Trending Events - Future Concepts

‪Border Areas:‬

تحول مناطق الحدود إلى «قضية» في التعامل مع الجوار المباشر

- أشرف عبدالعزيز

أصبحت مناطق الحدود ‪border areas‬ ، تمثل أحد التحديات الأمنية الرئيسية التي تواجهها العديد من دول العالم، كونها المصدر الأول والمباشر الذي يمكن أن تتعرض من خاله الدولة إلى تهديدات أمنية متعددة، تختلف أنماطها وحدتها من فترة إلى أخرى، ولعل هذا ما دفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 8 يوليو 2014 إلى تقديم طلب إلى الكونجرس الأمريكي للحصول على 3.7 مليار دولار ليتمكن من ضبط مناطق الحدود مع المكسيك، في إطار التصدي لمشكلة الهجرة غير الشرعية تحديداً، والتي تفاقمت بين البلدين خال الأشهر التسعة الماضية) .)

1 وفي المنطقة العربية، ثمة موجة جديدة واسعة النطاق، ومتعددة المستويات، من المشكات المتعلقة بتأمين مناطق الحدود تجتاح دول المنطقة، على نحو تزايدت معه أهمية هذه القضية في تصورات الدول لأمنها القومي، فقد شهدت الفترة الماضية تطوراً نوعياً غير مسبوق في حجم التهديدات التي تواجهها هذه المناطق في العديد من دول الشرق الأوسط، بحيث لم يعد الأمر مقتصراً على التهديدات التقليدية المتعارف عليها والتي ظلت ثابتة لفترة من الزمن دون تغيير، وإنما برزت أنماط أخرى من التهديدات أشد خطورة، على نحو يفرض تطوير سياسات غير تقليدية في تأمين هذه المناطق، تجمع بين الأمن والتنمية، وعلى نحو لا يحتوي التهديدات التي تواجهها تلك المناطق فحسب، وإنما يحولها من عبء إلى مصدر فرص للدولة.

- الفرق بين «مناطق» الحدود و«خطوط» الحدود:

تعد منطقة الحدود، هي المنطقة الممتدة من خط الحدود الفاصل بين دولتين متجاورتين إلى عمق محدد داخل إقليم كل من الدولتين، أو هي المنطقة المتاخمة لحدود الدولة مباشرة وتمثل الظهير الخلفي لخط الحدود المتعارف عليه بين الدول. وفي بعض الحالات يتم تحديد عمق ومساحة هذه المناطق بين الدولتين على جانبي حدودهما وفقاً لاتفاقية مشتركة، كما هي الحال بين الولايات المتحدة والمكسيك، وفي حالات أخرى كثيرة تكتفي الدول بتحديد الخط الحدودي الفاصل بينهما، ويتم تحديد مناطق الحدود وفقاً للتقسيم الإداري الخاص بكل دولة على حدودها مع الدولة أو الدول المجاورة لها) .)

2 ومفهوم منطقة الحدود بهذا المعنى يختلف عن مفهوم خط الحدود frontier الذي يفصل إقليم الدولة عن أقاليم الدول الأخرى، والذي تمارس الدولة سيادتها ضمن نطاقه، ويتم الاتفاق بين الدول المتجاورة على تعيين أو تحديد هذا الخط كمرحلة أولى، ثم في مرحلة أخرى ترسيمه على أرض الواقع) .)

3 وهناك أيضاً ما يسمى بالمنطقة "المحايدة"، وهي منطقة لا تكون جزءاً من أي دولة أو تخضع لسيادتها، وفي الوقت ذاته ليست أرضاً مباحة، بل تخضع لاتفاقية دولية بين طرفين على الأقل من الدول المتجاورة التي يكون بينها في الغالب نزاع أو صراع مسلح، ولا يُمكن لأي منهما فرض سيطرة فعلية عليها على الأقل طوال فترة سريان الاتفاقية، وغالباً ما تكون هذه المنطقة منزوعة الساح ‪Demilitari­zed Zone‬ ، مثل المنطقة المحايدة على الحدود المشتركة بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، والممتدة لمسافة 248 كلم على جانبي الحدود بين البلدين) .)

4

- اأربع �شمات رئي�شية:

وبشكل عام، تتسم مناطق الحدود بعدة سمات، تتمثل السمة الأولى في أن مناطق الحدود لا يشترط أن تكون بين دولتين فقط، فقد تكون هناك منطقة حدودية بين ثاث دول، على نحو ما هو قائم في المنطقة الحدودية الثاثية بين البرازيل والأرجنتين وباراجواي والمعروفة باسم ‪Tri-Border Area of Argentina,‬ ‪Brazil, and Paraguay‬ ، كما توجد أيضاً منطقة حدودية ثاثية بين كل من مصر والسودان وليبيا تعرف باسم "المثلث الذهبي") .)

5 وتتعلق السمة الثانية بأن هذه المناطق عادة تتسم بتدني مستوى التنمية، وهو أمر لا يوجد فقط في المنطقة العربية أو في دول العالم الثالث، ولكنها سمة عامة في مناطق الحدود، فعلى سبيل المثال، تضم منطقة الحدود بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك أفقر عشر مقاطعات في الولايات المتحدة، ويرتفع معدل البطالة في هذه المنطقة مقارنة ببقية الأماكن الأخرى داخل الدولتين بنسبة تتراوح بين 250-300%، ناهيك عن تدني مستوى التعليم والصحة وارتفاع نسبة الفقر فيها) .)

6 وتنصرف السمة الثالثة إلى انخفاض الكثافة السكانية في مناطق الحدود واتساع رقعتها الجغرافية، وتتمثل السمة الرابعة في أن هذه المناطق عادة تكون "رخوة أمنياً" بسبب خروجها عن سيطرة الحكومات المركزية، إذ في الغالب لا توجد دولة قادرة على إحكام السيطرة على مناطق الحدود بشكل تام، فعلى سبيل المثال تبلغ مساحة المناطق الحدودية بين كل من الولايات المتحدة

الأمريكية والمكسيك 100 كم2 داخل حدود كل من الدولتين، وفقاً لاتفاقية الموقعة بينهما عام 1982، وتضم هذه المساحة أربع ولايات حدودية على الجانب الأمريكي وست ولايات على الجانب المكسيكي) (، وفي المنطقة العربية، يمكن الحديث عن أمثلة لبعض

7 المناطق الحدودية، منها منطقة الحدود الشمالية السعودية على الحدود مع العراق وتبلغ مساحتها 127 ألف كم وعدد سكانها

2 320 ألف نسمة، وكذلك منطقة الوديعة السعودية على الحدود مع اليمن، حيث تبلغ مساحتها 1500 كم ، ويبلغ عدد سكانها ما

2 يقرب من 5000 نسمة) (، ومنطقة الجوف الحدودية على الحدود

8 السعودية مع الأردن، وتبلغ مساحتها 107.794كم ويبلغ عدد

2 سكانها حوالى 440 ألف نسمة، ومنطقة أعزاز السورية على الحدود مع تركيا، وتبلغ مساحتها 1504 كم2، ويبلغ عدد سكانها 75 ألف نسمة) .)

9

- التهديدات والمخاطر المرتبطة بمناطق الحدود:

تقليدياً، هناك تهديدات أمنية تثيرها دائماً مناطق الحدود بالنسبة لأي دولة، وهي تهديدات يتم التعامل معها في إطار العمل اليومي الروتيني أحياناً لعناصر الأمن وحرس الحدود وخفر السواحل، كعمليات التسلل عبر الحدود، وعمليات تهريب الأسلحة والمخدرات والبشر والأموال والبضائع، وهي في النهاية جرائم قانونية، تمثل ممارسات سائدة في مناطق الحدود) .)

10 ولكن الفترة الأخيرة شهدت تطورات حادة، أدت إلى إثارة موجة جديدة من الاهتمام بتأمين مناطق الحدود لدى صناع القرار في الدول العربية، إذ تصاعدت حدة التهديدات التقليدية، التي كان من المفترض أنها مشكات أمنية معتادة، إلى مستويات غير مسبوقة، من جانب، ومن جانب آخر، بدأت فئة أخرى من التهديدات الحادة في الظهور.

فمن ناحية، شهدت التهديدات التقليدية كالهجرة غير الشرعية والتجارة الموازية وتجارة الساح تطورات نوعية خطيرة، فالهجرة غير المشروعة تطرح إشكالات وتحديات، ليس فقط على صعيد الدول المصدرة أو المستقبلة للهجرة، أو على المهاجرين أنفسهم، بل تفرض على الدول التي تقع بحكم موقعها الجغرافي في الطرق الرئيسية لهذا النوع من الهجرة (دول العبور(، مشكات أمنية حادة، إذ تحولت هذه الدول في كثير من الحالات، وبحكم الأمر الواقع إلى بلدان جاذبة للمهاجرين غير الشرعيين) (. فوفقاً لأجهزة الأمن في

11 كل من المغرب والجزائر وليبيا، يوجد في الأولى ما بين 25 و40 ألف مهاجر أفريقي غير شرعي، وتستضيف الجزائر ما يقرب من 25 ألفاً، بينما وصل عدد المهاجرين الأفارقة الذين استضافتهم ليبيا خال الفترة من مارس وحتي أغسطس 2013 وفقاً لبيانات مكتب الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، 30 ألف مهاجر غير شرعي) .)

12 كما شهدت الفترة الأخيرة اتساعاً غير مسبوق في التجارة غير المشروعة التي تتم عبر مناطق الحدود، أو ما يسمى بالتجارة الموازية، لدرجة أن تونس أعلنت في 25 أغسطس 2013، حدودها مع الجزائر وليبيا منطقة عسكرية عازلة لسنة كاملة قابلة للتمديد بسبب تنامي ظاهرة التهريب والتجارة الموازية في المناطق الحدودية بينهما، والتي تتسبب في خسائر للدولة تقدر بما قيمته 1.2 مليار دينار تونسي في السنة) .)

13 كما شهدت تجارة الساح عبر مناطق الحدود تطورات نوعية خطيرة، خاصة في الفترة التي أعقبت الثورات العربية، والتي صاحبها انهيار في مؤسسات الأمن الداخلي في بعض الدول، وعلى الرغم من أنه لا توجد إحصائيات شاملة عن حجم هذه التجارة في منطقة الشرق الأوسط، فإن بعض الحالات الفردية تعطي دلالات مهمة في هذا الشأن، حيث يشير تقرير الجمعية الوطنية لدعم مكافحة التهريب في اليمن، إلى أن حركة تهريب الساح إلى اليمن نشطت بشكل ملحوظ منذ 2012، عبر مناطق الحدود الخارجة عن سيطرة الحكومة المركزية، وزادت أكثر في النصف الأول من العام 2013 حتى أصبحت تتم بشكل يومي، وقدَّر التقرير أن نحو 9 آلاف طن من الساح يتم تهريبه سنوياً إلى اليمن، عبر هذه المناطق، على نحو يمثل خطراً أمنياً ليس فقط على اليمن في الداخل، وإنما على دول الجوار معها أيضاً) .)

14 ومن ناحية أخرى، شهدت مناطق الحدود في عدد من دول المنطقة أنماطاً أخرى من التهديدات أكثر حدة وخطورة، لعل أهمها تحول العديد من تلك المناطق إلى بؤر لتمركز التنظيمات الإرهابية وجماعات العنف، واتخاذها من هذه المناطق منطلقاً لتنفيذ عمليات إرهابية نوعية) (، فتنظيم

15 القاعدة في اليمن يتمركز في بعض المناطق الحدودية الجنوبية التي توصف بأنها بؤر غير مستقرة ذات مساحات شاسعة وتضاريس صعبة. وقد تمكن التنظيم في 5 يوليو 2014 من تنفيذ عملية إرهابية على منفذ الوديعة على الحدود السعودية - اليمنية راح ضحيتها أربعة من رجال الأمن السعودي) .)

16 وفي مصر تتركز بعض التنظيمات المسلحة مثل أنصار بيت المقدس وتنظيم التوحيد والجهاد في بعض المناطق الحدودية، خاصة في رفح والشيخ زويد والعريش، وهي مناطق شهدت العديد من العمليات الإرهابية، كان آخرها الهجوم الإرهابي الذي وقع في 13 يوليو 2014 في ضاحية السام في العريش، وراح ضحيته ثمانية من أفراد الأمن) (. وتشير بعض التقديرات إلى أن تنظيمات

17 إرهابية أخرى، مثل "حركة المرابطون" وتنظيم "الموقعون بالدم" و"حركة التوحيد والجهاد" و"تنظيم أنصار الدين" تتخذ من المثلث الحدودي بين الجزائر وجنوب غرب ليبيا والنيجر منطلقاً لعملياتها في القارة الأفريقية) .)

18

- �شيا�شات تاأمين مناطق الحدود:

تشير الخبرات الإقليمية والدولية إلى تعدد السياسات التي تتبعها الدول في تأمين مناطق الحدود الخاصة بها، وهي تعكس بصورة عامة، كيفية تعامل هذه الدول، مع أربعة محددات رئيسية تعد مهمة في صياغة تلك السياسات، هي كالتالي:

1- فهم طبيعة التهديدات القائمة أو المحتملة في مناطق

الحدود، وهو أمر يرتبط بتقديرات مؤسسات الأمن في الدولة حول طبيعة تلك التهديدات، وإعادة تقييم مصادرها من فترة إلى أخرى.

2- الطبيعة الجغرافية لمناطق الحدود، هل هي مناطق حضرية ‪Urban areas‬ أو مناطق ريفية ‪Rural areas‬ أو مناطق نائية ‪Remote areas‬ فكل من هذه المناطق يتيح فرصاً ويفرض قيوداً مختلفة في تأمينها) .)

19 3- طبيعة الوضع الداخلي في الدول المجاورة، فوجود "دولة فاشلة" على الحدود، أو دولة ذات اقتصاد ذي طبيعة خاصة، أو دولة تشهد صراعات مسلحة داخلية، يمكن أن يؤدي إلى إيجاد مشكات حقيقية تتعلق بتأمين مناطق الحدود معها) .)

20 4- إمكانيات الدولة، فالدولة التي لديها وفرة في العنصر البشري، يمكن أن تعتمد بصورة أكبر على حجم القوة العاملة لديها في تأمين المناطق الحدودية، خاصة إذا كانت دولة فقيرة، بينما تميل الدولة الأكثر ثراء وتعاني من نقص في العنصر البشري إلى منهج يعتمد بصورة كثيفة على التكنولوجي­ا في تأمين هذه المناطق) .)

21 وفي ضوء الخبرات الإقليمية والدولية، لاسيما الخبرة الأمريكية) (، يمكن تحديد

22 ثاث مجموعات من السياسات، من المهم أن تحقق الدول تكاماً بينها بدرجة ما من أجل تحقيق أعلى مستوى تأمين ممكن لمناطق الحدود. تتمثل المجموعة الأولى في السياسات الأمنية "غير التقليدية"، حيث تمثل السياسات الأمنية في معظم الحالات خط الدفاع الأول في تأمين مناطق الحدود، والأمر هنا يتعدى إلى حد كبير مجرد إجراءات تأمين خطوط الحدود التي يتولاها في الغالب قطاع حرس الحدود في جيوش الدول، فالأمر بالنسبة لتأمين المناطق الحدودية، يتطلب اتباع سياسات أمنية غير تقليدية تهدف في النهاية إلى تحقيق نوع من السيطرة العملياتية ‪operationa­l control‬ على تلك مناطق، عبر القدرة على تحقيق ثاث مهام رئيسية، هي الكشف المبكر عن التهديدات التي تواجه تلك المناطق detection، ومنع تلك التهديدات من الحدوث أو الرد العملياتي عليها interdicti­on، واتخاذ الإجراءات الازمة التي تمنع تكرار حدوث مثل هذه التهديدات) .)

23 وهذه السياسات الأمنية يجب أن تتسم بعدة خصائص، منها ما يلي:

-الاستدامة والمراجعة المستمرة: فالسياسات الأمنية في مناطق الحدود لا يجب أن تكون موسمية أو ترتبط بوقوع أحداث إرهابية، وإنما يجب أن تتسم بالاستدامة والمراجعة المستمرة، وأن يتم تنفيذها استناداً إلى خطة زمنية محددة الأهداف، يتم تقييم نتائجها وفقاً للتسلسل الزمني الوارد بها.

والخبرة الأمريكية تقدم نموذجاً واضحاً ومهماً في هذا الشأن، حيث يتم وضع خطة أمنية استراتيجية متكاملة لتأمين مناطق الحدود، على نحو ما تعبر عنه الخطة الموضوعة للفترة من 2016-2012، والتي تتضمن سياسات تفصيلية ذات مدى زمني محدد لكل منها، بعض هذه السياسات يتعلق بمكافحة عمليات الجريمة المنظمة والمخدرات التي تتم داخل مناطق الحدود، وبعضها الآخر يتعلق بمكافحة الهجرة غير الشرعية، خاصة في مناطق الحدود الأمريكية مع المكسيك، وفئة ثالثة من السياسات تتعلق بمراجعة التعاون الأمني المشترك مع دول الجوار فيما يتعلق بتأمين المناطق الحدودية مع تلك الدول، بيد أن العامل المهم الذي تؤكد عليه الخطة في جميع محاورها يتعلق بعنصر "المعلومات المحدثة باستمرار"، حيث تعتبره "الساح الأقوى" في تحقيق رد الفعل السريع لمواجهة التهديدات التي تتعرض لها مناطق الحدود) .)

24 -التكنولوجي­ا: فالاستفادة من التطورات التكنولوجي­ة المتقدمة أصبحت عاماً مهماً من عوامل كفاءة السياسات الأمنية في تأمين مناطق الحدود) .)

25 -إعادة هيكلة الإدارات المعنية بتنفيذ تلك السياسات: حيث لم تعد السياسات الأمنية في مناطق الحدود مسؤولية الأجهزة الأمنية التقليدية فحسب، وإنما شهدت بعض التجارب نوعاً من إعادة الهيكلة لإدارات المعنية بتنفيذ هذه السياسات، بحيث يتم إشراك بعض القطاعات المتخصصة في أمور الهجرة والجمارك، لتحقيق أكبر قدر ممكن من السيطرة على تلك المناطق، على نحو ما تعبر عنه التجربتان الأمريكية والبريطاني­ة. وفي بعض الخبرات الأخرى، يتم تشكيل وحدات استخباراتي­ة مهمتها فقط تأمين مناطق الحدود، عبر توفير عنصر المعلومات الذي يعد حاسماً في فهم طبيعة التهديدات القائمة بتلك المناطق، على نحو يعطي زمام المبادرة لأجهزة الأمن في التعامل معها.

وتنصرف المجموعة الثانية، إلى سياسات تنمية المناطق الحدودية، فالبعد التنموي في تأمين المناطق الحدودية لا يقل أهمية عن البعد الأمني، إذ يتفق خبراء الأمن مع خبراء الاقتصاد على أن نشأة الكيانات الاقتصادية في مناطق الحدود سيكون حائط الصد الأول في عمليات تأمين هذه المناطق، ويحقق لها نوعاً من "التأمين الذاتي"، لذلك تتبنى العديد من التجارب الإقليمية والدولية حالياً هذا الاقتراب المهم في تأمين المناطق الحدودية من خال وضع برنامج زمني متكامل لتحقيق هذا الهدف، يتخذ في الكثير من الحالات مسمى ‪Border Area‬ ‪Developmen­t Programme‬ ، وفي بعض الدول توجد وزارات بذاتها لهذا الغرض، مثل وزارة التنمية الإقليمية عبر الحدود في روسيا.

وياحظ أن بعض دول المنطقة بدأت تتنبه مؤخراً إلى أهمية هذا البعد في تأمين مناطق الحدود، على نحو ما يعكسه "البرنامج الاستعجالي لتنمية المناطق الحدودية"، الذي أطلقته المغرب خال العام الجاري 2014، والذي يهدف إلى تنمية نحو 70 كم من المناطق الحدودية مع المغرب، تغطي نحو ثاث مناطق حيوية هي عمالة ووجدة وجرادة، ومن المقرر أن يتم تزويدها بشبكات مياه صالحة للشرب وربطها بشبكات كهربائية، ومشروعات أخرى للبنية التحتية مثل الطرق وغيرها، وتقدر الكلفة الإجمالية للبرنامج بحوالى 39 مليوناً و800 ألف درهم موزعة حسب القطاعات

المستهدفة في تنمية هذه المناطق الحدودية) .)

26 وتتعلق المجموعة الثالثة، بسياسات التعاون الإقليمي، فعلى الرغم من أن تأمين المناطق الحدودية يقع داخل الفئة الأوسع لما يطلق عليه "الأمن الداخلي"، إلا أن تأمين هذه المناطق لا يمكن أن يتم بشكل آمن إلا من خال تعاون إقليمي بين الدول المتجاورة، وهو تعاون يجب أن يتخذ البعدين الأمني والتنموي وليس الأمني فقط.

وتقدم البرازيل نموذجاً مهماً للتعاون الإقليمي مع دول الجوار في تأمين المناطق الحدودية ضد عصابات الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات وعمليات غسيل الأموال، حيث وقعت نحو 25 اتفاقية أمنية ثنائية وثاثية، نصفها مع دول الجوار، وثلثها مع دول أوروبية، والباقي مع دول من أمريكا الشمالية وأمريكا الوسطى، والجانب المهم في بعض هذه الاتفاقيات، أنها تسمح لقوات الأمن البرازيلية بالقيام بعمليات عبر الحدود للتعامل مع بعض التهديدات في مناطق الحدود.

ولا يقل البعد التنموي في التعاون الإقليمي أهمية عن البعد الأمني، وهناك مشروعات قائمة بالفعل في عدد من دول المنطقة، سيكون لها مردود إيجابي كبير في تأمين وتنمية مناطق الحدود، ولكن الأحداث الأمنية التي صاحبت الثورات العربية ربما أدت إلى تأجيل العمل بها بشكل مؤقت، منها مشروع مدينة الإخاء الاقتصادية بين السعودية واليمن في منطقة الوديعة الحدودية، ومشروع تنمية المناطق الحدودية في المثلث الذهبي بين كل من مصر وليبيا والسودان، والذي تم بحثه أكثر من مرة خال العام الماضي 2013، كما اتفقت كل من تونس والجزائر على إنشاء لجنة مشتركة لتنمية المناطق الحدودية بينهما، وعقد اجتماعها الأول في أكتوبر من العام الماضي 2013 .)

27( لا توجد مناهج نمطية ثابتة لتطوير استراتيجيا­ت تأمين مناطق الحدود، فالدول المختلفة تواجه تهديدات مختلفة في هذه المناطق، حيث قد تكون الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية هي التهديد الرئيسي لدول معينة في مناطق حدودها، وقد تكون التنظيمات المتطرفة والعمليات الإرهابية هي التهديد الأخطر بالنسبة لدول أخرى.

وهذا التنوع يستلزم مرونة في وضع وتنفيذ حلول عملية وليست نظرية في التعامل مع تلك التهديدات، وهذا يعني أيضاً أنه يمكن الاستفادة من بعض الخبرات الإقليمية والدولية في تأمين مناطق الحدود، بيد أنه لا يمكن استنساخها. ومع اختاف وتباين تهديدات مناطق الحدود من دولة إلى أخرى، فإن التعامل معها يجب أن يتم وفق مناهج تتسم بالشمول ‪holistic approaches‬ تأخذ في الاعتبار البعدين الأمني والتنموي، سواء في تعامل الدول بمفردها مع هذه التهديدات، أو في التعامل الإقليمي معها.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates