب من العدالة. * باحث في معهد كارنيج للسلام الدولي ترجمة: حسن عبده حسن عن «فورين بوليسي»

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates