Trending Events - Future Concepts

”الأشكال غير المعلنة“لعلاقات الفاعلين الدوليين على الساحة العالمية

-

لا يمكن فهم العلاقات الدولية بالاعتماد على السياسات المعلنة وحدها، ولكن هناك تفاعلات سرية تتم بين الدول، أو بين الدول والفواعل المسلحة من دون الدول، وتلعب دوراً مهماً ومؤثراً في مسار التطورات الدولية، يمكن أن يطلق عليه: "السياسات الخفية" ‪Undergroun­d Politics(‬ ،) والتي يؤدي إلقاء الضوء عليها إلى تقديم فهم أكثر عمقاً للعلاقات الدولية. وتعد أبرز تلك التفاعلات في الدبلوماسي­ة السرية، ودبلوماسية المسار الثاني، والتفاوض مع الإرهابيين، والعمليات التآمرية.

ويمكن إيراد عدد من الملاحظات الأساسية حول هذه التفاعلات، أبرزها: 1- إن هذه التفاعلات بين الدول، ليست تفاعلات حديثة، بل ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بنشأة العلاقات الدولية، فالدبلوماس­ية السرية تعود جذورها إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وشهدت توظيفاً واضحاً في الفترة السابقة على الحرب العالمية الأولى، وكذلك فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، أما العمليات السرية، فهي من الأدوات التي تستخدمها الدول منذ قديم الأزل إلى درجة أن البعض أرجع تاريخ هذه العمليات إلى عهد الإمبراطور­ية الرومانية، في إطار حديثه عن الكيفية التي تمكنت من خلالها الإمبراطور­ية الرومانية من إحكام سيطرتها على الدول المطلة على حوض البحر المتوسط على مدار خمسة عقود كاملة، وذلك من خلال الالتجاء إلى أدوات، مثل عمليات التصفية، والعمليات شبه العسكرية والدعاية، وغيرها.

أما فيما يتعلق بالتفاوض مع الجماعات الإرهابية، فيلاحظ أن بريطانيا قد بدأت التفاوض مع الجيش الجمهوري الإيرلندي منذ الثمانينيا­ت على الرغم من أنها لم تنجح في التوصل لاتفاق سلام نهائي، سوى في عام 2007. وتم استخدام دبلوماسية المسار الثاني في الثمانينيا­ت، في إطار المحاولات الرامية للتفكير في حلول مبتكرة لتسوية الصراع بين البيض والسود في جنوب أفريقيا. وقد تم التوسع في تطبيق دبلوماسية المسار الثاني، بحيث أصبحت لا تقتصر على علاج الصراعات، ولكن كذلك كقناة لنقل نوايا الدول إلى الأطراف الأخرى. 2- إن الوعي بالأشكال غير المعلنة من تفاعلات العلاقات الدولية قد تم بفضل عدد من العوامل أبرزها: أ- تسريبات العاملين في المؤسسات الأمنية Insider( :)Threats والتي تكشف عن الجوانب الخفية من سياسات الدول، ومن ذلك تسريبات إدوارد سنودن، والتي أوضحت مثلاً الكيفية التي تدير بها الولايات المتحدة علاقاتها مع الحلفاء، وكيف أنها قامت بالتجسس على الدول الحليفة لها، مثل المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، والرئيس المكسيكي إنريكه بينيا نييتو والرئيسة البرازيلية ديلما روسيف. ب- تسريبات الدبلوماسي­ين وأجهزة الاستخبارا­ت لوسائل الإعلام: وتأتي في هذا الإطار التسريبات التي تقوم بنشرها الصحف الغربية، نقلاً عن دبلوماسيين غربيين، أو عاملين في أجهزة الاستخبارا­ت حول سلوك بعض الدول، مثل الجدل الذي أثير في أعقاب تصفية زعيم طالبان أفغانستان، أختر محمد منصور، والذي قامت الولايات المتحدة بتصفيته عند دخوله إلى باكستان قادماً من إيران، وحينها تم تسريب معلومات عن أن الملا كان يتلقى علاجاً في إيران، الأمر الذي أوضح وجود تواطؤ بين إيران وطالبان. ج- التحقيقات التي تجريها الدول: والتي تكشف عن بعض الأنشطة الهدامة للدول الأخرى على أراضيها، ومن ذلك فضح المخابرات الأمريكية تكليف مخابرات إيران المباشر إلى عصابة مكسيكية من أجل اغتيال وزير الخارجية السعودي الحالي، عادل الجبير، في واشنطن، في عام 2011، عندما كان يشغل منصب سفير السعودية لدى الولايات المتحدة، وتأكيد وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، مؤخراً، أن عملية الاغتيال تلك "كانت موقعة من أعلى المستويات في الحكومة الإيرانية". د- الفضائح الداخلية: والتي تلقي الضوء على الجوانب الخفية من سياسات الدول، والتي كان أبرزها فضيحة "إيران – كونترا" ‪Iran–Contra Affair(‬ ) في الثمانينيا­ت من القرن العشرين، والتي تضمنت قيام إدارة رونالد ريجان ببيع سلاح إلى إيران أثناء الحرب العراقية – الإيرانية في الثمانينيا­ت، وذلك على الرغم من كونها من الدول المحظور تصدير سلاح أمريكي إليها، وذلك في مقابل تسهيل الإفراج عن رهائن أمريكيين محتجزين لدى حزب

اله في لبنان، فضلاً عن استخدام إيرادات بيع الأسلحة لتمويل متمردي الكونترا في الهندوراس، في الوقت الذي أقر الكونجرس الأمريكي تشريعاً يحظر مثل هذا التمويل. ه- نشر الوثائق السرية: وذلك عندما تقوم بعض الدول الغربية برفع السرية عن بعض مراسلاتها الدبلوماسي­ة أو الوثائق المتعلقة بسياستها الخارجية بعد مرور فترة طويلة نسبياً من الزمن، كما يحدث بصورة دورية في الولايات المتحدة أو بريطانيا، بالإضافة إلى انهيار بعض الدول العربية في خضم الثورات العربية التي اندلعت في عام 2011، وسقوط أجهزتها الأمنية، وقيام الميليشيات التي استولت على مقارها بتسريب وثائقها، ومن ذلك استيلاء كتائب عسكرية في طرابلس على وثائق تفيد بأن المخابرات الليبية في عهد القذافي عملت ولعدة سنوات على قدم وساق لتنفيذ عمليات تخريبية في السعودية. 3- إن توظيف الدول السياسات الخفية ارتفع مع تصاعد الأزمات الإقليمية والدولية، ومن ذلك الاتهامات الموجهة إلى روسيا بتوظيف أشكال العمليات السرية كافة في الصراع الأوكراني، بما في ذلك دعم المتمردين في شرق أوكرانيا عسكرياً، بالإضافة إلى الاتهامات الموجهة إليها بشن حرب إعلامية – نفسية من خلال الأخبار التي تبثها قنواتها الرسمية، مثل روسيا اليوم، أو وكالة أنباء سبوتنيك، بهدف التأثير على الانتخابات الفرنسية والألمانية، وتقويض الثقة فيها، كما وضح في الاتهامات التي وجهها إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، إلى القناتين، حيث أكد أنهما لم تتصرفا كوسيلتي إعلام، بل كأجهزة ضغط ودعاية كاذبة.

وقد تصاعدت تلك الاتهامات عقب اتهام أجهزة الاستخبارا­ت الأمريكية في أواخر عام 2016، روسيا بالتورط في تسريب الفضائح لحملة هيلاري كلينتون الانتخابية، بهدف إضعاف فرصها في الفوز بالانتخابا­ت الرئاسية الأمريكية لصالح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ومن جهة ثانية، فإن تصاعد الأزمات الإقليمية والدولية، يدفع بعض الدول إلى اللجوء للدبلوماسي­ة السرية بين القوى المتصارعة في محاولة لضبط الصراعات بينهما، كما في المفاوضات السرية التي تمت بين إيران والولايات المتحدة منذ عام 2013 بوساطة عمانية، وانتهت إلى توقيع البرنامج النووي الإيراني، أو اللقاء الذي جرى في يناير 2017 ما بين مسؤولين مقربين من ترامب وبوتين في جزيرة سيشيل. 4- إن هناك جدلاً حول فاعلية الأدوات السرية في تنفيذ أهداف السياسة الخارجية للدولة، فالدبلوماس­ية السرية، وإن تم تحميلها مسؤولية اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية، فإنها، على الجانب الآخر، لعبت دوراً مهماً في التوصل لاتفاق البرنامج النووي الإيراني بين واشنطن وإيران في عام 2015.

ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى العمليات التآمرية، ففي حين يعتبرها البعض أداة فاعلة في تحقيق أهداف السياسة الخارجية، فإن البعض الآخر يرى أنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية، ومن ذلك أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، فقد أشار ريموند جارسوف، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، إلى أنه كانت هناك ثلاث مجموعات مستعدة لتنفيذ عمليات سرية في كوبا، أثناء تلك الأزمة التي كانت تنذر باندلاع حرب نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.

أما فيما يتعلق بالتفاوض مع الجماعات الإرهابية، فإن هناك جدلاً حول مدى جدواها، فبمراجعة التجارب الدولية المختلفة، يلاحظ أنه في حين أدى التفاوض مع الجيش الجمهوري الإيرلندي إلى إحلال السلام في إيرلندا الشمالية بعد تنفيذ اتفاق الجمعة الجيد في عام 2007، أو التوصل لاتفاق السلام بين الحكومة الكولومبية وجماعة القوات المسلحة الثورية المتمردة )الفارك( في أواخر عام 2016، نجد أنه في بعض الحالات الأخرى، قامت الدول بالارتكان إلى الأساليب الأمنية والعسكرية لتصفية الجماعات الإرهابية، على غرار ما قامت به روسيا في الشيشان، أو إسبانيا مع حركة إيتا الانفصالية.

وأخيراً، فإن دبلوماسية المسار الثاني، وإن نجحت في تسوية بعض الصراعات مثل حالة جنوب أفريقيا، فإنها فشلت في بعض الحالات الأخرى، كما هو واضح من إخفاقها في تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي.

وفي ضوء ما سبق، يهدف هذا الملحق إلى إلقاء الضوء على الجوانب الخفية من العلاقات الدولية. وفي هذا الإطار، تناولت الدكتورة رانيا السباعي موضوع "الدبلوماسي­ة السرية: قناة خلفية للتواصل وإبرام صفقات دولية"، وذلك لإلقاء الضوء على مفهوم الدبلوماسي­ة السرية، وتطوره التاريخي، وأنماطه الأساسية، بالإضافة إلى عرض وجهتي النظر المؤيدة والمعارضة لهذا الأسلوب في إدارة التفاعلات بين الدول.

وركز الباحث عمرو صلاح في موضوع "المسار الثاني: دور اللقاءات غير الرسمية في تسوية الصراعات بين الدول" على مفهوم دبلوماسية المسار الثاني، وأهدافها، ومدى فاعليتها في علاج الصراعات الدولية، بالإضافة إلى عرض بعض التجارب الدولية الرائدة في هذا المجال، مثل تجربة إيرلندا الشمالية، وجنوب أفريقيا، والصراع العربي – الإسرائيلي.

وتناول الدكتور شادي عبدالوهاب "الخيار الصامت: توظيف “العمليات التآمرية” في إدارة التفاعلات الدولية"، حيث عرض أبرز التعريفات المقدمة لمفهوم العمليات التآمرية، وأبرز السمات الأساسية له، بالإضافة إلى أشكاله الرئيسية، سواء تمثلت في الدعاية، أو العمليات التآمرية السياسية أو الاقتصادية، أو العمليات شبه العسكرية.

وأخيراً، ألقى الباحث شريف محيي الدين في موضوع "التفاوض مع الإرهابيين: محددات وأنماط التفاوض مع جماعات العنف المسلح" الضوء على المفهوم، ووجهات النظر المؤيدة والمعارضة للتفاوض مع الإرهابيين، فضلاً عن محددات نجاح التفاوض، والطرق المختلفة التي تسلكها الدول عند التفاوض مع الجماعات الإرهابية. المحرر

 ??  ?? ‪Undergroun­d Politics‬
‪Undergroun­d Politics‬

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates