Emarat Al Youm

الوحدة اإلسالمية المنشودة مفهومها وواقعها

- د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد *

عقد املجلس العاملي للمجتمعات املسلمة يف أبوظبي مؤتمراً عامليًا مهمًا، بعنوان «الوحدة اإلسالمية الفرص والتحديات»، وهو العنوان األبرز يف ثقافة األمة اإلسالمية، وذلك من واقع إيماين، ومفهوم خالطه لبس كبري، واستغل استغالال سيئا من قبل ذوي األيديولوج­يات االنتهازية، ولم يدر بخلد مؤسسة علمية أو ثقافية بحث هذا املفهوم وتقريبه للعالم اإلسالمي، فكان فرصة الستغالله استغالال غري سديد.

وجاء املؤتمر الذي حضره حشد من علماء األمة اإلسالمية، ليبحث هذا املفهوم، من واقع نصوص الوحيني، وكالم أهل العلم املعتربين، وواقع العصر الذي نعيشه، وأمل األمة يف مستقبلها.

لقد عاىن الفكر اإلسالمي املختطف من املفاهيم األحادية التي أمليت عىل الناس، وانتشرت وذاعت، حتى تبني للناس بطالنها، فكان البد من تصحيح الفكر والنظر للمفاهيم اإلسالمية التي تعرب عن أصلها ومصريها.

إن الوحدة اإلسالمية هي وحدة ربانية، نصت عليها اآليات القرآنية الكريمة واألحاديث النبوية الشريفة، كقوله تعاىل: {إن هذه ُأ َّم ُت ُك ْم ُأ َّم ًة َوا

ٌَِ ِحَد ًة وأنا ربكم فاعُبدون}، فوصف الله تعاىل هذه األمة بأنها «أمة واحدة»، ألنها تؤمن بنبي واحد، ولها كتاب واحد، وشريعة واحدة، وعبادتها لربها عبادة واحدة، ولها مقومات إيمانية ومكارم أخالقية واحدة، وهي يف الوقت نفسه تقابل أطرافا أخرى مفرتقة الديانات والعبادات واملشارب الفكرية، وجميع تلك األطراف يف حقيقتها تعد أمة أخرى؛ ألنها تقابل الحق الذي بعث الله به األنبياء واملرسلني أجمعني، وهو اإلسالم الذي هو الدين الذي اصطفاه الله لنفسه، ولم يرتض دينا سواه.

فالوحدة اإلسالمية إذا هي وحدة العقيدة والشعائر الدينية، ال وحدة السياسة والزعامة، كما ُر ِّوج لها ِردحًا من الزمن، وإال لكانت املمالك اإلسالمية املتعددة والشعوب املختلفة قد ناقضت ما أخرب الله

ٌُ تعاىل به عن حالها، ومعلوم أن خربه سبحانه ذلك، محكم غري منسوخ؛ ألن األخبار ال يدخلها النسخ اتفاقا، وواضح غري مجمل، وقد عاشته األمة اإلسالمية واقعا منذ 14 قرنا ونيفا، وهي تستشعر هذه الوحدة الروحية واإليمانية، وإن اختلفت شعوبا وقبائل وممالك، فذلك هو واقعها املايض والحاضر واملستقبل، وال سبيل إىل تغيري الواقع املمكن باملتصور املستحيل.

نعم نحن ال ننكر أن األمة اإلسالمية عاشت عصورا متوحدة سياسيًا، وكانت لها يٌد طوىل يف املشارق واملغارب، إال أن ذلك أمر فرضه واقعها، وساعدتها ظروفها، فإذا تغريت الظروف، تعني التعايش مع املمكن الذي هو من مفهوم األمة الواحدة يف اإلسالم، فهو مفهوم مِر ٌن، يحقق املقاصد الكربى لألمة اإلسالمية والبشرية؛ من التعارف، والتعايش، والتعاطي مع حضارة العصر بإيجابية، مع الحفاظ عىل تراثنا وأسس ديننا العظيم. إن األمة اإلسالمية هي األمة التي نشرت العلم يف املشارق

ًُ واملغارب، وأقامت حضارات، وتعايشت مع ثقافات األمم تعايشا إيجابيا، مكن البشرية من التقدم الصناعي والتقني، والزالت أمتنا تفيد البشرية بكل مقومات الحضارة اإلنسانية من خالل ثقافتها العلمية والعاملية، وهي تنتمي لقبائل وشعوب مختلفة اللسان واللون والعرق، وينظر إليها اآلخر بأنها أَّمٌة واحدة، فال يفرق بني املسلم املشرقي واملغربي واآلسيوي واإلفريقي؛ ألن القاسم املشرتك بيننا هو اإلسالم الذي نعتقده وندين الله تعاىل به، فهذا النظر من اآلخر يمثل وحدة لنا، وال يضرينا تنوع السياسة والجنسيات.

الوحدة اإلسالمية التي ينشدها املسلمون وحدة مقدسة، يجب أن تصان عن التحريف واحتكار املعنى الذي ال يمكن تحقيقه واقعا؛ ألن ذلك يعد تعِّديًا عىل املفهوم القرآين املصون عن تحريف الغالني، وتأويل الجاهلني، ويف األمة اإلسالمية رجال أفذاذ ال يقبلون مثل ذلكم االحتكار، وقد أخذ الله تعاىل عليهم العهد ببيان الحق وعدم كتمانه. وها هو املؤتمر قد أبان حقيقة هذا املفهوم، وسيعمل عىل نشرها بني الشعوب اإلسالمية وإيصالها للشعوب األخرى، حتى يعلم الجميع أن املفهوم األيديولوج­ي الذي ساد فرتة من الزمن ليس هو املفهوم الحق يف نظر اإلسالم.

والله يقول الحق ويهدي من يشاء إىل صراط مستقيم.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates