Emarat Al Youm

الخالفات تتعمق بين ألمانيا وفرنسا أكبر داعمين أوروبيين ألوكرانيا

- مولي أونيل* *محاضر جامعي وباحث في الشؤون الدبلوماسي­ة لوسط أوروبا وروسيا وآسيا. عن «ستيتكرافت»

ســـــــــ­اءت الـــــعــ­ـــالقــــ­ـات بـــــن الــــــــ­ــدول األوروبـــ­ـــــيــــ­ــــة الــــداعـ­ـــمــــة ألوكــــرا­نــــيــــ­ا نــتــيــج­ــة الــــتـــ­ـطــــورات األخــــــ­ـرة يف مــــيــــ­دان املـــعـــ­ركـــة، والتي تشر إىل أن روسيا تتمتع بزخم وقوة وسط تباطؤ تمويل الواليات املتحدة للدعم العسكري ألوكرانيا.

وتــــعـــ­ـرض االنـــســ­ـجـــام الـــفـــر­نـــي األملـــــ­ـاين - الـــــذي ســاعــد عىل تعزيز التكامل األوروبي لعقود عدة - للتوتر نتيجة الـــــخــ­ـــالفــــ­ـات الـــــواض­ـــــحــــ­ـة بــــــن الــــرئــ­ــيــــس الــــفـــ­ـرنــــي إيــــمـــ­ـانــــويـ­ـــل مـــاكـــر­ون، واملــســت­ــشــار األملــــا­ين أوالف شــولــتــ­س. ويــــأيت هــذا االحـتـكـا­ك بـن الـدولـتـن نتيجة رفــض شولتس املتواصل للنظر يف مسألة تقديم صواريخ «توروس» البعيدة املدى ألوكـرانـي­ـا، وبسبب تصريحات مـاكـرون املـثـرة للجدل يف 26 فراير املايض التي قال فيها، إنه يجب عدم استبعاد نشر قوات حلف شمال األطلي (الناتو) يف أوكرانيا. ويف اليوم التايل استبعد شولتس نشر أي قوات أملانية أو من حلف «الناتو» يف أوكرانيا.

وخـــالل عـامـن مــن اسـتـمـرار الــحــرب، أدهــشــت أملانيا الـــنـــق­ـــاد بـــعـــد أن وصـــلـــت إىل املـــرتــ­ـبـــة الـــثـــا­نـــيـــة بـــعـــد الــــوالي­ــــات املتحدة يف تزويد أوكرانيا بالسالح. ولكن خالل األسابيع األخرة عادت أملانيا إىل وضع تتلقى فيه اللوم عىل خطأ لـم ترتكبه، يف الـوقـت الـــذي يـرفـض فيه شولتس تقديم صـواريـخ «تـــوروس» بعيدة املــدى ألوكـرانـي­ـا. وبـــررت أملانيا هذا الرفض بأن أوكرانيا ليست قــادرة عىل تشغيل هذه الصواريخ، ويجب نشر قوات أملانية للقيام بذلك، وهو ما يرفضه شولتس.

وكشف استطالع لـلـرأي يف 27 فـرايـر املــايض أن %56 مــــــن األملـــــ­ــــــان يـــــعـــ­ــارضـــــ­ون إرســـــــ­ــــال صـــــــوا­ريـــــــخ «تـــــــــ­ــــــوروس» إىل أوكرانيا. وعارضت أحــزاب االئتالف الحاكم إرســال هذه الـــصـــو­اريـــخ، بــاســتــ­ثــنــاء حــــزب الــخــضــ­ر الـــــذي أيـــــد إرســـالــ­ـهـــا. وعارض %85 من أنصار الحزب الشعبوي املعروف باسم البديل من أجل أملانيا، إرسال هذه الصواريخ ألوكرانيا.

ويف 19 فــــرايــ­ــر املــــــا­يض الـــتـــق­ـــطـــت املــــخــ­ــابــــرا­ت الـــروســ­ـيـــة حـــــــــ­ــــوارا عــــــر الـــــهــ­ـــاتـــــ­ف بــــــن قـــــائــ­ـــد الـــــــق­ـــــــوات الـــــجــ­ـــويـــــ­ة األملــــا­نــــيــــ­ة املعروفة باسم «لوفتفافا»، الجرنال انغو جرفاتز وثالثة مـــن كـــبـــار ضـــبـــاط الــــقـــ­ـوات الـــجــوي­ـــة األملـــــ­ــان، وقـــامـــ­ت بـنـشـره عــــىل شــبــكــة اإلنــــرت­نــــت يف األول مــــن مـــــارس الـــــجــ­ـــاري. ودار الــحــوار حـــول كيفية نـشـر صــواريــخ «تــــوروس» األملـانـي­ـة يف أوكرانيا دون إرســال جنود أملــان يعملون عىل تشغيلها. وكــــــــ­ـان هـــــــــ­ؤالء الــــضـــ­ـبــــاط يــــــعــ­ــــدون مـــــؤتــ­ـــمـــــر­اً صــــحــــ­افــــيـــ­ـاً لــــوزيــ­ــر الدفاع، بوريس بستوريوس، للحديث عن مدى منطق وتـــــوقـ­ــــيـــــ­ت وفــــاعــ­ــلــــيــ­ــة نــــشــــ­ر هــــــــذ­ه الـــــــص­ـــــــوار­يـــــــخ، ولــــكـــ­ـنــــهـــ­ـم لــم يــــكــــ­ونــــوا مــــوافــ­ــقــــن عــــــىل ذلـــــــك أو مــــعــــ­ارضــــن لــــــه عــــــىل نــحــو واضح. وناقش الضباط األملان كيفية استخدام صواريخ «تـــــــــ­ــوروس» لـــتـــدم­ـــر جـــســـر كــــرتـــ­ـش، ولـــكـــن­ـــهـــم لــــم يــــؤيـــ­ـدوا اختيار هذا الهدف. ولم تتوصل مناقشاتهم إىل أي نتيجة حـــول كـيـفـيـة قــيــام أملــانــي­ــا بـنـشـر الـــصـــو­اريـــخ بـشـكـل فــعــال، دون انـــــتــ­ـــهـــــا­ك الــــــخـ­ـــــط األحــــــ­مــــــر الـــــســ­ـــيـــــا­يس بــــــشــ­ــــأن الــــــوج­ــــــود العسكري األملاين يف أوكرانيا.

وإضافة إىل ذلـك، أشـار جرفاتز إىل أن تدمر جسر كـرتـش، وإن كــان يمكن إنــجــازه مـن الناحية الفنية، إال أنه من غر املرجح أن يغر مسار الحرب.

وقــــــــ­امــــــــ­ت هـــــيـــ­ــئـــــة اإلذاعــــ­ــــــــــ­ـــة الـــــــر­وســـــــي­ـــــــة بـــــنـــ­ــشـــــر نــــــــص هـــــذه املـــحـــ­ادثـــة الــتــي مـــن املــحــتـ­ـمــل أن تــكــون املـــخـــ­ابـــرات الــروســي­ــة التقطتها من خالل أجهزتها املتطورة.

ووصـــــــ­فـــــــت الـــــصــ­ـــحـــــا­فـــــة الــــــرو­ســــــيــ­ــــة الـــــرسـ­ــــمـــــ­يـــــة مــــحــــ­ادثــــة الضباط بأنها ترقى إىل مستوى مؤامرة يتم التخطيط لها لضمان نشر الصواريخ، وإجبار شولتس عىل اتخاذ قرار املوافقة عليها.

ووصف بستوريوس نشر النص بأنه حالة من حرب املـــــعـ­ــــلـــــ­ومـــــات الــــــرو­ســــــيــ­ــــة الـــــتــ­ـــي تـــــهـــ­ــدف إىل زرع الــــفـــ­ـتــــنـــ­ـة بـــن الداعمن الغربين ألوكرانيا.

ويرتكز النقاش الداخيل يف أملانيا عىل هذه الفضيحة، وخـصـوصـا عـىل تحديد املـسـؤولـ­يـة عـن الفشل الــفــادح يف أمــــن االتــــصـ­ـــاالت. واســتـــغ­ـــل املـــدافـ­ــعـــون عـــن نــشــر صـــواريــ­ـخ «تـــــوروس» الــحــادث­ــة ملـضـاعـفـ­ة جـهـودهـم إلجــبــار شولتس عىل تغير رأيه.

وكـــرر شـولـتـس أنـــه مـنـذ انـتـشـار ذلـــك الــحــوار الـخـاص

بـــــــال­ـــــــقــ­ـــــوات الـــــــج­ـــــــويـ­ــــــة، تــــتــــ­لــــخــــ­ص مــــشــــ­كــــلــــ­ة تـــــــزو­يـــــــد أوكــــــر­انــــــيـ­ـــــا بصواريخ «توروس» يف كيفية استخدامها دون أن تصبح بــــــحــ­ــــد ذاتـــــــ­ـهــــــــ­ا طــــــــر­فــــــــا يف الــــــــ­ــصـــــــ­ـــراع. وملـــــــ­ـــح إىل وجــــــــ­ـــــود جــــنــــ­ود فـــرنـــس­ـــيـــن وبــــريــ­ــطــــانـ­ـــيــــن يـــعـــمـ­ــلـــون عـــــىل تـــشـــغـ­ــيـــل صــــواريـ­ـــخ «ستورم شادو» التي قدمتها بريطانيا، و«سكالب» التي قدمتها فرنسا.

ماكرون يرتقي إلى مستوى الحدث

وعـىل الـرغـم مـن الـتـزام أملانيا الـحـذر، أطلق ماكرون تصريحا طالب فيه الدول الغربية بإرسال قواتها للدفاع عــن أوكـــرانـ­ــيـــا، وطــلــب عـقـد اجــتــمــ­اع لــهــذه الــــدول يف الــــ62 فراير املايض.

ويـــــــأ­يت ذلــــــك يف أعـــــقــ­ـــاب الــــجـــ­ـو املـــتـــ­شـــائـــم بــــشــــ­أن إحـــيـــا­ء حـــظـــوظ أوكـــرانـ­ــيـــا الــعــســ­كــريــة الـــتـــي ســــادت مــؤتــمــ­ر مـيـونـخ األمني، ويف ختام مؤتمر باريس الذي فاجأ فيه ماكرون حــلــفــا­ءه بــقــولــ­ه، إنـــه ال يـسـتـبــع­ـد نـشـر قــــوات لـــ«الــنــاتـ­ـو» يف أوكـــــرا­نـــــيـــ­ــا. وتـــــعــ­ـــرض هــــــذا املـــــقـ­ــــرتح النـــــتـ­ــــقـــــ­ادات شـــــديــ­ـــدة مــن املعارضة السياسية يف فرنسا.

وقرر القادة يف مؤتمر باريس تبني مقرتح جمهورية الــتــشــ­يــك الـــقـــا­يض بـــزيـــا­دة الــتــمــ­ويــل األوروبـــ­ــــي لـــشـــرا­ء 800 ألــــــــ­ف قــــذيـــ­ـفــــة مــــدفـــ­ـعــــيـــ­ـة ألوكــــــ­رانــــــي­ــــــا مــــــن دول غــــــر االتـــــح­ـــــاد األوروبـــ­ـي، للتعويض عـن النقص الــذي تعانيه أوكـرانـيـ­ا. وزار مـــــــــ­اكــــــــ­ـرون بـــــــــ­ــــراغ يف الـــــــخ­ـــــــامـ­ــــــس مــــــــن مـــــــــ­ــــارس الـــــــج­ـــــــاري الستكشاف مدى جدوى فكرته والرتويج لها، ولكن وزير الدفاع األملاين سارع إىل القول، إن ما يقوله ماكرون غر مفيد.

ومـا يثر غضب األملــان هو أن فرنسا ال ينبغي لها أن توبخ اآلخرين عىل ترددهم، ألنها قدمت أقل كمية من املساعدات العسكرية ألوكرانيا. وأشار معهد كيل األملاين يف 15 يـــنـــاي­ـــر، إىل أن أملـــانــ­ـيـــا قــــدمـــ­ـت مــــســــ­اعــــدات ألوكـــران­ـــيـــا بقيمة 17.7 مليار دوالر، يف حن قدمت الواليات املتحدة مساعدات بقيمة 42.2 مليار دوالر، وأما فرنسا فبلغت مساعداتها ألوكرانيا 0.6 مليار دوالر.

موضوع مهم

أشـــــار الـــكـــا­تـــب يف صـحـيـفـة «نـــيـــوي­ـــورك تـــايـــم­ـــز»، روجـــر كــوهــن، إىل أن مــاكــرون كـــان يـهـدف إىل إعــــادة بــث الثقة بــــن الــــداعـ­ـــمــــن ألوكــــرا­نــــيــــ­ا لـــتـــول­ـــيـــد «غــــمــــ­وض اســـرتاتـ­ــيـــجـــ­ي» يجعل ثقة روسـيـا بنفسها تهتز، لكن مـن دون محاولة واضحة إلنشاء دعم متقدم ملبادرته، لكنه عىل العكس مـــــــن ذلــــــــ­ــــك، ولــــــــ­ــــد انــــــقـ­ـــــســــ­ــامــــــ­ات بـــــــن الـــــحــ­ـــلـــــف­ـــــاء حـــــــــ­ـول مـــــدى استعدادهم للدفاع عن أوكرانيا، وأثار قطيعة واضحة مع أملانيا. هذا املسار امللتوي الذي اتخذه ماكرون قلل من مصداقيته يف تعبئة أوروبا خلف فرنسا.

ويـــرجـــ­ع رفــــض أملــانــي­ــا لــفــكــر­ة تـــزويـــ­د أوكـــرانـ­ــيـــا بــصــاروخ «تـــــــــ­ــــــــــ­ــوروس» إىل حــــــــذ­رهــــــــ­ا مــــــمــ­ــــا تــــــعــ­ــــتـــــ­ـره مـــــــوق­ـــــــف مـــــــاك­ـــــــرون الــطــائـ­ـش، بــشــأن نــشــر قــــوات حــلــف «الـــنـــا­تـــو» يف أوكــرانــ­يــا. وتظل أملانيا - عىل ما يبدو - مصرة عىل عدم تجاوز الخط الفاصل بن مساعدة أوكرانيا يف موقفها الدفاعي، وبن أن تصبح طرفا يف النزاع.

وحـــتـــى لـــو بــــدت مـــبـــاد­رة مـــاكـــر­ون وكـــأنـــ­هـــا أســهــمــ­ت يف انـقـسـام أكـــر يف الـجـبـهـة األوروبـــ­يـــة لـلـدفـاع عــن أوكــرانــ­يــا، فإن نشاطه يظهر الوعي النائش بأن عىل أوروبا أن تتوىل مسؤولية أكر لتسليح أوكرانيا، نظرا لتوقف املساعدات األمركية مع اقرتاب االنتخابات.

وأدت الــنــتــ­ائــج املـــبـــ­اشـــرة لـــهـــذه الـــتـــط­ـــورات األخـــــر­ة إىل عـرقـلـة انــســجــ­ام الــعــالق­ــات الـفـرنـسـ­يـة األملــانـ­ـيــة الــتــي كانت سبباً حاسماً يف أداء االتحاد األوروبي خالل عقود عدة. ويــــعـــ­ـد هــــــذا الــــصـــ­ـدع الـــــواض­ـــــح مــــرفـــ­ـوضــــا، يف الــــوقــ­ــت الــــذي تــجــتــم­ــع فـــيـــه دول االتــــحـ­ـــاد األوروبـــ­ـــــي لــتــصــب­ــح أكــــر وحـــدة وانسجاما وسخاء، إلعــادة تمويل التسليح الـذي تكون فيه باريس وبرلن هما املايسرتو والقائد.

تعرض االنسجام الفرنسي األلماني - الذي ساعد على تعزيز التكامل األوروبي لعقود عدة - للتوتر نتيجة الخالفات الواضحة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار األلماني أوالف شولتس. خالل عامين من استمرار الحرب، أدهشت ألمانيا النقاد بعد أن وصلت إلى المرتبة الثانية بعد الواليات المتحدة في تزويد أوكرانيا بالسالح. ولكن خالل األسابيع األخيرة عادت ألمانيا إلى وضع تتلقى فيه اللوم على خطأ لم ترتكبه، في الوقت الذي يرفض فيه شولتس تقديم صواريخ «توروس» بعيدة المدى ألوكرانيا.

 ?? ?? شولتس رفض تزويد كييف بصواريخ «توروس» وماكرون أثار الجدل بالتلميح إلى نشر قوات لـ «ناتو» في أوكرانيا. أ.ف.ب
شولتس رفض تزويد كييف بصواريخ «توروس» وماكرون أثار الجدل بالتلميح إلى نشر قوات لـ «ناتو» في أوكرانيا. أ.ف.ب

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates