Emarat Al Youm

الاتحاد الأوروبي يعيش «عصر المه

- ستومير سيراكوفسكي *

في عام 2004 كتب عالم الاقتصاد الأمركي جرمي ريفكند كتاباً بعنوان «الحلم الأوروبي»، حقق شهرة واسعة، حيث ادعى من خاله أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرناً أوروبياً بامتياز، لأن العالم سيعتمد على أوروبا. وكانت وجهة نظر ريفكند تتمثل في أوروبا المتماسكة مع بعضها، وتنطلق من فكرة «الوحدة في التنوع»، ويمكنها أن تكون الجانب الأكر فاعلية في العولمة. وكان من المفروض أن تمثل أوروبا «إدراكاً جديداً للعولمة،» و«حرية من عبودية المادية» التي «سيحل مكانها التعاطف.»

ونحن ندرك جميعاً كيف آلت الأمور الآن في العالم، فقد أصبحت الولايات المتحدة المادية، التي توقع ريفكند أن تتغلب عليها أوروبا، ذات قدرة أفضل في التعامل مع الأزمة المالية. وسلط البريكست، والأزمات في اليونان، وكتالونيا، وانهيار الديمقراطي­ة الليبرالية في وسط وشرق أوروبا، الضوء على أوجه القصور في فكرة الوحدة في التنوع، وكشفت ردة الفعل الأوروبية العدائية تجاه المهاجرين الهاربن من الحروب أو الجوع أن التعاطف فشل في التغلب على المادية.

ويبدو أن الخطأ ليس من أوروبا وإنما من ريفكند نفسه، لأن أوروبا لم تكن ناجحة في حينه، ولم تحقق النجاح الآن. وفي الوقت الذي يشارف عام 2019 على نهايته تقريباً، يبدو الاتحاد الأوروبي في حالة من العجز والضعف أمام أهم التحديات، المتمثلة في الاندماج الاقتصادي والسياسي لاتحاد، وتشكيل سياسة حول الدفاع المشترك، وحتى الحفاظ على معاير أساسية لحكم القانون في الاتحاد.

إقالة القضاة

وعلى سبيل المثال كانت الحكومة البولندية ترد على قرار محكمة العدل الأوروبية في ما يتعلق بانتهاكات استقالية القضاء عن طريق إدخال قانون يسمح بإقالة قضاة الدولة لانتقادهم انتهاكات الدستور البولندي، وعندما ادعى قادة الحزب الحاكم المعروف باسم «القانون والعدل» أن «هذه الطبقة من الشعب يجب ضبطها»، أي حكم الشعب بالقوة، فما الذي استطاع الاتحاد الأوروبي فعله؟

ولم يركز ريفكند كثراً على الصن التي كان ظهورها كقائد عالمي لم يعمل على زحزحة الولايات المتحدة من عرشها كأكبر مصدر للبضائع فقط، وإنما الاتحاد الأوروبي أيضاً، وأصبحت الصن الآن أكبر مصدر في العالم، وباعتبارها أكبر مصنع للسيارات الكهربائية في العالم، فربما تتغلب قريباً على ألمانيا لتصبح في صدارة العالم في مجال صناعة السيارات أيضاً، ولكن لم تواجه الولايات المتحدة أي تهديدات كبرة حتى الآن في وضعها كزعيمة العالم في المجالات العسكرية والطاقة الإبداعية.وفي واقع الأمر نشهد الآن انعكاساً في الأدوار بن أوروبا والصن مقارنة بالقرن التاسع عشر، وبالنسبة للصن فقد كان القرن التاسع عشر «عصر المهانة،» وهي فترة الهيمنة الأوروبية على الصن، حيث سيطرت عليها الإمبراطور­يات الفرنسية والبريطاني­ة والألمانية، إضافة الى روسيا

والولايات المتحدة. وعملت هذه القوى الأجنبية على فرض اتفاقيات تجارية مهينة مع الصن، وعملت على إخضاع الصن واستغالها اقتصادياً وسيطرت عليها سياسياً.

اختراق

وفي أيامنا هذه يبدو الاتحاد الأوروبي شبيهاً بالصن في القرن التاسع عشر، وإن كان لايزال إمبراطورية غنية لا يمكن احتالها من قبل الآخرين، لكنها ضعيفة بما يكفي لتعرضها لاختراق والاستغال، وفي الوقت ذاته لعبت الصن حالياً دور أوروبا سابقاً، حيث تقوم شركاتها ومستثمروها باختراق الاقتصاد الأوروبي وتتوسع في نفوذها هناك.

ويعمل المستثمرون الصينيون على شراء أفضل المصانع الأوروبية بما فيها جوهرة صناعة الروبوتات الألمانية «كوكا»، إضافة إلى أضخم موانئها بما فيها «دويسبرغ» في ألمانيا، الذي يعتبر أضخم ميناء داخي في العالم، و«براوز» في اليونان، وتعمل الشركات الصينية على توقيع اتفاقيات اقتصادية غر متساوية وتسعى لقهر الاتحاد الأوروبي تدريجياً، حيث تبدأ بالحلقات الأضعف، خصوصاً في شرق وجنوب أوروبا، مثل هنغاريا، واليونان، والبرتغال.

والأسوأ من كل ذلك أنه ليس هناك أي ردة فعل من الاتحاد الأوروبي، وثمة خطة متهالكة لبناء شركات صناعية كبرة، لكن مع ذلك يتم إعاقة الخطة خوفاً من انتهاك قواعد المنافسة في الاتحاد الأوروبي. ولا يعرف الاتحاد الأوروبي ما الذي يمكن أن يفعله، وإضافة الى ذلك، يحافظ القادة الأوروبيون على صمتهم إزاء تساؤلات حول انتهاك حقوق الإنسان، وعلى الرغم من الاحتجاجات الجارية في هونغ كونغ، وإصدار الكونغرس الأمركي تشريعات تهدد بفرض عقوبات على المسؤولن الصينين والهونغ كونغين، لارتكابهم انتهاكات

إذا استمرت حالة الركود هذه فإن السؤال الوحيد الذي يطرح نفسه ما إذا كانت أوروبا ستصبح تابعة للولايات المتحدة أو للصين، ويبدو أن ذلك سيتحدد خارج دول الاتحاد الأوروبي. وإذا فاز أتباع الانعزالية في أميركا فإن أوروبا ستصبح تابعة للصين، وإذا حافظت الولايات المتحدة على موقف المواجهة مع الصين فإن أوروبا ستظل معتمدة على أميركا.

 ?? أرشيفية ?? تظاهرات عدائية في ألمانيا ضد المهاجرين الهاربين من الحروب أو الجوع كشفت أن التعاطف فشل في التغ
أرشيفية تظاهرات عدائية في ألمانيا ضد المهاجرين الهاربين من الحروب أو الجوع كشفت أن التعاطف فشل في التغ
 ?? أرشيفية ?? ميناء دويسبيرغ في ألمانيا اشترته الشركات الصينية خلال تغلغلها في أوروبا.
أرشيفية ميناء دويسبيرغ في ألمانيا اشترته الشركات الصينية خلال تغلغلها في أوروبا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates