Emarat Al Youm

مصارحة المرضى.. «وصفة علاجية» لا تُصرف في الصيدليات

- وجيه السباعي دبي

أولت النصوص الطبية في اليونان القديمة الرأفة واللطف في مخاطبة المرضى أهمية بالغة حتى قبل تشخيص المرض.

ونصحت الأطباء بأن يتوخوا الحذر في تعاملهم مع مرضاهم، محذرة من الأثر النفي السيئ للغطرسة، أو التعليقات أو الإشارات السلبية، الموجهة للمرضى.

ويتلقى طلبة كليات الطب، اليوم، دروساً حول تأثير اللطف في نفسية المريض. ولعل أبرز ما يميز طبيباً عن آخر نجاحه في خلق عاقة خاصة مع مرضاه، كما لو كان أحد أفراد عائلتهم، الأمر الذي يعزز من فرص الشفاء.وقال أشخاص ل«الإمارات اليوم» إن تجربة الأزمة الصحية العالمية كشفت عن نوع من المباشرة غير الضرورية في أداء كثير من الأطباء، لافتين إلى أنهم كانوا ينقلون إليهم خر الإصابة بفيروس كورونا بطريقة سببت لهم قلقاً شديداً. وأضافوا أن «الأسلوب اللطيف أهم من روشتة العاج.»

ولفت أطباء إلى أن الأسلوب الذي يتبعه الطبيب لمصارحة مريضه هو ما يحدد طبيعة التأثير الذي سيرسب في نفس المريض لاحقاً، وينعكس عى استعداده لمواجهة مرضه، محذرين من الأسلوب الخشن في الكشف عن تفاصيل الحالة الصحية للمريض، خصوصاً إذا كان ممن يعانون أمراضاً مزمنة أو خطرة، لأن تجاهل حاجة المريض إلى اللطف قد يؤدي إلى تفاقم حالته الصحية، ويعرضه لأمراض أخرى إلى جانب مرضه.

وتفصياً، قال أشخاص إنهم عاشوا تجارب قاسية بسبب الطريقة التي لجأ إليها أطباء لنقل أخبار إصابتهم، أو إصابة أشخاص آخرين من أقربائهم بأمراض خطيرة. وأضافوا أن الأسلوب نفسه قد يكون جزءاً من العاج أو

جزءاً من المرض، تبعاً لتأثيره.

وتابعوا أن القوانين لا تعاقب الطبيب عى التصرف بخشونة أو التلفظ بعبارات فظة، لأن هذه المشاعر نابعة من الشخص نفسه ولا يمكن فرضها، لافتين إلى أن تجربة الأزمة الصحية العالمية كشفت عن خشونة في أداء بعض الأطباء، إذ كانوا ينقلون لهم خر الإصابة بفيروس «كورونا» بطريقة تشعر المصاب بأنه موشك عى الموت.

وأكد رئيس اللجنة العليا للمسؤولية الطبية في الدولة، الدكتور عبدالرزاق مدني، أن مصارحة الطبيب لمريضه حول حالته الصحية لا ينتج عنها أي مسؤولية قانونية، خصوصاً في الأمراض الخطرة التي يجب أن يكون المريض عى علم بها منذ البداية.

وأوضح أنه «عى الرغم من وجوب المصارحة فإن عى الأطباء استخدام أسلوب مناسب لا يعود بأثر نفي سيئ عى المريض، فمثاً في حال ثبت أنه مصاب بالسرطان، أو أي مرض آخر خطير، قد يلجأ الطبيب إلى إخبار الأهل أولاً، ثم بشكل تدريجي يخر المريض بحقيقة مرضه حتى يستجيب للإجراءات العاجية المحددة».

وشدد عى ضرورة مراعاة البعد النفي للمريض إلى جانب الأمانة الطبية التي تستوجب المصارحة والمكاشفة حول طبيعة المرض، والتي قد تكون أساس العاج والتعافي.

وقال استشاري الطب النفي في مدينة خليفة الطبية في عجمان، الدكتور محمد حسن فرج الله، إن شفافية الطبيب مع المريض حول حالته الصحية حق للمريض بحكم الأعراف الطبية وأخاقيات مهنة الطب، التي تقرر أن من حق كل مريض أن يطلع عى حالته الصحية، وأن يتأكد الطبيب من تفهمه لوضعه ليتمكن من المشاركة في اتخاذ القرار حول الخيارات العاجية المتوافرة، وهذا المفهوم يسمى في الطب «الاستقالية».

ولفت فرج الله إلى أن إخفاء حقيقة الحالة الصحية للمريض يرتب عليه اهتزاز الثقة في الطبيب، ويلغي حق المريض في اتخاذ القرار حول خيارات الخطة العاجية.

وحول إمكان أن تؤدي الشفافية الزائدة حول حالة المريض إلى تدهور الحالة الصحية له، أفاد بأن تحقيق مصلحة المريض العليا هي المفهوم الأساسي الذي يحكم عاقة المريض والطبيب، ولا يمكن تحقيق هذه المصلحة دون الصراحة معه حول وضعه الصحي، بما يمكنه من المشاركة في القرارات التي تؤثر عى صحته وحياته، والاستثناء الوحيد إذا كان المريض لا يرغب في معرفة الحقيقة، أو إذا كانت رغبته أن توكل المهمة للأسرة عى سبيل المثال.

وذكر أن الآثار النفسية المرتبة عى المصارحة يمكن تافي معظمها بمهارة الطبيب الذي يطلع المريض عى حقيقة الوضع الصحي، مؤكداً أن «هذا فن من فنون الطب» يدرس في كليات الطب ويسمى «فن نقل الأخبار السيئة»، ويتطلب معرفة ثقافة المريض

ورغبته في مقدار معرفة الحقيقة، أو ربما رغبته في توكيل الأسرة في الإنابة عنه، كما يتطلب التدرج وإبداء التفهم.

وأكد أن الوصفة الآمنة لعاقة الطبيب بمرضاه تتمثل في معرفة وتفهم الخلفية الثقافية للمريض وأسرته، وتقدير الاهتمام الذي تبديه الأسرة بالمريض ورغبتها في إخفاء الحقيقة عن المريض في بعض الأحيان، دون الانصياع لهذه الرغبة إلا إذا كان هذا ما يطلبه المريض، ومحاولة مناقشة وتخفيف مخاوف الأسرة من أثر مصارحة المريض عى وضعه النفي.

كما أن التدرج في إيصال الأخبار السيئة واختيار الزمان والمكان والطريقة المناسبة لإيصالها من الأهمية بمكان.

وأضاف: «من الأفضل للطبيب أن يحرم رغبة المريض التي قد تراوح بين معرفة الحقيقة الكاملة أو معرفة القدر الذي يريده، أو في بعض الأحيان إنابة الأسرة أو أحد أفرادها في معرفة ونقل حقيقة وضعه الصحي».

من جهته، قال استشاري طب الأسرة، الدكتور عادل سجواني، إن «واجب الطبيب إخبار المريض بكل تاريخه المرضي، حتى إن كانت بعض الأخبار سلبية، مثل اكتشاف السرطانات والأمراض المزمنة أو المعدية، فمن حق المريض أن يعرفها بشكل كامل».

وأضاف أن «عى الطبيب أن يتمتع بمهارات توصيل المعلومة للمريض بشكل جيد لا يضر بصحته النفسية، ولا يؤثر سلباً فيه»، مؤكداً أن «كتمان بعض الأمور عن المريض له تبعات سلبية، ستكشف عاجاً أو آجاً. وفي الوقت

الدكتور عبدالرزاق مدني:

«يجب على الأطباء عند المصارحة استخدام أسلوب مناسب لا يعود بأثر نفسي سيئ على المريض.»

نفسه عى الطبيب ألا يتعجل في تشخيص المريض قبل الاطاع الدقيق عى الفحوص والتقارير الطبية كافة .»

ولفت إلى أن بعض الأطباء يقومون بالتشخيص المبكر للحالة المرضية بمجرد الاطاع عى الأعراض، الأمر الذي قد يؤثر بشكل سلبي عى المريض، وقد يدخله في مشكات صحية كبيرة وعواقب صحية ومالية.

من جانبها، أكدت الأخصائية النفسية الإكلينيكي­ة في مستشفى الأمل بدبي، الدكتورة ليى الما، أن الشفافية بين الطبيب ومرضاه يجب أن تكون أساس العاقة، إلا أن أسلوب الطبيب في نقل المعلومة قد يكون دواء أو داء.

وأكدت الما أن «معرفة المريض طبيعة حالته الصحية حق مهني وأخاقي»، إلا أنه يجب أن يتم وفق ضوابط خاصة، حيث إن «الحالة النفسية للمريض تؤثر سلباً وإيجاباً في قوة الجهاز المناعي الذي يتصدى للمرض بشكل عام.»

وشددت عى ضرورة مراعاة الجانب الإيجابي المشرق دائماً في نقل المعلومات، سواء كان من طبيب لمريض أو من مريض لآخر، كما يمكن أن يتغاضى الطبيب عن الإفصاح عن حقيقة الحالة الصحية للمريض في حال شعر بأن حالته النفسية غير مستقرة، ويستعيض عن ذلك بإباغ أسرته.

وأكد أهمية مراعاة الجانب النفي للمريض خال مرحلة عاجه، حيث يؤثر بشكل كبير عى الجهاز المناعي للجسم، بالقوة أو الضعف، لذا يجب أن تكون الشفافية والمصارحة حول طبيعة المرض قائمة عى ضوابط تحكمها الإيجابية في كل الأحوال.

الدكتور محمد فرج الله:

«من حق كل مريض أن يطلع على حالته الصحية، ليتمكن من المشاركة في اتخاذ القرار حول الخيارات العلاجية .»

الدكتور عادل سجواني:

«على الطبيب أن يتمتع بمهارات توصيل المعلومة للمريض بما لا يضرّ بصحته النفسية.»

 ?? ?? العلاقة بين الطبيب ومرضاه تحكمها ضوابط مهنية وإنسانية. ⬛ أرشيفية
العلاقة بين الطبيب ومرضاه تحكمها ضوابط مهنية وإنسانية. ⬛ أرشيفية
 ?? ??
 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates