Emarat Al Youm

ضجّة أثارها الأمير هاري حول مقتل 25 «طالبانيا» تفضح منتقديه أكثر

الحقائق الكئيبة عن التدخل المباشر للجيش البريطاني في العراق وأفغانستان ليست سرا.

- باتريك كوكبيرن* ترجمة: حسن عبده حسن ⬛ عن «كاونتر بانش»

تكشف الضجة التي أثارها الأمر الريطاني، هاري ويندسور، الذي تعرّض لانتقادات شديدة بسببها، لدوره كقائد مروحية في حرب أفغانستان عام 2012 الكثر عن منتقديه، أكر مما تكشف عنه. والكثر من الانتهاكات كانت هسترية أو لافتة لانتباه، لكنها ناجمة عن فقدان الذاكرة الريطانية حول الحروب الفاشلة في أفغانستان والعراق.

وقال هاري في كتابه إن «أفغانستان كانت حرب الأخطاء، وهي حرب اتسمت بالكثر من الأضرار الجانبية، حيث قتل الآلاف من الأبرياء وتعرضوا للتشويه، وهذا ما سيظل ياحقنا دوماً.»

وفي الواقع، يجب أن تؤثر هذه الأخطاء بصورة أكر على الريطانيين في الديار، حيث يتاشى التدخل الريطاني العبثي في أفغانستان، ومعظمه في إقليم هلمند، سريعاً من الذاكرة الجماعية.

مرض قومي مدمّر للذات

ويبدو أنه ليس هناك أي دولة ترغب في التفكر في إخفاقاتها، ولكن الرفض في بريطانيا لاعراف والتعلم من أخطاء الماضي، أصبح مرضاً وطنياً مدمراً. وأسوأ أعراضه هو التفاخر الضحل، والتظاهر بأن بريطانيا تحمل الأوراق الرابحة في أيديها، وتعرف كيف تلعب بها، وهذا الأمر قد تزايد إلى ذروته خال سنوات رئيس الحكومة السابق بوريس جونسون، وخلفه، ليز تراس، العام الماضي. ولكن السموم التي عولجت بها تعليقات هاري المنطقية، إلى حد ما، حول حربه في أفغانستان، أظهرت قوة المحظورات في وجه أي تقييم حقيقي لقدرة بريطانيا على شن حرب.

وثمة لمسات من السذاجة في وصف هاري لطائرة أباتي تطر في مهمات قتالية، ولكن ثمة أفكار مثرة لانتباه حول ما كان يفعله، وكتب قائاً: «كان هدفي من اليوم الأول لوصولي إلى أفغانستان عدم الذهاب إلى النوم، وأنا متشكك في أني لم أفعل الأمر الصحيح، وأن أهدافي كانت صحيحة، وأني كنت أطلق النار على عناصر )طالبان( فقط، دون إيذاء أي مدنيين .»

تجربة مريرة

ولكن تجربة أفغانستان والعراق أظهرت مراراً وتكراراً أن الأشخاص الذين تم استهدافهم من قبل القوات الجوية، سواء كانت طائرات حربية بجناح ثابت، أو مروحيات، أو طائرات درون، والصواريخ أرض - أرض، لم يكونوا في الغالب الأشخاص المطلوبين الذين اعتقد الطيارون بأنهم استهدفوهم. وبدلاً من استهداف «طالبان»، ومقاتي تنظيم «داعش» يتضح بأنهم الأعداء القبليون لحاكم الإقليم أو ربما هم مزارعون يحاولون مقاومة المسلحين اللصوص، الذين أرسلهم قائد الشرطة المحي. وكان الدافع الرئيس للتطوع مع «طالبان» هو الخسائر الكبرة وسط المدنيين، التي سببتها الضربات الجوية الخاطئة.

معلومات استخباراتي­ة غير مؤكدة

ويقول هاري إنه قتل 25 مسلحاً من «طالبان»، ولكني أشك بذلك كثراً. وعندما تم التحقيق في تأثر الضربات الجوية على المدنيين في شمال العراق، حيث كانت الحرب الجوية مماثلة لتلك التي وقعت في أفغانستان، من قبل الصحافيين الأمركيين عزمتخان،وأناند غوبال، في

الفرة ما بين 2017-2016، اكتشفا وجود تباين هائل بين ما يدعيه الجيش وبين الحقيقة. وفي دراسة ل150 غارة جوية، تم نشرها في صحيفة نيويورك تايمز في 16 نوفمر 2017، تم اكتشاف أن «غارة من كل خمس غارات قام بها الائتاف، أدت إلى مقتل مدنيين».

ويعتمد الغرب لإثبات ادعائه القدرة على التمييز بين الجندي والمدني في الحمات الجوية المعاصرة، كما هي الحال في الماضي، على معلومات استخباراتي­ة غر مؤكدة عن الأهداف. وفي أحد الأماكن السكنية خارج مدينة الموصل، ادعت القوات الجوية الغربية بأنها قتلت مدنياً واحداً فقط بالقرب من بلدة القيارة، وقالت القوات العراقية إنها لم تقتل أي شخص، واتضح أنه كان هناك نحو 40 غارة جوية على المنطقة أدت إلى مقتل 43 مدنياً، منهم 19 رجاً، وثماني نساء، و16 طفاً أصغر من عمر 14 عاماً. وفي ثلث هذه الغارات كان مقاتلو «داعش» بالقرب من المدنيين، ولكن في نصف الحالات لم يكن هناك أحد من المسلحين في المنطقة.

وركزت إساءة استخدام هاري، في بعض الأحيان، في ادعائه الكاذب بأنه يتباهى بقتل 25 من عناصر «طالبان»، على أنه انتهك بعض القواعد العسكرية بإعطاء رقم لأفراد العدو القتلى. ومن الواضح أنه في عصر مروحيات الأباشي والكمبيوتر المحمول، فإنه يستطيع إحصاء الأشخاص الذين قتلهم، وفق ما يقول.

العراق

وفي الواقع، فإن هاري ربما لا يستطيع القيام بذلك، حتى وإن كانت الأسلحة الحديثة دقيقة، إلا أنها لاتزال تعتمد على تحديد الهدف الصحيح. وإذا كان قول هاري صحيحاً حول كل أهدافه بأنها كانت عناصر من «طالبان»، فإن ذلك يتضمن مستوى استثنائياً من المعلومات الاستخبارا­تية الصحيحة. ومع ذلك، فإنه على الأقل فكر في ما كان يقوم به، رغم أنه في «حرارة وضباب القتال، لم أفكر بهؤلاء الأشخاص ال25،» وقام بالتشبيه السيئ بين مقاتي «طالبان» القتلى وحجارة الشطرنج، الذين تتم إزالتهم من على رقعة الشطرنج.

وهو مُحق تماماً في ذلك، وإن ليس بالطريقة التي يعنيها. فالجيوش تكذب عادة أو تخدع نفسها بشأن عدد المدنيين، مقارنة بمقاتي العدو الذين تقتلهم. وهي

نادراً ما تعرف لنفسها أو للآخرين، بالأسباب التي أدت إلى بروز مقاومة لاحتال العسكري. وخال التحضر لوصول الجيش الريطاني إلى هلمند عام 2006، قال أحد ضباط الاستخبارا­ت وهو على ثقة «لا توجد حرب في هلمند الآن، ولكن ستحدث هذه الحرب إذا ذهب الجيش الريطاني إلى هناك .»

وبالطبع فإن الحقائق الكئيبة عن التدخل المباشر للجيش الريطاني في العراق، وأفغانستان، ليست سراً. وقال أحد السفراء الريطانيين المتقاعدين، إن أسوأ خطأ من جانب الحكومة الريطانية التي شاهدها خال فرة عمله الدبلوماسي برمتها هو التدخل الريطاني في العراق، ويأتي في المرتبة الثانية في السوء التدخل الريطاني في هلمند. وكان السبب الأساسي لكل من هذه التدخات هو إقناع الولايات المتحدة بأن الريطانيين هم الحليف الذي تستطيع الولايات المتحدة الاعتماد عليه.

الأفغان الذين قتلهم هاري

هذا يقدم على الأقل حافزاً عقانياً لإرسال جيوش صغرة وغر كافية إلى البصرة وهلمند، حيث واجهوا شعباً معادياً، ومدرباً على الأسلحة بصورة جيدة.

وتم التحقيق في معظم الأخطاء التي تم ارتكابها في حرب بريطانيا في العراق وأفغانستان، من قبل تقارير حكومية أو برلمانية. وعلى الرغم من أن التقارير تعتر جيدة بالنسبة للمؤرخين، إلا أن الدروس المستقاة منها يتم تجاهلها بصورة روتينية. وأهم هذه الدروس هي الخاتمة التي خلصت إليها بريطانيا والولايات المتحدة، ومفادها أن شن الحروب بالاعتماد على القوة الجوية إلى حد كبر، لا تنجح. ولو أنها نجحت لما كانت «طالبان» الآن في كابول.

وربما أن الوصف الذي قدّمه هاري لما يقوم به في أفغانستان سيثر جدلاً مفيداً حول سجل الجيش الريطاني في العراق، وأفغانستان. ولو أنه ليس هناك ما يدل على ذلك في ظل الاندفاع نحو شيطنة هاري لأنه أساء لعائلته.

وثمة سؤالان مهمان ربما سيظان با جواب، من هم الأشخاص الذين قتلهم هاري؟ وكيف انضم الكثر من الأفغان إلى حركة «طالبان» لأن أقرباءهم وأصدقاءهم قتلوا؟ *صحافي بريطاني مهتم بالشرق الأوسط

الرفض في بريطانيا للاعتراف والتعلم من أخطاء الماضي، أصبح مرضاً وطنياً مدمراً. وأسوأ أعراضه هو التفاخر الضحل، والتظاهر بأن بريطانيا تحمل الأوراق الرابحة في أيديها، وتعرف كيف تلعب بها، وهذا الأمر قد تزايد إلى ذروته خلال سنوات رئيس الحكومة السابق بوريس جونسون، وخلفه ليز تراس، العام الماضي.

تجربة أفغانستان والعراق أظهرت مراراً وتكراراً أن الأشخاص الذين تم استهدافهم من قبل القوات الجوية، سواء كانت طائرات حربية بجناح ثابت، أو مروحيات، أو طائرات درون، والصواريخ أرض - أرض، لم يكونوا في الغالب الأشخاص المطلوبين الذين اعتقد الطيارون بأنهم استهدفوهم.

 ?? ■
رويترز ?? القوات البريطانية تقوم بدورية في هلمند.
■ رويترز القوات البريطانية تقوم بدورية في هلمند.
 ?? ?? هاري قال إنه كان يقود مروحية أباتشي في أفغانستان حيث قتل 25 مسلحا من «طالبان». ⬛ أرشيفية
هاري قال إنه كان يقود مروحية أباتشي في أفغانستان حيث قتل 25 مسلحا من «طالبان». ⬛ أرشيفية
 ?? ?? بوريس جونسون. ⬛ أ.ف.ب
بوريس جونسون. ⬛ أ.ف.ب

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates