Trending Events - Future Concepts

Adaptabili­ty Politics

الاتجاهات الجديدة في دراسة ”سياسات التعافي السريع“

-

لم يكن مفهوم التعافي السريع (Resilience) موضع اتفاق الاتجاهات النظرية في روافد العلوم السياسية، على الرغم من كثافة استخدامه في الأدبيات في الآونة الأخيرة، إذ إن المعني الاصطلاحي للمفهوم عادة ما ارتبط بالقدرة على الارتداد للحالة الأولى بعد التعرض لعوامل ضاغطة تدفع باتجاه التغيير( ،) إلا

1 أن الجدل حول المضامين التطبيقية للمفهوم ومستويات التحليل المركزية للتعافي السريع كاتجاه عالمي صاعد للتعامل مع الأزمات والكوارث.

اأولاً: اأبعاد مفهوم التعافي ال�سريع

يُثير مفهوم التعافي السريع (Resilience) دلالات متعددة تتفاوت وفقاً لسياقات توظيف المفهوم، حيث يُنسب الاستخدام الأول للمفهوم إلى توماس ينج (Thomas Young ) في عام 1807 وكان يقصد به "قدرة الأشياء على التشكل بعد تعرضها للضغط" ومن ثم بات المفهوم يستدعي مرادفات مثل التعافي السريع والقدرة على الصمود والمرونة في مراحل ما بعد التعرض لأزمات ضاغطة( ).

2 وارتبط استخدام "المرونة" بعدد من المجالات العلمية في حقلي العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية، على حد سواء. ففي دراسة الفيزياء، يرتبط مصطلح المرونة بدراسة خواص المعادن والمواد ومدى صلابتها وقوة تحملها. أما في علم الأحياء، فالمناعة والقدرة على مواجهة الأمراض وحماية النظام الداخلي الحيوي، بالإضافة إلى قدرة الجسم على التعافي بعد المرض هي المعنى المباشر لكلمة مرونة النظام الحيوي. أما في مجال علم النفس فتستخدم المرونة النفسية للإشارة إلى قدرة الفرد على تحمل الضغط العصبي والصعوبات التي يمر بها.

وبذلك قد يشتبك مفهوم المرونة مع مفاهيم تحمل دلالات مشابهة، مثل القدرة على التكيف (Adaptabili­ty)، والتحول )Transforma­tion)، ويقصد بالتكيف القدرة على التعايش مع المتغيرات والحفاظ على بقاء النظام، أما التحول فهو يفترض أن الأزمات التي مر بها النظام دفعت لإحداث تغييرات في بنيته ووظائفه بهدف الحفاظ على استقراره وانتظام التفاعلات في إطاره. أما المرونة (Flexibilit­y) المقصودة هنا فهي تعني القدرة على تحمل التغيرات التي يمر بها النظام بهدف بقائه والعودة إلى الحالة الطبيعية الأولى التي كان عليها( (.

3 ويرتبط مفهوم المرونة من التطبيقات في مجال البيئة، حيث أشار هولينج (Holling) في عام 1973 إلى أن التعافي السريع يرتبط بقدرة النظام على الارتداد للحالة الطبيعية (to bounce back) بهدف استعادة النظام لتوازنه( وهو ما يرتبط بمفهوم

4) آخر وهو الارتداد للأمام (Bouncing Forward ) والذي يشير إلى إحداث تغييرات في هيكل النظام عقب استخلاص النظام للتغذية العكسية من تعامله مع الأزمات والكوارث( (.

5 ومن ثم ينطوي مفهوم التعافي السريع على أربعة مستويات رئيسية: يتمثل المستوى الأول في الجاهزية والاستعداد في مواجهة الأزمات والكوارث، أما المستوى الثاني فيرتبط بالاستجابة والتكيف مع التحولات، ويرتكز المستوى الثالث على قدرة النظام على الارتداد للحالة الطبيعية، وينطوي المستوى الرابع على التغذية العكسية وقدرة النظام على تغيير أركانه وإصلاح مواضع الضعف لتحسين قدرته على الاستجابة والتكيف خلال الأزمات والكوارث.

ويتأسس مفهوم المرونة والتعافي السريع على محورية

الدولة ومركزيتها كفاعل في كافة التفاعلات الداخلية والدولية، إلا أن ذلك لا يمنع المرونة في قبول مشاركة كافة الأطراف المعنية في عمليات صنع السياسات والاستجابة للمخاطر وتحمل المسؤولية الجماعية في مواجهة الأزمات الداخلية والدولية، ويستدعي مفهوم التعافي السريع أربعة أبعاد رئيسية: 1. وجود ظروف طارئة واتجاهات تغير مستجدة. 2. الرغبة في الاستمرار والبقاء 3. وجود رد فعل واستجابة معينة لاتجاهات التغيير. 4. امتلاك مقومات للبقاء والاستفادة من الفرص المتاحة. ولا يعني ذلك أن مفهوم التعافي السريع يقوم على سياسات ردود الأفعال(Reactionar­y) ، وإنما تنطوي على قدرة الفاعلين على التنبؤ بالتهديدات والمخاطر ووضع خطط للسيطرة عليها واحتوائها ومنع حدوثها في إطار الطابع الاستباقي لمفهوم المرونة (Proactive)، وتتوقف قدرة الدول والمنظمات على امتصاص الصدمات والصمود في مواجهتها على ما تمتلكه من موارد مادية وقدرات مؤسسية وتنظيمية تسمح لها بالتصدي للتهديدات واستباقها.

فعلى سبيل المثال، عندما تعرضت اليابان لكارثة فوكوشيما في عام 2011، تمكنت من إخلاء المناطق المعرضة للإشعاع النووي من أكثر من 5800 أسرة في نطاق 3 كم وإعلان حالة الطوارئ النووية في البلاد بعد أن تأثر مفاعل فوكوشيما النووي بالزلزال الذي ضرب البلاد، وهو ما يكشف مدى درجة استعداد الدولة وجاهزيتها وتوافر التقنيات الحديثة التي مكنتها من الحد من الآثار السلبية لها ومنع انفجار المفاعل( ).

6

ثانياً: التعافي ال�سريع في التفاعلات الداخلية

ارتبط مفهوم التعافي السريع على مستوى السياسات الداخلية بإدارة العلاقة بين الدولة والمجتمع خلال الأزمات، إذ تنقسم الأزمات من حيث تأثيرها على طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، إلى نمطين، أولهما يتطلب اصطفاف الدولة والمجتمع، مثل الكوارث الطبيعية، والآخر يشهد تفجر مواجهات بين الدولة والمجتمع نتيجة احتدام التناقضات بينهما، ويدخل النمط الأول للأزمات في نطاق السياسات العامة (Public Policies )، أما النمط الآخر فينصف باعتباره يتطابق مع مفهوم التفاعلات السياسية وفق المنظور الواقعي (Realpoliti­k).

وفي هذا السياق يشير يونجشن كاي (Yongshun Cai ) إلى أن الأزمات التي تتفجر في التفاعلات الواصلة بين الدولة والمجتمع قد تتخذ أشكال متعددة تشمل إحباط التوقعات المجتمعية والإخفاق في الاستجابة للمطالب، وتوقيع مسودات اعتراض والوقفات الاحتجاجية والثورة والانتفاضة، وهو ما يجعل تدخل الدولة يتراوح بين توظيف القوة بدرجات متفاوتة لاحتواء التحولات المجتمعية والرضوخ للمطالب بهدف الحفاظ على بقاء النظام( ).

7 وتتراوح استجابة نظم الحكم للضغوط المجتمعية وفقاً لمعياري القدرة على استخدام أدوات القمع المادي والرغبة في الاستجابة، ومن ثم يمتلك نظام الحكم أربعة أنماط هي: القمع (استخدام القمع دون الاستجابة لمطالب الشعب)، والتسامح (تجاهل المطالب وعدم استخدام العنف)، والتنازل المنضبط مع استخدام أدوات القمع المادي، وتقديم التنازلات (الاستجابة لمطالب الشعب وعدم استخدام أدوات القمع)، وعادة ما يلجأ لصيغة للتوفيق فيما بينهما لتجنب تداعيات الخيارات الحدية

وينطوي استخدام العنف على المخاطرة بشرعية النظام وتوسيع نطاق المواجهة بين نظام الحكم والمجتمع، كما أن الاستجابة وتقديم تنازلات سياسية من جانب الدولة قد تفسر على أنها فرصة سياسية (Political Opportunit­y ) تغري الفئات الثائرة لتصعيد التمرد أو تشجع فئات أخرى للاصطفاف إلى جانب المعارضة مما يؤدي لتغيير معادلات التفاوض بين السلطة السياسية والمعارضة، وهو ما قد يهدد بقاء النظام برمته.

ولعل أبرز الأمثلة الحديثة على الأثر العكسي لاستخدام العنف والاستجابة لمطالب المجتمع ما حدث خلال الثمانية عشر يوماً التي استمرت فيها الثورة المصرية في مرحلتها الأولى (25 يناير- 12 فبراير 2011،) حيث بدأ النظام السياسي في تقديم تنازلات يوم 28 يناير 2011 ووافق الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في خطابه الثاني على حل حكومة أحمد نظيف، وكلف أحمد شفيق بتشكيل حكومة جديدة بدلًا عنه، وأعلن عدم ترشحه لفترة رئاسية ثانية، وهو ما اعتبره المشاركون في الاحتجاجات انتصاراً جزئياً يمكنهم من رفع سقف مطالبهم إلى المطالبة بإسقاط النظام، ولم تتمكن الحكومة المصرية آنذاك من السيطرة على الاحتجاجات أو إنهائها، ولم تتمكن قوات الأمن المركزي والشرطة من السيطرة على الاحتجاجات واحتواء التظاهرات وتطويعها.

أما في الصين، فقد تمكن النظام الحاكم من الاستمرار في الفترة من 1995 – 2006، على الرغم من تصاعد حدة الاحتجاجات وتعدد أشكالها نظراً لأن ترتيبات السلطة السياسية وطبيعة العلاقة بين السلطة المركزية والحكومات المحلية تسمح للأخيرة باتخاذ التدابير التي تراها مناسبة للاستجابة لمطالب المحتجين بعد الرجوع للسلطة المركزية، وهو ما يمكن اعتباره ضمن أنماط اللامركزية المقيدة (Conditiona­l ). Decentrali­zation

حيث قامت السلطة السياسية بتوظيف سياسات تجمع بين القمع وتقديم التنازلات، بشكل مركزي أو عن طريق السلطة المحلية وفقاً لطبيعة أنماط الاحتجاجات ودرجة تهديدات للأمن والاستقرار، فمن بين 78 احتجاجاً شهدتها الصين بين عامي 1995 و2007 قامت السلطات المحلية والمركزية بتوظيف أدوات العنف لقمع الاحتجاجات في مواجهة 54 احتجاجاً، في مقابل تقديم تنازلات للمحتجين في حوالي 10 احتجاجات والمزج بين القمع والتنازلات في 10 احتجاجات أخرى، أما النمط الأكثر كثافة للتدخل في مواجهة الاحتجاجات فتمثل في التشارك في المسؤولية بين أكثر من جهة حكومية في نسبة 80.7% من الاحتجاجات التي شهدتها الصين.

ويرتكز التعافي السريع في نطاقات السياسة الداخلية على قدرة نظم الحكم على استيعاب التحولات في السياقات المجتمعية واحتواء تداعياتها ومواجهتها بأدوات متعددة تمنع اتساع نطاقها وتفاقمها والحفاظ على بقاء نظم الحكم في مواجهة التحولات الضاغطة والارتداد للحالة الطبيعية، وأخيراً مواجهة الأسباب الدافعة للتغيرات الضاغطة لمنع تهديدها للبقاء والاستقرار في المستقبل.

ثالثاً: التعافي ال�سريع في العلاقات الدولية

ظهر مفهوم التعافي السريع في إطار العلاقات الدولية في خضم التفاعلات الصراعية خلال الحرب الباردة، حيث إن الغاية الأساسية للتعافي السريع آنذاك كانت تقديم المساعدة للدول المتضررة من الحرب جراء الحرب العالمية الثانية في جهود إعادة الأعمار وبناء الدولة إلا أنها ارتبطت بحركة التنظير في الولايات المتحدة لمنع انتشار الشيوعية، خاصةً في القارة الأوروبية، فضلاً عن التصدي لاحتمالات تجدد الصراعات في القارة الأوروبية، وارتبطت هذه الجهود التنظيرية بهيمنة أدبيات الليبرالية الجديدة على عمليات تأسيس النظام الاقتصادي العالمي وهو ما انعكس في مؤسسات نظام بريتون وودز وعلى رأسها وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وعقب انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك حلف وارسو في مطلع تسعينيات القرن الماضي تصاعدت حدة الجدل حول مستقبل حلف الناتو في ظل فقدانه للغاية المركزية الداعمة لبقائه، وفي خضم هذا الجدل طرح مفهوم المرونة التنظيمية (Organizati­onal Resilience ) الذي يعني قدرة المؤسسات على التكيف مع التحولات في البيئة المحيطة للحفاظ على بقائها( ،) وفي هذا الإطار تبلورت أربعة اتجاهات حول

8 كيفية تعزيز المرونة التنظيمية لحلف الناتو: 1- المدرسة الواقعية الكلاسيكية: حيث أشار المنتمون إليها إلى أن استمرار حلف الناتو يستند إلى مصلحة الولايات المتحدة في الإفادة من الانفراد بصدارة النظام الدولي عبر تحقيق الاستقرار بالهيمنة (Hegemonic Stability ) ومواجهة التهديدات الدولية غير التقليدية للصدارة الأمريكية. 2- المدرسة الليبرالية الجديدة: حيث أكدت مقولات الليبرالية الجديدة على أن تعزيز المرونة التنظيمية لحلف الناتو عقب نهاية الحرب الباردة يرتبط بتصاعد تهديدات أمنية عالمية جديدة غير تقليدية تعيد لحلف الناتو غاية بقائه. 3- المؤسسية الجديدة: انبثق هذا الاتجاه من مدرسة الليبرالية الجديدة ليؤكد أن تمتع حلف الناتو بدرجة عالية من المؤسسية سوف تمكنه من الاستمرار على الرغم من انهيار الاتحاد السوفييتي، لاسيما في ظل تمتع الحلف بدرجة عالية من القدرة على التكيف مع التغيرات الدولية، والتماسك في مواجهة التهديدات والاستقلال­ية المؤسسية والمالية عن الدول الأعضاء. 4- المدرسة البنيوية: ركزت المدرسة البنيوية على أن المرونة التنظيمية لحلف الناتو ترتبط باشتراك الدول الأعضاء في الثقافة وسيادة منظومة قيم واحدة لديهم وهو ما يعزز التقارب في إدراك التهديدات والخيارات المطروحة لمواجهتها.

وفي المجمل طرحت الاتجاهات النظرية المختلفة عدة معايير لتحقيق المرونة المؤسسية (Organizati­onal Resilience ) والحفاظ على بقاء المؤسسات في مواجهة التحولات الضاغطة والتهديدات الوجودية، يتمثل أهمها في ثلاثة مسارات رئيسية: 1- توسيع نطاق العضوية: حيث إن توسيع نطاق عضوية المؤسسات يؤدي لتعزيز قدرتها على مواجهة التهديدات من خلال الإفادة من موارد وقدرات الدول الجديدة المنضمة للمنظمة الدولية، فضلاً عن تمكن المؤسسة من نشر رؤيتها لتحقيق الأمن على نطاق أوسع. 2- استباق التهديدات: يؤدي اتباع المؤسسات لنهج استباق التهديدات لتعزيز تماسك المؤسسة والحد من اتجاهات الانقسام داخل المؤسسة وهو ما يرتبط بتوسيع نطاق اختصاصات المؤسسة. 3- تعزيز الانتشار: تُعد القدرة على التغلغل والانتشار من أهم مؤشرات قدرة المؤسسات على البقاء ومواجهة التحولات في السياقات المحيطة، حيث إن انتشار فروع المؤسسة جغرافياً يعزز من قدرتها على أداء مهام متعددة، مما يزيد من فاعليتها وقدرتها على مواجهة التهديدات.

وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ظهرت الحاجة لمواجهة الإرهاب باعتباره قضية عالمية تفرض تكاتف جهود المجتمع الدولي، ومن ثم تدخل حلف الناتو عسكرياً في أفغانستان ثم العراق في إطار الحرب على الإرهاب والدول المارقة عالمياً، كما اشتركت قوات حلف شمال الأطلنطي في عمليات مواجهة القرصنة البحرية الناتجة عن تصدع دول منطقة القرن الأفريقي.

ولا ينفصل ذلك عن التغير في مفهوم الأمن، حيث أدت العولمة إلى توسيع نطاق الأمن، بحيث أضحت قضايا غير أمنية مثل الفقر، والتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية جزءاً لا يتجزأ من تعريف التهديدات الدولية التي تؤثر على جودة حياة الفرد، وتتطلب هذه التهديدات غير التقليدية أن تتبنى الدول أطراً تعددية لاتخاذ تدابير جماعية، فعلى الرغم من استفادة الدول

النامية من التضامن العالمي لمواجهة التهديدات غير التقليدية، لأنها لا تملك قدرات وموارد كافية لمواجهة هذه التهديدات، فإن هذه الأطر المؤسسية التعددية قد اختصمت من نطاق سيادة الدولة القومية( ).

9

رابعاً: المرونة في مواجهة تهديدات الاأمن غير التقليدي

لا تقتصر تطبيقات مفهوم المرونة والتعافي السريع على القضايا الأمنية والعسكرية وإنما باتت تشمل قضايا الأمن غير التقليدي المرتبطة باختلالات التنمية بين دول الشمال والجنوب وانتشار الدول الهشة والإخفاق في تحقيق الاستقرار السياسي والتهديدات البيئية والصحية والمجتمعية التي تتجاوز المفاهيم التقليدية للأمن.

وفرضت التغييرات المناخية والكوارث الطبيعية تهديدات عالمية تهدد أمن واستقرار الدول المتقدمة والنامية على السواء، فعلى الرغم من أن الدول المتقدمة تتحمل العبء الأكبر في زيادة نسبة الانبعاثات الحرارية لارتفاع مستويات التصنيع إلا أن تداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري باتت تهدد دول العالم كافة، وهو ما دفع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى توقيع الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي عام 1992 لتحديد مستويات الانبعاثات الحرارية التي تنتجها الدول المتقدمة، بالإضافة إلى إلزامها بتقديم المساعدات المالية والفنية المتعلقة بتكنولوجيا التعامل مع التغيرات المناخية للدول النامية.

وأعقب ذلك توقيع بروتوكول كيوتو 1997، الذي دخل حيز النفاذ في 2005، وألزم 37 دولة بخفض انبعاثات حرق الوقود الحفري بنسبة 5% بحلول 2012 كمرحلة أولى، وفي 2009 باءت قمة كوبنهاجن بالفشل نظراً للخلاف الذي نشأ بين الدول المتفاوضة، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية والصين باعتبارهما الدولتين صاحبتي أكبر نسبة انبعاثات حرارية حول الالتزامات الدولية المرتبطة بمواجهة الاحتباس الحراري( ).

10 ومن ثم يمكن القول إن ترتيبات دولية جماعية تفتقد لتحقيق معايير مرونة السياسات (Policy Resilience ) في التوفيق بين متطلبات التحديث المتواصل وثورة المعلومات، وبين المخاطر البيئية بالدول النامية، باعتبارها الأكثر قابلية للتأثر (more vulnerable ) مقارنة بالدول المتقدمة التي يمكنها التصدي لتداعيات تردي الأوضاع البيئية والصحية.

الأمر ذاته ينطبق على تهديدات انتشار الدول الهشة التي فقدت السيطرة على إقليمها، وتفككت مؤسساتها، بحيث أضحت غير قادرة على أداء وظائفها الأساسية بالتوازي مع انتشار الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية وقيامهم بأداء أدوار بديلة لهذه الدول في خضم الفوضى السياسية والأمنية، وفي هذا الإطار فإن مفهوم "التعافي السريع" يعني قدرة الدولة على استعادة مكانتها ووظائفها وفرض سلطتها على الفاعلين من دون الدولة والتفاعلات السياسية والمجتمعية المختلفة.

ويتطلب التعافي السريع في إطار عمليات بناء الدولة، تبني سياسات فعالة من جانب المجتمع الدولي تتمثل فيما يلي: 1- تقييم حالة الدولة: ويقصد بذلك تجميع كافة المعلومات المتاحة عن الدولة، مثل سياقات نشأتها التاريخية وخصائص الشخصية القومية والثقافة السياسية السائدة والتكوينات الديمغرافي­ة والتوزيع الجغرافي للموارد والفاعلين المركزيين. 2- تحديد مسببات التصدع: تتولى المنظمات الإقليمية الدولية تحديد المسببات الرئيسية لهشاشة الدولة، مثل الانقسام الداخلي والحروب الأهلية وتهميش الأقليات واختلال توزيع عوائد التنمية. 3- التدخل الدولي: حيث تقوم الأطراف الإقليمية والدولية بالتدخل للوساطة بين الفرقاء السياسيين والإسهام في إعادة بناء مؤسسات الدولة للقيام بمهامها بفاعلية، بيد أن هذه العملية تستبطن إدخال تحولات جذرية في بنية تلك المؤسسات والثقافة السائدة في المجتمع وإعادة هيكلة نظمها الاقتصادية والسياسية، فقد تنفرد بهذه المهمة دولة عظمي أو تحالف دولي أو منظمة دولية مثل الأمم المتحدة أو تقتصر على الأطراف الوطنية. وفي المجمل، تتعدد دلالات مفهوم التعافي السريع في النظم السياسية والعلاقات الدولية، بحيث تشمل كافة أبعاد الارتقاء بكفاءة الفاعلين في مواجهة الأزمات والكوارث واستعادة التوازن والتكيف مع التحولات الضاغطة والارتداد إلى الوضع الطبيعي، ويتطلب تحقيق ذلك وجود درجة عالية من الاستعداد والجاهزية ومستوى مرتفع من المرونة المؤسسية والقدرة على توظيف الموارد والقدرات في مواجهة الأزمات والكوارث لتحييد تداعياتها.

 ??  ??
 ?? سمية متولي السيد ?? مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة
سمية متولي السيد مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates